حاول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عبر اجتماعه مع رئيس الحكومة حسين روبلي وزعماء الولايات الفيدرالية الخمسة، لمدة يومين، تخفيف الاحتقان في البلد، تمهيداً لإجراء مصالحة سياسية.
وبحث المشاركون في الاجتماع، الذي اختتم أعماله في مقديشو أمس الأول الأحد، أهمية تنظيم مصالحة اجتماعية وسياسية في البلاد، إلى جانب مواصلة جهود بناء مؤسسات الدولة، واستكمال العمل على وضع دستور للبلاد، وإعادة هيكلة الجيش، ومكافحة حركة "الشباب"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، التي تنشط في جنوب البلاد ووسطها.
قرر المشاركون في الاجتماع العمل على هيكلة الأجهزة الأمنية لضبط الأمن ومكافحة حركة الشباب
وقال المتحدث باسم الرئاسة الصومالية عبدالقادر علي، في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، إن شيخ محمود استضاف، في القصر الرئاسي، رؤساء الولايات (بونتلاند سعيد عبدالله دني، وجوبالاند أحمد مدوبي، وهرشبيلي علي جودلاوي، وجنوب غربي الصومال عبدالعزيز محمد حسن، وجلمدغ أحمد قورقور)، بالإضافة إلى روبلي وعمدة مقديشو عمر فنش.
وأشار علي إلى أن اللقاء التشاوري جاء انطلاقاً من رغبة شيخ محمود بتعزيز العلاقة بين الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية، تمهيداً لإجراء مصالحة سياسية في البلاد.
هيكلة الأجهزة الأمنية لمكافحة "الشباب"
وأعلن أن المشاركين في الاجتماع قرروا استكمال بناء مؤسسات الدولة في البلاد، بما فيها هيكلة الأجهزة الأمنية على نحو يخولها ضبط الأمن ومكافحة حركة "الشباب". وكشف أنهم قدموا توصية بضرورة إيجاد نظام انتخابي ديمقراطي بحلول العام 2026، وإجراء مصالحة سياسية واجتماعية في البلاد، لحل الخلافات السياسية التي أعاقت جهود بناء الدولة.
وأعلن عبدالقادر علي أن المؤتمر التشاوري ركَّز أيضاً على ضرورة استئناف المفاوضات بين أرض الصومال (صومالاند) والحكومة، التي توقفت أخيراً، إلى جانب استكمال النظام الفيدرالي، ورد الاعتبار لمؤسسات القضاء في البلاد.
وبشأن الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد، دعا المشاركون في المؤتمر إلى توحيد الجهود الإنسانية لمعالجة ظاهرة الجفاف وتوفير الدعم الإغاثي العاجل للمتضررين من أزمة القحط. وحثوا المجتمع الدولي والمحلي على الإسراع في تقديم يد العون للمحتاجين والنازحين في جنوب البلاد.
محاولة لتحسين العلاقات بين الحكومة والولايات
ووضع الكاتب والباحث الصومالي خالد أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، الجهود التي يبذلها شيخ محمود في إطار محاولة لتحسين العلاقات المتوترة بين الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية، التي كانت تصاعدت خلال السنوات الماضية بسبب الصراع على السلطة من جهة، والخلافات بشأن إجراءات تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية من جهة أخرى.
وأشار خالد أحمد إلى أن زيارة الرئيس، مطلع يونيو/حزيران الحالي، إلى جلمدغ وجنوب غربي الصومال، واجتماعه مع مسؤولي الولايتين، تأتي ضمن مبادرة أطلقها شيخ محمود لإحلال السلام وتعزيز التكامل والتعايش والمصالحة بين الصوماليين، من أجل فرض الاستقرار السياسي داخلياً، وإيجاد سياسة خارجية مستقرة مع دول الجوار والعالم.
إقامة عمل أمني مشترك
وقال الصحافي الصومالي عبدالعزيز برو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أحد أهداف الرئيس حالياً تتمثل في ضبط الأمن، "لكن هذا الأمر يحتاج إلى جدية كبيرة من قبل الرئاسة". واعتبر أن على شيخ محمود، ولتحقيق نتائج إيجابية انتهاج طريقة جديدة تتمحور حول "إقامة عمل أمني مشترك بين الأطراف الصومالية وإيجاد أرضية مستقرة سياسياً".
خالد أحمد: جهود شيخ محمود تأتي في إطار محاولة لتحسين العلاقات بين الحكومة والولايات
واعتبر أن جذور الخلاف بين الشركاء السياسيين في الصومال، تكمن في عدم إيجاد قوانين وتشريعات للبت في الخصومات السياسية. وقال: "إذا لم يتمكن الرئيس المنتخب من استكمال الدستور والاستفتاء عليه من قبل الشعب، والالتزام ببنوده، فستبقى الأزمات السياسية قابلة للاشتعال من جديد".
وبشأن الجفاف الذي يضرب البلاد، اعتبر برو أن زيارة شيخ محمود، مطلع يونيو الحالي، إلى مدينة بيدوا في ولاية جنوب غربي الصومال، والتي تضم أكبر تجمع للنازحين في جنوب البلاد، سلطت الضوء على مدى الكارثة، وحجم الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد، ولفتت الانتباه نحو تداعيات متفاقمة لمشكلة الجفاف، لتحقيق استجابة دولية سريعة لدعم المتضررين من الأزمة.
وأشار برو إلى أن الأزمة الأوكرانية قلَّصت مستوى الدعم الإنساني الممنوح سابقاً للصومال، بسبب تفاقم أزمات تتطلب اهتماماً أكثر من قبل المجتمع الدولي، لكنه أوضح أن "زيارة شيخ محمود إلى المناطق المتضررة من القحط والجفاف، هدفها الأساسي حشد الجهود محلياً ودولياً لمساعدة الضعفاء والمحتاجين".
وكان شيخ محمود أعلن بعد انتخابه رئيساً للبلاد، في 15 مايو /أيار الماضي، عن حزمة إجراءات هامة لدفع عملية بناء مؤسسات الدولة إلى الأمام، في مقدمتها تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، عبر فرض مصالحة سياسية واجتماعية بين الأطراف الصومالية، وذلك بعد خمس سنوات من التوترات السياسية، كادت تعصف بالجهود الإقليمية والدولية لبناء "صومال جديد".
لكن مجموعة من التحديات السياسية والأمنية لا تزال تقف حجر عثرة أمام جهود شيخ محمود. وإذا لم تترافق التفاهمات بين الشركاء السياسيين مع إجراءات فعلية لتنفيذ ما اتفق عليه، فإن النزاع السياسي والانفلات الأمني قد يتأججان.