الصومال: خلافات على الانتخابات بين السلطة الحاكمة والولايات

23 أكتوبر 2024
نائبة تقترع لرئاسة ولاية بيداوة، 19 ديسمبر 2018 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فشل المؤتمر التشاوري الوطني في الصومال في التوصل إلى توافق حول صيغة الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث تسعى الحكومة لانتخابات مباشرة بينما يفضل رؤساء الولايات الفيدرالية الانتخابات غير المباشرة للحفاظ على الحكم شبه الذاتي.

- يعارض رؤساء الولايات الفيدرالية الانتخابات المباشرة خوفاً من فقدان نفوذهم السياسي وتأثيرهم على العملية الانتخابية، بالإضافة إلى المخاوف من النزاعات القبلية والتحديات الأمنية والاقتصادية.

- السيناريوهات المحتملة تشمل استمرار الانتخابات غير المباشرة أو التوافق على توسيع المشاركة، بينما تبقى الانتخابات المباشرة مستبعدة حالياً.

يعكس فشل المؤتمر التشاوري الوطني في الصومال، الذي عقد في العاصمة مقديشو منذ نحو أسبوعين من دون التوصل إلى نتيجة توافقية حول صيغة الانتخابات الرئاسية المقبلة للولايات الفيدرالية في الصومال حتى الآن، حجم تباين الرؤى بين المشاركين حول هذا المقترح. وأرجع محللون غياب التوافق بين المشاركين في المؤتمر إلى مقترح الحكومة الصومالية توحيد وإجراء الانتخابات الرئاسية المباشرة للولايات الفيدرالية، تحقيقاً لتعهدات رئيس البلاد حسن شيخ محمود بإيصال الصومال إلى انتخابات ديمقراطية مباشرة، بدلاً من الانتخابات غير المباشرة التي كانت السمة البارزة في الانتخابات المحلية والوطنية.

لكن هذا المقترح قوبل برفض رؤساء الولايات الفيدرالية الذين يرون أن مصلحتهم لا تكمن في إجراء الانتخابات المباشرة، وقد تقوض الحكم شبه الذاتي للولايات، لهذا يتمسكون بإجراء انتخابات غير مباشرة بذريعة أن نموذج الانتخابات المباشرة لا يمكن تنفيذه في الوقت الحالي. حالة الجمود التي رافقت المؤتمر التشاوري الوطني تنذر بأزمة خلافات سياسية قد تعوق التطورات الراهنة في الصومال وسط محاولة ترمي إلى ردم الهوة بين الأطراف المختلفة.

الحكومة تريد انتخابات مباشرة في الصومال

ترفع الحكومة الصومالية برئاسة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري شعار ضرورة تجاوز عهد الانتخابات غير المباشرة، رغم المعارضة السياسية التي تتمثل في جبهتي رؤساء الولايات الفيدرالية والسياسيين الطامحين لقيادة البلاد، وهما تشتركان في المخاوف من هذا المقترح بحسب المحلل السياسي أحمد عينب.

وقال عينب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الخلافات السياسية الحالية ليست جديدة في الصومال وإنما جزء من مسلسل الخلافات التي غالباً ما تبرز مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، والحكومة الصومالية تدرك أن هذا المقترح لن يجد آذاناً صاغية بالنسبة للمعارضة، التي تعارض كل ما من شأنه أن يساهم في رصيد الحكومة الحالية.

أويس حسن: الانتخابات المباشرة لا تضمن لرؤساء الولايات الحالية العودة إلى كرسي الرئاسة

وأضاف أن الحكومات المتعاقبة في الصومال كانت تطمح لتحقيق هذا المقترح من أجل انتخابات مباشرة في البلاد، على المستويين المحلي والفيدرالي، بما يتماشى مع رغبات المجتمع الدولي، لكن غالباً ما يصطدم هذا المقترح بطموح المعارضة السياسية ورؤساء الولايات، وهي كتلة ترى أن هذا النموذج يرفع مكاسب الحكومة في الانتخابات المباشرة ويسحب البساط من تحت أقدام المعارضة السياسية.

