استمع إلى الملخص
- التاريخ يشهد على استقلال التبت حتى ضمها ماو تسي تونغ للصين في 1950، ورغم منحها حكمًا ذاتيًا جزئيًا، أدت الثورة الثقافية إلى تدمير جزء كبير من تراثها.
- النقاش حول قانون التبت الجديد يعكس استخدام الولايات المتحدة للتبت كورقة سياسية ضد الصين، مؤكدًا على الدعم الأمريكي لحق شعب التبت في تقرير المصير وتحدي السيادة الصينية.
أقرّ مجلس النواب الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، بأغلبية 391 صوتاً مقابل 26، قانون تعزيز حلّ النزاع بين الصين والتبت الذي كان أقرّه مجلس الشيوخ في شهر مايو/أيار الماضي. ويدحض مشروع القانون قول الحكومة الصينية إن التبت كانت جزءاً من الصين منذ العصور القديمة. ومن شأن ذلك أن يجعل سياسة الولايات المتحدة أكثر تشدداً تجاه مسألة التبت، ويأمل مؤيدو مشروع القانون الضغط على بكين لحملها على استئناف المفاوضات مع الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتبت المنفي، إذ لم يعقد الجانبان أي حوار رسمي منذ عام 2010. وقال النائب الجمهوري عن ولاية تكساس مايكل ماكول إن إقرار مشروع القانون يوضح تصميم واشنطن على أن الوضع الراهن الذي ثبّته الحزب الشيوعي الصيني في التبت غير مقبول. وبموجب القانون الجديد، فإن كلمة "التبت" وفق السياسة الأميركية الجديدة لن تشير فقط إلى منطقة التبت ذاتية الحكم كما حدّدتها الحكومة الصينية، بل أيضاً إلى المناطق التبتية في أقاليم قانسو، وتشينغهاي، وسيشوان، ويونّان التي تخضع للسيادة الصينية. وكان مجلس النواب الأميركي قد أقرّ بالفعل نسخة من مشروع قانون مجلس الشيوخ في فبراير/شباط الماضي، قبل أن يجري تصويتاً ثانياً يوم الأربعاء الماضي. وقال راعي مشروع القانون في مجلس النواب، الديمقراطي جيم ماكغفرن من ولاية ماساتشوستس، إن النداءات السابقة التي وجهتها الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات بين بكين والدالاي لاما "دون شروط مسبقة" قد باءت بالفشل.
تؤكد بكين أن التبت ظلّت تحت الحكم الصيني المركزي أكثر من 700 عام
جذور الصراع بين الصين والتبت
تاريخياً، ظلّ إقليم التبت منطقة مستقلة حتى عام 1950، وذلك بموجب ترسيم الحدود مع الهند الذي تمّ التوافق عليه برعاية بريطانية في عشرينيات القرن الماضي. وبعد انتصار الحزب الشيوعي في الحرب الأهلية الصينية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، عمل الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ على ضمّ الإقليم إلى الأراضي الصينية. لكنه واجه مقاومة شرسة من سكان الإقليم استمرت عامين، قبل أن تتمكن القوات الصينية من فرض سيطرتها، وأصبح الإقليم منطقة حكم ذاتي تابعة للجمهورية الشعبية. ولكن سرعان ما اندلعت انتفاضة شعبية في عام 1959، قتل وجرح فيها عشرات آلاف من التبتيين، لكنها نجحت في انتزاع الاستقلال عن الصين، ولم يدم الأمر طويلاً، حيث عاد الجيش الصيني بقوة في عام 1962، وتمكن من سحق المقاومة. وإثر ذلك، فرّ الزعيم الروحي للإقليم الدالاي لاما إلى شمال الهند، وأعلن هناك عن تشكيل حكومة تبتية، لكنها لم تحظ باعتراف دولي. وفي منتصف ستينيات القرن الماضي، منحت بكين إقليم التبت حكماً ذاتياً جزئياً، ولكن بعد عام واحد، انقلبت الأوضاع في الإقليم رأساً على عقب إثر اندلاع الثورة الثقافية في الصين، التي أدّت إلى تدمير معابد التبتيين وإتلاف تراثهم الثقافي والديني. ولكن بعد رحيل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في عام 1976، أبدت بكين استعدادها لعودة الدالاي لاما، شريطة عدم إسناد أي مسؤوليات له وأن تكون بكين محل إقامته، وليس لاسا، عاصمة التبت، لكنه رفض العرض الصيني.
