لا يبدو أن أياً من التحالفات السياسية المشاركة في الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني سيصمد خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد انتهاء عملية توزيع الوزارات والمناصب الهامة في الحكومة، وظهور الخلافات بين قادة الكيانات السياسية في هذه التحالفات.
وتأجلت الخلافات بعد انشغال تلك القوى طيلة الأشهر الماضية بفعل الحالة السياسية التي تتطلّب الهدوء، إلى حين استكمال توزيع المناصب وفق مبدأ المحاصصة المعمول به في البلاد، إضافة إلى قناعة بعض قادة الأحزاب بضرورة تبديل خريطة التحالفات والاستعداد لانتخابات مجالس المحافظات، المفترض أن تُجرى في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
تحالف "الإطار" مهدد بالتفكك
وأبرز التحالفات المهددة بالتفكك، هو تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يجمع معظم القوى السياسية الشيعية عدا التيار الصدري، إذ تشير مصادر من داخل التحالف، إلى أن "التحالف بات ثلاثة محاور، الأول يمثل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم إلى جانب رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، والثاني يمثل زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي إلى جانب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، والثالث هو زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وإلى جانبه السوداني".
وبيّنت ثلاثة مصادر من "الإطار التنسيقي" تحدثت مع "العربي الجديد"، مشترطة عدم ذكر أسمائها، أن "تماسك تحالف الإطار يتراجع، وسط تذبذب في المواقف السياسية بشأن بقاء قادته موحدين خلال الفترة المقبلة، إلا أن تهديد التيار الصدري يشكل الهاجس الأكثر خطراً عليهم، وهو ما يؤجل حالة الانهيار الكامل للتحالف".
ولفت أحد المصادر إلى أن "الحكيم والعبادي هما الأقرب إلى الانسحاب لوجود خلافات عديدة مع باقي قوى الإطار التنسيقي، تتعلق بمسألة كيفية إدارة الأزمة مع مقتدى الصدر، وكذلك ملف إدارة الحكومة والحشود المسلحة والعلاقة مع أربيل".
رائد فهمي: أهداف معظم الأحزاب التقليدية شخصية وهو ما يؤدي إلى انهيار تحالفاتها
وأضاف مصدر منهم، أنه "في الأسابيع الماضية تجلى هذا الانهيار بصورة كبيرة، حين أقدم رئيس الحكومة على استبدال عدد من مستشاريه المنتمين إلى طرف من الإطار بمستشارين آخرين ينتمون إلى طرف آخر"، مبيناً أن "السوداني استبدل بعض الموظفين في مكتبه من المنسوبين إلى الحشد الشعبي، بآخرين كانوا يعملون ضمن حزب الدعوة".
وعلى الرغم من هذه التأكيدات، التي تظهر من خلال تباين المواقف السياسية بين أعضاء مجلس النواب المحسوبين على الإطار، والمناوشات بين قيس الخزعلي ونوري المالكي، وتكرار حالة استبدال المستشارين، إلا أن النائب عن "ائتلاف دولة القانون"، محمد الصيهود، نفى وجود أي حالة انقسام داخل تحالف الإطار.
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك من يروّج هذه الأخبار، ليس لأجل النكاية بالإطار، بل في سبيل هدم منجزات حكومة السوداني التي تحظى بدعم كبير من الإطار التنسيقي".
أما تحالف "السيادة"، الأكبر على مستوى الأحزاب السنية، فإن حاله لا يختلف عما يمر به "الإطار التنسيقي"، فقد اعترف أخيراً القيادي في حزب "تقدم" (بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي)، النائب هيبت الحلبوسي، بقرب انتهاء تحالف "السيادة" النيابي بعد عام على تشكيله، مشيراً إلى أن ذلك يحصل نتيجة عدم التزام الشركاء في التحالف بالمواثيق والثوابت الوطنية. لكن بيان النائب الحلبوسي، سرعان ما عاد لحذفه بعد ساعات من إصداره، وأصدر التحالف ذاته بياناً يؤكد عدم صحته.
وجاء هذا بعد أن أعلن أربعة من نواب كتلة "تقدم" المنضوية في تحالف "السيادة"، انسحابهم من الحزب بسبب ملاحظات عدة على طريقة عمل حزب "تقدم"، وفق ما جاء في بيان صدر عن النواب فلاح الزيدان ولطيف الورشان وعادل المحلاوي ويوسف السبعاوي.
وفي إقليم كردستان، شمالي العراق، لم يتحالف الحزبان الكبيران الاتحاد الوطني، والديمقراطي الكردستاني خلال الفترة الماضية، على وقع ازدياد الصراعات بينهما. وبدأت هذه الخلافات مع انطلاق عمل حكومة السوداني وتحديداً بما يتعلق بتوزيع المناصب الهامة، سواء على مستوى الحكومة الاتحادية في بغداد أو المناصب الأمنية داخل الإقليم. وبلغت حدة الصراعات مرحلة كبيرة، ما أدى إلى فشل جهود الأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين الحزبين، وتتعلق أبرز الخلافات بقانون جديد للانتخابات.
ثبات الأحزاب المدنية والجديدة
وتبرز الأحزاب المدنية والكيانات السياسية الجديدة الناشئة في تحالف "قوى التغيير الديمقراطية" الذي يضم عدداً منها، إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي، وعلى الرغم من المشاكل المادية وضعف التنظيم وصعوبة مواجهة الأحزاب الكبيرة والتوقعات الكثيرة بشأن انهيار هذه التجربة، إلا أن حراك هذه القوى يبدو مستقراً لغاية الآن.
أعلن النائب هيبت الحلبوسي بقرب تفكك تحالف "السيادة" قبل سحب إعلانه
وقال سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إن "أهم ما يمكن أن يؤدي إلى نجاح التحالفات السياسية، هو التركيز على الأهداف المشتركة، وبما أن معظم الأحزاب التقليدية لديها أهداف خاصة وشخصية في نشاطها السياسي الخاص، فإن الانهيار سيكون مصيرها".
وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قوى التغيير الديمقراطية تعمل بحذر وبخطوات مدروسة، مع إجماعها على أهداف مشتركة تنطلق من حاجة العراقيين ومطالبهم في دولة حقيقية تخدم شعبها".
بدروه، رأى المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن "جميع التحالفات السياسية التي شكلتها القوى السياسية التقليدية وحتى المدنية في المراحل السابقة انهارت بسبب الأمزجة السياسية مرة، والمصالح الشخصية لمرات، ولم يستقر أي تحالف سياسي يجمع عددا من الأحزاب. وهذا الأمر طبيعي وصبغة طبيعية ودائمة في شكل العمل السياسي".
وأكد الشريفي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "اجتماع الأحزاب في الإطار التنسيقي كان لمواجهة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أما تحالف السيادة فكان يهدف إلى تمكين محمد الحلبوسي لمواجهة التحديات التي تواجه منصبه، أما الأكراد، فإن مشاكل عدم تمكنهم من صناعة تحالف ثابت جاءت بسبب تبدل قادة الأحزاب وعزل آخرين. وبالنسبة للمدنيين والشباب الجدد فهم أمام تحد كبير، لكن بكل الأحوال فإن مصير التحالفات واحد، وهو انتهاء المفعول والانهيار ثم البدء من جديد".