وحول إمكانية تمرير هذا المقترح الذي حظي بدعم من المجتمع الدولي، استبعد عينب تحقيقه في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل رفض ثلاثة من رؤساء الولايات الفيدرالية من أصل الولايات الخمس التي تتكون منها البلاد، مضيفاً: قد تنجح الحكومة باستمالة بعض الولايات الفيدرالية لشق صف كتلة رؤساء الولايات الفيدرالية، لكن المعطيات الراهنة والديناميات السياسية في البلاد تشي بأن مقترح الحكومة محكوم بالفشل، وسينتهي الأمر إلى إجراء الانتخابات غير المباشرة كما جرت العادة.

رجح محمد عبدي شيخ استمرار العمل بنموذج الانتخابات غير المباشرة

وأشار عينب إلى أن الحكومة الصومالية اقترحت فكرة تنظيم الانتخابات المباشرة، وتمديد فترة ولاية رؤساء الولايات الفيدرالية مدة سنة لتوحيد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية للولايات من دون طرح مسارات وطرق ترتيبها، ما يثير مخاوف المعارضة التي ترى أن من شأن هذه الخطوة أن تتضمن محاولة لتمديد ولاية الرئيس الصومالي بذريعة توحيد الانتخابات المباشرة التي تتطلب مزيداً من الوقت.

وكان رئيس الوزراء حمزة عبدي بري أعلن، في مؤتمر صحافي قبل أيام، استمرار المؤتمر التشاوري، حيث ستُستأنف الاجتماعات في 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي بعد انتهاء المشاورات بين المسؤولين للتوصل إلى توافق سياسي حول الملفات الأساسية، وأبرزها صياغة إجراء انتخابات مباشرة.

مخاوف من نموذج الانتخابات المباشرة

قد لا تختلف الحكومة المركزية مع رؤساء الولايات الفيدرالية في الكثير من الملفات، لكن عندما يأتي وقت الانتخابات، سواء كانت محلية أو فيدرالية، تثار الخلافات بينهما بسبب تباين الرؤى حول صيغة وشكل الانتخابات التي ستجرى في البلاد.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مقديشو أويس حسن، لـ"العربي الجديد"، إن مخاوف رؤساء الولايات الفيدرالية في تنظيم انتخابات مباشرة تكمن في ثلاثة أبعاد رئيسية، أولها أن الانتخابات المباشرة لا تضمن لرؤساء الولايات الحالية العودة إلى كرسي الرئاسة، لأن نسبة الفوز والخسارة متساوية بالنسبة لهم، وهو ما يدفعهم إلى معارضة هذا النموذج الانتخابي. أما البعد الثاني فهو أن لجنة انتخابية وطنية ستشرف على الانتخابات المباشرة، وسيُعيّن ثلث أعضائها من قبل الحكومة المركزية، ما يقلل تأثير ودور رؤساء الولايات على مجريات العملية الانتخابية، ما قد يرجح احتمال خسارتهم في الانتخابات المباشرة.

أما البعد الثالث، بحسب حسن، فإنه يكمن في أمرين أساسيين، الأول أن الانتخابات المباشرة في الصومال بمعناها السياسي هي إعادة السلطة للشعب، ما يعني أن هذا النموذج الانتخابي سيُضعف قدرة رؤساء الولايات الفيدرالية في الحفاظ على نفوذهم السياسي في البلاد، وسينهي مسلسل الخلافات السياسية المتكررة وتضارب الصلاحيات بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية. أما ثانياً، وفق حسن، فيتعلق بالتوازنات القبلية، كون رؤساء الولايات الفيدرالية يتخوفون من أن نموذج الانتخابات المباشرة سيؤدي إلى خلل في التوازن القبلي، ما يسفر عن نزاعات قبلية في حال لم تتبلور فكرة أخرى للحد من حدوث نزاعات عشائرية سياسية. وأوضح حسن أن هناك عوامل أخرى قد تعرقل مسار تنظيم انتخابات مباشرة، ومنها التحدي الأمني والاقتصادي، إلى جانب غياب البنية التحتية الأساسية اللازمة لإجراء انتخابات مباشرة، مثل تسجيل الناخبين ومراكز الاقتراع، فضلاً عن التحديات القانونية مثل إقرار قوانين العملية الانتخابية وتشكيل اللجان الانتخابية الوطنية.

