يحشد الناشطون العراقيون في العاصمة بغداد، وفي مدن جنوب ووسط البلاد، للتظاهر في الذكرى السنوية الأولى لانتفاضتهم التي خرجت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وللتأكيد على ثوابت عدّة رفعها الحراك منذ عام، وتصميمه على العودة إلى ساحات التظاهر، بعد انتهاء أزمة تفشي فيروس كورونا. ويتمسك المتظاهرون بشعاراتهم ومطالبهم، وأبرزها إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بقانونٍ انتخابي جديد، وبإشراف أممي، ومكافحة الفساد وفتح ملفاته التي تسببت في إفقار العراقيين، وتوفير الخدمات. ومن مطالب الحراك العراقي الإضافية إنهاء النفوذ الخارجي الإيراني والأميركي في البلاد، ومعه سيطرة الأحزاب والمليشيات المسلحة على مقدرات الشعب ومؤسسات الدولة، وإرساء ركائز الدولة المدنية لا الدينية.
ومع مرور العام الأول على التظاهرات الشعبية العراقية، والتي اقتصرت خلال الأشهر الماضية على اعتصامات داخل ساحات وميادين التظاهر في بغداد وجنوب ووسط البلاد بفعل تفشي الوباء، باستثناء تظاهرات متقطعة خرجت ردّاً على اغتيال ناشطين والمحاولات السياسية للالتفاف على قانون الانتخابات، تكون التظاهرات في العراق قد شكّلت أطول فعالية شعبية عفوية، تشهدها بلاد الرافدين منذ عقود طويلة. ويرى مراقبون أن هذا الحراك نجح في رفع وتغليب الهوية الوطنية على دونها من هويات فرعية، طائفية ومناطقية.
تواصل بين كافة التنسيقيات في المدن العراقية المنتفضة، لإعداد بيان موحّد في الذكرى
وتسبب القمع الحكومي ودخول مليشيات موالية لإيران على خطّ مواجهة المتظاهرين، بمقتل أكثر من 700 متظاهر، بينهم من هم دون الـ18 عاماً، وجرح ما لا يقل عن 27 ألف آخرين. وتصدرت بغداد وذي قار وكربلاء والنجف والبصرة القائمة، من حيث عدد ما بات يعرف بـ"شهداء ثورة تشرين"، الذين لا تزال صور قسم كبير منهم معلقةً في الشوارع والميادين المنتفضة.
وتحضيراً لسنوية الحراك، بدأ التحشيد منذ أيامٍ عدة، في بغداد ومدن جنوبية مختلفة، لإحياء الذكرى في الأول من أكتوبر المقبل، على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة من إقامة التجمّعات، مع استمرار تسجيل البلاد أرقاماً مرتفعة في إصابات كورونا، تجاوزت الخمسة آلاف إصابة في اليوم الواحد في عموم البلاد.
على الرغم من ذلك، أكد الناشط وعضو لجنة التنسيق في بغداد، سجاد حسين، أن "المتظاهرين والمعتصمين في كافة المدن العراقية المنتفضة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، يستعدون لإحياء ذكرى الثورة، والتأكيد على مطالبها"، متحدثاً عن أن فعاليات الذكرى المرتقبة ستتضمّن نشاطات مهمة مختصرُها توجيه رسائل لأحزاب السلطة، بأن "الثورة مستمرة، حتى وإن تحالف الوباء معكم مؤقتاً"، على حدّ تعبيره. ولفت حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود "تواصل بين كافة التنسيقيات في المدن العراقية المنتفضة، لإعداد بيان موحد سيصدر في الذكرى، على أن تكون الشعارات كذلك موحدة، مع تنظيم على مستوى عالٍ". وسيطالب الحراك، في ذكرى الثورة الأولى، بحسب الناشط، حكومة مصطفى الكاظمي بالكشف عن قتلة المتظاهرين، ووقف إطلاق الوعود من دون تنفيذها.
وحول الإجراءات التنظيمية، أكد حسين أن "ساحات الاحتجاج ستكون مفتوحة، وقد تمّ توفير آلاف الكمّامات الواقية والمعقمات للراغبين في المشاركة، كما لن يرفع ولن يسمح برفع سوى العلم العراقي". وأعرب الناشط من بغداد، في الوقت ذاته، عن خشية لدى الحراك جرّاء معلومات تتحدث عن محاولة أطراف سياسية استغلال الذكرى، للدخول على خطّها من أجل استهداف الكاظمي سياسياً، وهو ما يعدّ تحدياً جديداً للمتظاهرين.
