الصين ـ أميركا: تفعيل مبدأ "إدارة الخلافات"

11 سبتمبر 2021
بايدن وشي في مركز تعليمي بكاليفورنيا عام 2012 (تيم رو/Getty)
+ الخط -

عاد ملف العلاقات الأميركية ـ الصينية إلى الواجهة، بزخمٍ إيجابي هذه المرة، بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ، إثر اتصال هو الأول بينهما منذ اتصال شي ببايدن في فبراير/شباط الماضي، لتهنئته بتسلّم منصب الرئاسة الأميركية. وجرى الاتصال مساء أول من أمس الخميس، وتمحور حول اعتماد مبدأ "إدارة الخلافات" بدلاً من أن تؤدي هذه التباينات إلى صدامات سياسية وإعلامية. ومع أن الاتصال كسر الجليد بين الدولتين، إلا أنه لم يتضمن اي توافقات حول أزمات عدة، مثل الخلاف حول منشأ فيروس كورونا، وقضايا تايوان وهونغ كونغ وإقليم شينجيانغ، فضلاً عن الحرب التجارية وصولاً إلى الملف النووي الإيراني والقضية السورية ومسألة أفغانستان، لكن الزعيمين ركّزا على نقاط التلاقي، وأبرزها التعاون في ملف الاحتباس الحراري وضمان عدم حصول أزمة نووية في شبه الجزيرة الكورية.


حالة الجمود الدبلوماسي بين البلدين لا يمكن أن تستمرّ

وفيما دام الاتصال الأول منذ سبعة أشهر ساعتين، فإن الاتصال الأخير استمر لساعة ونصف الساعة. وذكر البيت الأبيض في بيان أنّ بايدن سعى في اتصاله إلى ضمان عدم تحوّل "المنافسة" بين البلدين إلى "نزاع"، مضيفاً أن "الزعيمين أجريا مناقشة استراتيجية واسعة النطاق ناقشا فيها المجالات التي تتلاقى فيها مصالحنا، والمجالات التي تتباعد فيها مصالحنا وقيمنا ووجهات نظرنا". واعتبر البيان أن "التجربة ستثبت" ما إذا كان من الممكن كسر جمود العلاقات بين القوتين العظميين، التي تدهورت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. ولفت إلى أن "بايدن أكد اهتمام الولايات المتحدة الدائم بالسلام والاستقرار والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والعالم".
وتحدث مسؤول كبير في الرئاسة الأميركية لعدد من الصحافيين طالباً عدم نشر اسمه، إنّه خلال المكالمة الهاتفية أبلغ بايدن نظيره الصيني أنّ الولايات المتّحدة تريد "أن يظلّ الزخم تنافسياً وأن لا نجد أنفسنا في المستقبل في وضع ننحرف فيه إلى نزاع غير مقصود". وكشف أن المحادثة تركزت على القضايا الاقتصادية وتغير المناخ وفيروس كورونا. لكنّ المسؤول في البيت الأبيض أقرّ بأنّ حالة الجمود الدبلوماسي بين البلدين لا يمكن أن تستمرّ، محذّراً من أنّ بقاء الحال على ما هو عليه بين واشنطن وبكين ينطوي على مخاطر. وقال: "نحن مع منافسة شرسة، لكنّنا لا نريد أن تتحوّل هذه المنافسة إلى نزاع". وأضاف أنّ الغرض من المحادثة الهاتفية هو إرساء قواعد أمان تضمن أن "تدار العلاقة بمسؤولية" حتى "نصل فعلاً إلى وضع مستقرّ بين الولايات المتحدة والصين". وأوضح المسؤول الأميركي أنّ الهدف من المكالمة كان البحث في قضايا "واسعة واستراتيجية" وليس الخروج بقرارات ملموسة أو الاتفاق على موعد لعقد قمة ثنائية، لكنه لفت إلى أن "هدف الاتصال هو إبقاء القنوات مفتوحة".

وفي بكين قال الإعلام الرسمي إنّ الرئيسين الصيني والأميركي أجريا "محادثات صريحة ومعمّقة". ونقلت شبكة التلفزيون الحكومية "سي سي تي في" عن بيان رسمي مقتضب أنّ رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم "أجريا محادثات استراتيجية صريحة ومعمّقة وواسعة النطاق حول العلاقات الصينية ــ الأميركية والقضايا ذات الاهتمام المشترك". وأضافت أنّ شي أبلغ بايدن أنّ سياسة الولايات المتّحدة تجاه الصين تسبّبت بـ"صعوبات خطرة"، مشدّداً على مسامعه على أنّ إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الصحيح أمر بالغ الأهمية "لمصير العالم". وقال شي لبايدن وفقاً للمصدر نفسه إنّ "بلدينا والعالم بأسره سيعاني في حال حدوث مواجهة صينية -أميركية". وأضاف أنّ "مستقبل العالم ومصيره يعتمدان على قدرة الصين والولايات المتحدة على إدارة علاقاتهما بشكل صحيح. هذا هو سؤال القرن الذي يتعيّن على البلدين الإجابة عنه".


شي: مستقبل العالم يعتمد على إدارة علاقات واشنطن وبكين

ومرّت العلاقات بين واشنطن وبكين بوقت عصيب في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أشعل فتيل حرب تجارية بين البلدين فارضاً عقوبات ورسوما جمركية على البضائع الصينية، ثم تأزمت الأوضاع بعد تفشي فيروس كورونا من ووهان الصينية في أواخر عام 2019. وتعامل ترامب بعنصرية تجاه منشأ الوباء، واصفاً إياه بـ"الفيروس الصيني". لكن بايدن، كما في معظم الملفات الخارجية، لم يحد عن خطوات ترامب، ولم يتخلّ عن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين.

وجاء التواصل المباشر بين الرئيسين بعد محادثات سلبية بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وعدد من كبار المسؤولين الصينيين، في مارس/آذار الماضي، تمت في مدينة أنكوراج في ولاية ألاسكا وتميزت بالتوتر الشديد. كما أن زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان إلى بكين في يوليو/تموز الماضي لم تكن إيجابية، بل استمر الطرفان بتبادل الانتقادات بشكل شبه مستمر وكثيراً ما وقع تراشق علني بالكلمات، كما فرض كل طرف عقوبات على مسؤولي الطرف الآخر وتبادلا الانتقادات لعدم احترام الالتزامات الدولية.
(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)