ويعد منتدى التشاور الوطني منصة شبه رسمية تجمع بين رئيس البلاد وحكام الولايات الفيدرالية، إلى جانب رئيس الوزراء ونائبه ومحافظ ولاية بنادر، بهدف مناقشة القضايا الوطنية التي تتطلب توافقاً سياسياً بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية. وكان رئيس ولاية جوبالاند أحمد مدوبي انسحب من المؤتمر رفضاً لمقترح إجراء انتخابات مباشرة، فيما رفض رئيس ولاية بونتلاند سعيد دني المشاركة في اجتماعات المؤتمر بسبب خلافاته مع الحكومة المركزية، الأمر الذي سيجعل مخرجات المؤتمر التشاوري غير مكتملة.

السيناريوهات المحتملة

وفي ظل الخلافات السياسية بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الفيدرالية لرسم خريطة الانتخابات المقبلة في الصومال وإصرار كل طرف على موقفه السياسي، وسط محاولات أممية لإنهاء هذه الأزمة، فإن الصومال مقبل على واحد من السيناريوهات الثلاثة التالية، بحسب محمد عبدي شيخ الباحث في مركز الصومال للدراسات.

السيناريو الأول الذي تشير بعض التقديرات إلى أنه مستبعد في الوقت الراهن، إجراء انتخابات مباشرة في الولايات الفيدرالية في موعد واحد، وفق مقترح الحكومة المركزية، الذي سيؤدي لتعزيز سلطة الحكومة المركزية وتجريد الولايات الفيدرالية نفوذها، لكن هذا السيناريو تقابله عدة تحديات قد تعرقل طريقه، وتتمثل في غياب قانون الانتخابات وعدم وجود لجنة انتخابية وطنية، إلى جانب التحدي الاقتصادي، حيث تتطلب تلك الانتخابات ميزانية كبيرة قد تشكل العامل الأساسي في تحقيقها، فضلاً عن التحدي الأمني بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض المناطق في البلاد.

السيناريو الثاني، وفق عبدي شيخ، يتمثل في استمرار نموذج الانتخابات غير المباشرة، وهو الأرجح بحسب التقديرات الحالية، وهو الأمر الذي يفضّله رؤساء الولايات الفيدرالية في الوقت الراهن إلى جانب المعارضة السياسية، كون هذا النموذج يترك باب الانتخابات المحلية والوطنية مفتوحاً على كل الاحتمالات، ولا يدعم رصيد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود الذي سيكون من أقوى المرشحين في الانتخابات الوطنية المقبلة، إذ يتوقع الكثيرون بأن الخلافات حول صيغة الانتخابات المحلية والوطنية ستُحل عن طريق التوجه إلى نموذج الانتخابات غير المباشرة، ما يعني أن الحكومة الحالية فشلت في تنفيذ أهم برامجها الانتخابية وهو تحقيق انتخابات مباشرة في البلاد.

السيناريو الثالث، بحسب عبدي شيخ، هو التوافق على إجراء انتخابات غير مباشرة لكن بتوسيع نطاق المشاركة، وتحدث هذه الحالة في حال أبدت الأطراف نوعاً من المرونة وقبلت صيغة الانتخابات غير المباشرة بمشاركة أوسع من الانتخابات السابقة، وهو أمر قد تقبله الحكومة الحالية التي تسعى إلى تغيير، ولو بقليل من نموذج الانتخابات السائد في البلاد، ليرتفع عدد المندوبين الذي سينتخبون النواب في البرلمان، بمجلسيه الشعب والشيوخ، إلى 200 مندوب لكل مقعد نيابي، أي بإجمالي نحو 55 ألف مندوب حسب التوقعات، بدلاً من 101 مندوب لكل مقعد في الانتخابات السابقة بنحو 28 ألف مندوب فقط.

المساهمون