الصين وأفريقيا

03 يونيو 2024
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره التونسي قيس سعيّد في بكين، الجمعة (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الصين تعزز تواجدها في أفريقيا بشكل تدريجي وهادئ، مستفيدة من تراجع النفوذ الغربي، خاصة فرنسا وإيطاليا، وتشهد علاقاتها تقاربًا مع دول مثل تونس التي تبحث عن بدائل اقتصادية وسياسية.
- تونس تعمق علاقاتها مع الصين، مؤكدة على دعم الإصلاحات السيادية ورفض التدخل الأجنبي، فيما تلتزم بمبدأ "الصين الواحدة" وتدعم مواقف بكين تجاه تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ.
- النقد الموجه للتقارب بين تونس والصين يبرز فشل الغرب في دعم الديمقراطية والحرية في العالم العربي، مما يدفع الدول الأفريقية لاستكشاف شراكات جديدة تعد بالفعالية الاقتصادية والاستقلال السياسي.

تواصل الصين تسلّلها التدريجي إلى أفريقيا، ببطء وبدون ضوضاء كبيرة، ولكن بثبات كبير ورؤية ثاقبة واستغلال مثالي لكل أخطاء المعسكر الغربي في مستعمراته القديمة. تخرُج فرنسا وإيطاليا من قواعدهما القديمة، ويتراجع نفوذهما فيها تدريجياً، ويتوسّع الهلال الداعم أو المتعاون أو المتقارب مع الصين وروسيا. ولعل التقارب أخيراً بين تونس والصين حمل أكثر من رسالة إلى المستعمر القديم الذي يخسر كل شيء تقريباً في شمال أفريقيا.

وعاد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، من زيارته إلى الصين بدعم سياسي واضح، ففي بيان مشترك، يوم الجمعة الماضي، برز الحديث عن "إقامة علاقات شراكة استراتيجية بين البلدين"، و"دعم الجانب الصيني بثبات الإصلاحات والإجراءات السيادية التي اتخذتها تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021... ويدعم الجانب الصيني بقوة جهود القيادة التونسية للحفاظ على سيادة تونس واستقلال قرارها الوطني... ويرفض رفضاً قاطعاً أي تدخّل أجنبي في الشؤون الداخلية التونسية". وعبّر الطرفان عن "معارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت أي ذريعة كانت".

في المقابل، عبّر الجانب التونسي عن "التزامه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يكرّس مبدأ الصين الواحدة"، ويُقر بـ"شرعية حكومة جمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين بأكملها، وبأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية... ويدعم موقف الصين المتعلق بهونغ كونغ وشينجيانغ".

سينتقد كثيرون التقارب التونسي مع "الصين الشيوعية" ومع "روسيا اللاديمقراطية"، غير أنهم لا يعودون على خيبة "الغرب الحر الديمقراطي" في كل الاختبارات التي وضعته وجهاً لوجه بين مصالحه الخاصة وأوهام الحرّيات التي يروّجها. وكان السقوط المدوي في غزة كفيلاً بأن يكشف كل هذا الكذب التاريخي الذي قسّم العالم عقوداً على أساس معسكرَي الخير والشر، والحرية والديكتاتورية.

لم يفعلوا شيئاً من أجل الحرية والديمقراطية في تونس أو ليبيا أو غيرها من الدول العربية، كان ذلك مجرّد كلمات وفتات من إعانات، كانوا شحيحين للغاية في دعم اقتصادياتٍ متعبة. ولذلك يبدو من حقّ هذه الدول أن تجرّب غيرهم، اقتصادياً على الأقل، بعدما سقطت تجربة الحرية. غير أنه سيتعيّن على الصديقة القديمة الجديدة، الصين، أن تكون أقلّ كلاماً وثرثرة سياسية، وأكثر فاعلية اقتصادياً من نظيراتها الغربية، وأن تضع يدها في جيوبها الملآنة، وتثبت أنها أكثر سخاء من غيرها، حتى تلِج من بوابة أفريقيا، تونس، إلى منطقةٍ كانت على مدى عقود محرّمة عليها، وإلا ففي نهاية الأمر لن يكون إلا تحالفاً أجوف، بلا مال ولا حرية، ولا حتى أوهام ديمقراطية.

المساهمون