من جهتها، تحدثت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن مخطط لأحزاب سياسية وفصائل مسلحة مرتبطة بإيران، ومعارضة لحكومة الكاظمي، للمشاركة في ذكرى انطلاق الثورة في إطار استهدافها لحكومة الكاظمي". ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن إحياء الذكرى الأولى للثورة، ستكون محفوفةً بالمخاطر المتمثلة بإمكانية حصول صدام بين المتظاهرين و"الولائيين" (المليشيات والفصائل العراقية المرتبطة بإيران)، الذين يستعدون لركوب موجة الذكرى، لضرب الحكومة.
تتحضّر الفصائل وأنصارها لرفع شعار طرد القوات الأميركية وشعارات مناهضة لحكومة الكاظمي، بحسب مصادر
بدوره، تحدّث نائب في البرلمان العراقي خلال اتصال مع "العربي الجديد"، عن عزم "الفصائل وأنصارها رفع شعار طرد القوات الأميركية من البلاد، وشعارات مناهضة لحكومة الكاظمي"، لافتاً إلى أن رفع هؤلاء خلال التظاهرات المرتقبة لصور زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب قائد "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة أميركية قرب بغداد بداية العام الحالي، سيتسبب في مشاكل. وأقر المصدر بوجود قلق لدى الحكومة من يوم الذكرى، معتبراً أن الفصائل المسلحة تريد إفساده واستغلاله لتوجيه الرسائل للحكومة ولواشنطن. وبحسب رأيه، فإن هدف الفصائل المسلحة إضعاف التظاهرات ونزع الصبغة الشعبية عنها، في ظلّ خشية هذه الجهات من حفاظ الحراك على قوته مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة، فيما تحاول هي تحسين صورتها أمام الرأي العام.
وأكد المصدر أن "التيار الصدري (الذي يتزعمه مقتدى الصدر) سيكون حاضراً بقوة في إحياء ثورة أكتوبر/ تشرين، ما قد يؤدي إلى حصول تصادم مع المتظاهرين والناشطين، وربما حتى مع أنصار الفصائل، إذا ما رفعت شعارات يرفضها أنصار الصدر، الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من ساحات الاعتصام والتظاهر، خصوصاً في ساحة التحرير والمطعم التركي، وسط العاصمة".
وتعليقاً على ذلك، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الشريفي، أن إحياء ذكرى الثورة سيعيد القوة والمكانة إلى التظاهرات الشعبية، كما كانت عليه في انطلاقتها، لا سيما مع تسجيل تباطؤ حكومي في تحقيق مطالب المتظاهرين. وحذّر الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من اختراق جهات سياسية وفصائل مسلحة للتظاهرات بغرض توظيفها خدمة لأجنداتهم، خصوصاً أن ذلك يأتي على أعتاب انتخابات مبكرة (مقررة في يونيو/ حزيران المقبل)، ما سيدفع لحصول عملية تصفية حساب عبر رفع شعارات تخدم تطلعات بعض الأحزاب والفصائل". ودعا الشريفي إلى "الحذر من قضية اختراق مطالب المتظاهرين، ومن الشعارات التي سترفع في ساحات الاحتجاج"، من دون استبعاد "حصول احتكاك بين المتظاهرين وأنصار الأحزاب والفصائل".
وبحسب معلومات الخبير العراقي، فإن عودة التظاهرات إلى سابق زخمها لن يقابلها هذه المرة عمليات قتل أو قمع، إذ إن الأحزاب والفصائل تخطط لاستثمار التظاهرات لصالحها بدل التوجه إلى ممارسات قمعية أو محاولات التصفيات الجسدية، خصوصاً بعدما أدركت هذه الجهات استحالة إخماد أصوات المتظاهرين بهذا الأسلوب، ما سيقودها إلى اعتماد خيار ركوب الموجة". كذلك أعرب الشريفي عن اعتقاده بأن القمع الحكومي سيكون غائباً أيضاً، مع تسهيل حكومي للعبور نحو المنطقة الخضراء ودخولها، وبأن السلاح الذي استخدم في قمع حراك 2019، لن يستخدم الشهر المقبل".