بعد تقديم زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، في 31 مارس/ آذار الماضي، مهلة 40 يوماً لخصومه السياسيين في تحالف "الإطار التنسيقي"، لتشكيل الحكومة الجديدة، من دون مشاركة كتلته فيها، أصدر التحالف المدعوم من طهران، أمس الثلاثاء، بياناً، أكد فيه رفضه التعامل مع أسلوب المهل المقدمة إليه، وذلك في مؤشر آخر على استمرار الانسداد السياسي في العراق.
ومنذ نحو ستة أشهر عقب إجراء الانتخابات التشريعية العامة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دخل العراق في سلسلة أزمات سياسية واسعة، كانت لبعضها ارتدادات على المشهد الأمني في بغداد تحديداً. وبدأت هذه الأزمات برفض القوى الحليفة لإيران نتائج الانتخابات، بعد حلولها متأخرة بفارق كبير عن "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر (الذي تصدر النتائج بحصوله على 73 مقعداً في البرلمان)، مروراً بالطعن بإجراءات عدّ وفرز الأصوات الانتخابية.
وعرقلت قوى "الإطار التنسيقي" انعقاد ثلاث جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب الرئيس العراقي، من خلال مقاطعتها الجلسات التي تتطلب حضور ثلثي الأعضاء لاستكمال النصاب القانوني المطلوب لانتخاب الرئيس. وتسعى قوى "الإطار" إلى دفع الصدر لقبول مشاركتها في الحكومة المقبلة، بناء على عرف "المحاصصة"، فيما يتمسك الصدر بتشكيل حكومة "أغلبية وطنية".
أكد الإطار التنسيقي أنه غير معني بتحديد مهل زمنية
في غضون ذلك، تتصاعد التحذيرات من تأثيرات الأزمة الحالية، خصوصاً على المشهد الاقتصادي في البلاد، بسبب تعطل إقرار الموازنة المالية للعام الحالي 2022.
العراق: الإطار التنسيقي يرفض تشكيل الحكومة منفرداً
وفي بيان مطوّل صادر عنه، عقب اجتماع عقده في بغداد ليل الإثنين – الثلاثاء، واستمر حتى فجر أمس، قال "الإطار التنسيقي" إن "الانسداد الحاصل في العملية السياسية وتأخر تشكيل الحكومة لا يصبّان في مصلحة المواطن"، مؤكداً "الحرص على التعاون مع القوى السياسية الأخرى، خصوصاً ضمن المكون الأكبر (القوى السياسية الشيعية) لتحقيق مصالح البلاد، كما أن الإطار التنسيقي لم يسع ولم يطلب الانفراد بالسلطة ولم يعمل على إبعاد الآخرين، بل كان حريصاً على التعاون معهم".
وشدّد "الإطار" على أنه "غير معني مطلقاً بتحديد مدد زمنية لن تنتج سوى إطالة أمد الانسداد السياسي وتعطيل مصالح الناس، ويسعى بكل جهده للوصول إلى تفاهمات واقعية مع القوى السياسية الأخرى، بعيداً عن التفرد أو الإقصاء، وترتكز على عدم جعل المكون الأكبر أصغر المكونات وأضعفها"، في إشارة إلى مهلة الصدر.
وكان زعيم "التيار الصدري" قد أعلن منحه في 31 مارس الماضي مهلة 40 يوماً لقوى "الإطار التنسيقي" للعمل على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، دون مشاركة الكتلة الصدرية في مفاوضات وتفاصيل عملية التشكيل. وتنتهي مهلة الصدر بعد عطلة عيد الفطر مطلع شهر مايو/ أيار المقبل، فيما تصرّ قوى "الإطار" على إشراك الصدر ضمن الكتلة الكبرى وضمن الحكومة الجديدة، مع مشاركتها.
الصدر يرفض لقاء قوى "الإطار"
واعتبر قيادي بارز في "التيار الصدري" رفض قوى "الإطار التنسيقي" للمهلة بأنه "جاء بعد إصرار الصدر على رفض مقابلة أي من ممثلي أو قادة هذا التحالف، إلى حين انتهاء المهلة، حيث سعوا في الأيام الماضية إلى عقد اجتماع معه في النجف". وأكد المصدر أن "زعيم التيار الصدري رفض حتى تسلّم مبادرة الإطار التنسيقي، وهذا ما أزعج الإطار ودفعه إلى إصدار بيان رفض مهلة الصدر". وكشف عن "تواصل ولقاءات بين التيار الصدري وحلفائه في تحالف إنقاذ وطن (التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني) من أجل مناقشة الخطوات المقبلة ما بعد انتهاء مهلة الصدر، وللتأكيد على استمرار مشروع حكومة الأغلبية".
رفض الصدر لقاء قوى "الإطار" أو حتى تسلّم مبادرتها
في المقابل، تحدّث عضو تحالف "الإطار التنسيقي" النائب في البرلمان أحمد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، عن "عدم دستورية مهلة الصدر"، معتبراً أن هذه المهلة "عمّقت الانسداد السياسي، خصوصاً بعد قطع التواصل بين التيار والإطار التنسيقي". وشدّد على أن "حلّ أزمة تشكيل الحكومة الجديدة لا يكون إلا من خلال الاتفاق بين التيار وباقي الكتل السياسية الشيعية للدخول في كتلة كبيرة واحدة تكون هي المكلفة بمهام تشكيل الحكومة".
وأضاف الموسوي أن "الإطار التنسيقي عمل خلال الأيام الماضية على فتح قنوات اتصال مباشر مع التيار الصدري للوصول إلى اتفاقات تفضي إلى حل الانسداد السياسي، لكن التيار مصرّ على قطع أي حوار وتفاوض، وهذا ما يعمق الأزمة ولا يحلها".
وتعليقاً على بيان "الإطار التنسيقي" اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بيان "الإطار" الرافض لمهلة الصدر "مؤشر على أن لا وجود لأي مساحة تقارب مرتقبة بين الطرفين، إذ لا تزال مواقف كل منهما متصلبة، وكل طرف متمسك بنهجه". ورأى الشمري أن "إعلان تحالف الإطار التنسيقي عدم اعترافه بمهلة زعيم التيار الصدري لتشكيل الحكومة الجديدة رسالة بأنه لا يريد الالتزام بهذه المواعيد والتواريخ، ويصرّ على التوجه السياسي الذي يختلف عن رأي الصدر".
ويزداد المشهد السياسي العراقي تعقيداً في ظل استمرار انعدام فرص الاتفاق بين القوى الرئيسة في البلاد حيال ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك على الرغم من مضي أكثر من خمسة أشهر على إعلان نتائج الانتخابات.
وتعثرت حتى الآن عدة مبادرات سياسية داخلية، فضلاً عن وساطات قادتها قيادات إيرانية بارزة وشخصيات مهمة في "حزب الله" اللبناني، تحركت طوال الأشهر الماضية بين بغداد والنجف وأربيل، لتقريب المسافة بين كل من الصدر وقوى تحالف الإطار التنسيقي.