بعد سجن رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، ونائبَيه، نور الدين البحيري وعلي العريض، ثم اعتقال الرئيس بالنيابة منذر الونيسي، قررت الحركة بداية الشهر الماضي، تعيين القيادي عجمي الوريمي أميناً عاماً جديداً يتولى إدارة شؤون الحركة. والوريمي من القيادات القديمة في "النهضة"، انضم إليها منذ أكثر من أربعة عقود، في الصفوف الطلابية ثم تدرج في مؤسساتها، وسُجن خلال حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وتعرّض للتعذيب، وهو حاصل على الإجازة في الفلسفة، ومعروف بانفتاحه وعلاقاته الواسعة مع مختلف العائلات الفكرية. يتحدث في هذه المقابلة مع "العربي الجديد" عن وضع الحركة اليوم في ظل التضييق الذي تتعرض له.
ما هو وضع حركة "النهضة" السياسي والقانوني حالياً، قياداتها في السجن ومقرها مغلق وهي ملاحقة في كل مكان؟
أولاً، مقر الحركة المركزي مغلق من دون أي موجب قانوني، لأن التفتيش الذي أذنت به النيابة العامة لإحدى الفرق تم وانتهى وأُعد فيه محضر نهائي منذ أشهر. ومواصلة الإغلاق هو قرار تعسفي لا مبرر له سوى التضييق على نشاط الأحزاب السياسية ومنها حركة "النهضة" المصرة على مواصلة العمل في إطار القانون، والحريصة على ممارسة حقها الدستوري في تأطير المواطنين وتأدية دورها الوطني مع بقية الأحزاب بقطع النظر عن موقعها من الحكم، داعمة للحكومة أو في المعارضة، ولا يختلف الأمر في التعامل بمسؤولية مع قضايا البلاد.
يوماً ما سنستعيد مقرنا وحقوقنا وسترفع هذه المظلمة
كيف تتعاملون مع هذا الوضع عملياً؟
هذا القرار تعسفي ونحن مصرون على استرجاع مقرنا باعتباره عنوان الحركة، وهو الفضاء الذي تدور فيه أنشطته وتجتمع فيه قياداته المركزية، وهي اليوم ممنوعة من الاجتماع في المقر بقرار إداري صادر عن وزير الداخلية (كمال الفقي)، وهو قرار ظالم وجائر ونحن نناضل من أجل مراجعته. يوماً ما سنستعيد مقرنا وحقوقنا وسترفع هذه المظلمة، فالمعارضة حق شرعي ودستوري وعلى السلطة أن توفر الظروف الملائمة لعمل الأحزاب.
ما الجديد بخصوص المقر؟
الجديد أن صاحبة المقر ومالكته وجهت لنا مراسلات تطالب بمستحقات معاليم الكراء (الإيجار)، وتقدمت بقضية لاسترجاع المقر في المحكمة يوم 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
بخصوص وضع الحركة اليوم، هل نجحت مساعي شل "النهضة" بسجن رئيسها ونائبَيه؟
ليست هناك قوة قادرة على شل "النهضة"، ربما يتم التعسف بحقها، يمكن التضييق على أنشطتها لكنها مستمرة ومتواصلة، فهي جزء من النسيج الاجتماعي في البلاد ومكوّن أساسي في الحياة السياسية الوطنية وطرف مسؤول وقوة اقتراح معنية بإيجاد حلول لمشاكل البلاد.
الوحيد الذي يمكنه الحكم ببقاء "النهضة" في الحكم أو في المعارضة في الأغلبية أو الأقلية، هو صندوق الاقتراع والناخب التونسي، وليس طرفاً سياسياً أو جهة لا تعجبها "النهضة" أو أي طرف آخر، فالفيصل هو الشعب التونسي.
كيف يكون الفيصل هو الانتخابات، فيما المعارضة محاصرة ورموزها في السجون والأحزاب لا تشارك في الانتخابات، كيف ترون هذا المشهد السياسي وحالة الانسداد متواصلة؟
هناك إصرار من السلطة على المضي بمسار سياسي منفرد تدعمه الأقلية وترفضه الأغلبية، جاء بعد انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، بشّر بتصحيح مسار وبعدالة اجتماعية وتجذير الديمقراطية، لكنه في الحقيقة ضرب كل مكتسباتها وعمّق الأزمة المالية والاقتصادية وعزل البلاد، والجميع متضررون من هذه الخيارات والسياسات في جميع المجالات.
لم ننخرط في أي مرحلة من مراحل مسار انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021
هذا المسار الفوقي والمنفرد المفروض، لم ننخرط في أي مرحلة من مراحله، والتي كانت بنسبة مقاطعة شعبية قاربت 90 في المائة ونسبة مشاركة بـ10 في المائة (في الانتخابات التشريعية الأخيرة نهاية 2022 وبداية 2023 بدورتها الثانية).