وانغ جو: أزمة الصين والتبت لا تعدو كونها ورقة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة عند الحاجة
وفي عام 1987، قدّم الدالاي لاما عرضاً يهدف إلى جعل التبت منطقة سلام مثل الفاتيكان تُحترم فيها حقوق الإنسان الأساسية والحريات العامة، وقد لاقت الخطة قبولاً في الغرب، لكن بكين رفضتها بشدة. بعد عام، أطلق الدالاي لاما مبادرة لحل الصراع بين الصين والتبت عُرفت بـ"الطريق الوسط"، وتقضي بتخلي سكّان التبت عن مطالبهم بالاستقلال، في مقابل حكم ذاتي واسع في الإقليم، وهو الأمر الذي رفضته بكين. ومنذ ذلك الحين، تشهد المنطقة نزاعات وتوترات مستمرة، وتحذر الصين من النزعة الانفصالية في الإقليم، بينما تتهمها منظمات حقوقية بممارسة الاضطهاد الديني بحق نحو سبعة ملايين نسمة (عدد سكان التبت). وتؤكد بكين أن التبت ظلّت تحت الحكم الصيني المركزي أكثر من 700 عام، على الرغم من الفترات الطويلة التي جادل فيها الناشطون التبتيون بأن المنطقة كانت تتمتع بالحكم الذاتي فعلياً. وقال الدلاي لاما إنه لا يسعى إلى الاستقلال السياسي للتبت، لكنه لم يعترف بمطالبة بكين التاريخية بالسيادة على التبت. وفي إبريل/نيسان الماضي، أكدت وزارة الخارجية الصينية أن أي اتصال أو محادثات مع الزعيم الروحي للتبت سوف تتعلق "بمستقبله الشخصي"، أو على أقصى تقدير، بمستقبل مساعديه المقربين، وليس بمسألة الحكم الذاتي للتبت أو بحث الصراع بين الصين والتبت.
ورقة سياسية
في تعليقه على مشروع القانون الأميركي الجديد بشأن التبت، قال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة صن يات سن، وانغ جو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأمر لا يعدو كونه ورقة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة عند الحاجة. وأضاف أنه "ليس مستغرباً أن تثار هذه القضية في هذا التوقيت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لخوض سباق الانتخابات الرئاسية". كما لفت إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ توليه منصبه في عام 2021، لم يلتقِ بعد بالدالاي لاما، هو الذي كان قد انتقد قبل سنوات سلفه دونالد ترامب لكونه الرئيس الأميركي الوحيد منذ ثلاثة عقود الذي لم يلتق بالزعيم الروحي للتبت أو يتحدث معه. وأكد وانغ جو أن ذلك يشير إلى هشاشة الاستراتيجية الأميركية الساعية إلى احتواء الصين، والتي تقوم على تسخين مثل هذه الملفات (مسألة التبت، حقوق الأقليات في إقليم شينجيانغ، تآكل الديمقراطية في هونغ كونغ، وملف تايوان)، واستخدامها أوراقَ مساومة عند الحاجة لكسب أصوات الناخبين في استعداء الصين وتصويرها على أنها التهديد الأول لقيم الديمقراطية والحرية في العالم.
وكان بايدن قد أعرب في وقت سابق عن تعاطفه مع قضية التبت، وأثار المخاوف مع الرئيس شي جين بينغ بشأن تصرفات الصين في الإقليم، وقام بتعيين مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية للعمل منسقاً خاصاً لقضايا التبت. يشار إلى أن وزارة الخارجية الأميركية تعتبر المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي ومناطق التبت الأخرى جزءاً من الصين، لكن مؤيدي مشروع القانون الجديد يقولون إن الإدارة الأميركية لم تتخذ قط موقفاً مفاده أن احتلال الحزب الشيوعي الصيني المنطقة في خمسينيات القرن الماضي كان ملتزماً بالقانون الدولي. ويدعي واضعو مشروع القانون الجديد بشأن العلاقة بين الصين والتبت أن الحكومة الصينية "تقمع بشكل منهجي" قدرة أهل التبت على الحفاظ على دينهم، وثقافتهم، ولغتهم، وتاريخهم، وأسلوب حياتهم، وبيئتهم، كما يؤكدون أنه بالنسبة للصراع بين الصين والتبت فإن أن شعب التبت له الحق في تقرير مصيره.