وهي دليل صواب خيارنا وفشل مسار 25 يوليو ودليل فقدانه الشرعية الانتخابية، ولكن السلطة تواصل الهروب إلى الأمام وعدم المبالاة بدعوات الحوار من أطراف مدنية كاتحاد الشغل وأطراف سياسية منها جبهة الخلاص الوطني.
السلطة غير مكترثة بما يقال عن فشل المسار وهناك من يرى أن الأمر فُصل وقضي الأمر، والسلطة ثبتت مسارها؟
ما حصل هو انتكاسة بالفعل للانتقال الديمقراطي، ولكنه سيعود يوماً ما وستُستأنف الإصلاحات، ونعتبر أن المهمة المطروحة على البلاد هي إنقاذ تونس، وهي مهمة تهم الجميع لا طرفاً بعينه.
ولكن هناك انقسام اليوم في الساحة الوطنية بين الأحزاب المعارضة والمنظمات الوطنية، الساحة ليست منسجمة بهذا الخصوص؟
منذ 25 يوليو 2021 وحتى قبلها كان هناك موقف سلبي رافض للأجسام الوسيطة من الأحزاب والمنظمات، بينما الديمقراطية تُبنى على الأحزاب والتنافس بينها على قاعدة البرامج السياسية والتداول السلمي على السلطة.
واليوم قواعد اللعبة تتم بشروط الانقلاب وشروط (الرئيس التونسي) قيس سعيّد، وهو ما عمّق الأزمة وضيّق الآفاق المستقبلية للبلاد، ومن الضروري أن تتحمّل المعارضة مسؤوليتها حتى توفق في تعديل موازين القوى وتغيير قواعد المنافسة والعملية السياسية، وإيجاد أرضية مشتركة لتوحيد جهودها بوضع خريطة طريق تفضي إلى تجاوز الأزمة لاستعادة الديمقراطية والالتزام بالنضال السلمي المدني.
هناك من يرى أن المشروع في الحقيقة هو مشروع إقليمي يقوم على إنهاء الإسلام السياسي وعلى الأقل إضعافه وإخراج "النهضة" من المشهد؟
"النهضة" خرجت من الحكم بانقلاب 25 يوليو 2021، وبالتالي لا تتحمل مسؤولية الأوضاع والنتائج بعد ذلك التاريخ.
وفي تقديري فإن المعني بهذه السياسات هي كل الأحزاب السياسية، و"النهضة" غير معنية بالحديث عن الإسلام السياسي، فهو إسلام ديمقراطي وحزب وطني يعمل في إطار الشرعية القانونية، ومن يقرر أن تبقى "النهضة" في المشهد أو أن تتوارى وتتقهقر هو الناخب والصندوق.
أنت اليوم في الأمانة العامة، ماذا تقرر بشأن عقد مؤتمر الحركة من تأجيله، وهل تقررت إدارة الحركة عبر الأمين العام بعد سجن الرئيس ونائبَيه؟
اليوم في غياب رئيس الحركة الشرعي المنتخب المتواجد في السجن، الأمين العام هو الشخصية الأولى، يخاطب جميع الأطراف ويدير الجهاز التنفيذي للحركة، وبالتالي وضعها القيادي وضع عادي وطبيعي وتمارس نشاطها في الظروف المعلومة من الجميع فلا وجود لأزمة قرار.
هناك قيادات صف أول وقيادات في السجن ومن أولوياتنا النضال لإطلاق سراحهم، ولكن على الرغم من جسامة هذه الخسارة فإن "النهضة" تواصل طريقها ولديها من الأرصدة ما يجعلها قادرة على العمل كحركة مؤسسات يحكمها القانون، وتحتكم إلى نظمها الأساسية والداخلية ولا تعوزها الآليات لمجابهة التغييرات على المستوى الهيكلي.
سينعقد مؤتمر حركة "النهضة" عندما تتوفر شروط عقده
هل مؤتمر الحركة ما زال مطروحاً؟
ما زال المؤتمر مطروحاً بحسب قرار مجلس الشورى وسينعقد عندما تتوفر شروط عقده، ويكون مؤتمراً مضمونياً وديمقراطياً وانتخابياً، يعبّر عن انتظار مناضلي ومناضلات الحركة، وإن تعذّر عقده الآن فشعارنا الإصلاح، وقد شرعنا في نقاشات على المستوى القيادي وسنعمم النقاشات على مستوى القيادات الوسطى حول خريطة طريق للإصلاح.