كشفت مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد، اليوم الاثنين، لـ"العربي الجديد" عن توجه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى تقديم خريطة طريق لحل الأزمة المتصاعدة في مدينة كركوك.
وتفجرت الأوضاع في المدينة قبل أيام بعد قرار الحكومة إخلاء مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني، تمهيدا لتسليمها للحزب تمهيداً لعودته إلى ممارسة أنشطته السياسية بعد نحو خمس سنوات من تركه كركوك.
وتسببت مواجهات اندلعت أول أمس السبت، بين محتجين أكراد من جهة وأنصار قوى وسياسية عربية وتركمانية من الجهة الأخرى، في المدينة بمقتل أربعة من المحتجين الأكراد وإصابة تسعة آخرين بجراح.
خريطة طريق لحل الأزمة
وقال نائب في البرلمان العراقي عن محافظة كركوك لـ"العربي الجديد" إن رئيس الوزراء يسعى لحل جديد في كركوك تقبله جميع الأطراف بالمدينة، العرب والأكراد والتركمان، من خلال جملة نقاط بحثها مع عدد من الأطراف السياسية.
وأضاف أن السوداني سيعقد، مساء اليوم الاثنين، اجتماعاً مع قادة التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) لعرض خريطة الطريق وحل الأزمة بأقل الأضرار"، على حد تعبيره، مؤكداً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني وكل الأحزاب السياسية العراقية، مهما كان انتماؤها القومي، لها الحق في التواجد بأي مدينة وممارسة عملها السياسي، لكن قد يعود الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقر آخر بالمدينة غير المقر الحالي محل النزاع.
وتحدث المصدر عن طرح الأحزاب الكردية تساؤلات عن مدى عدالة تواجد مليشيات مسلحة وممارستها أعمالاً سياسية وأخرى تجارية داخل كركوك، في وقت تتم عرقلة عمل الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وأكد عضو بمجلس محافظة كركوك المُنحل، طلب عدم الكشف عن هويته، خلال اتصال هاتفي بـ "العربي الجديد" أن التحقيقات التي أجرتها قوات الأمن بشأن مقتل المتظاهرين الأربعة، أكدت وجود نية قتل مبيتة وأن إطلاق النار كان مباشراً باتجاه المتظاهرين، مشيراً إلى أن التحقيقات طاولت أفراداً من الأمن، لكن هناك اعتقادا سائدا بوجود جهة دخيلة متورطة في إطلاق النار.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في بغداد "أمراً ولائياً"، أمس الأحد، بإيقاف تسليم المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وذلك بعد ساعات من قرار حكومي مماثل بـ"التريث" في تسليم المقر، ضمن مساعٍ لاحتواء الأزمة المتصاعدة.
وعلّق رئيس حكومة إقليم كردستان على القرار بأنه "مهزلة"، وقال في تغريدة له على حسابه بموقع "X"، إن القرار بإيقاف إجراءات تسليم مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك "مهزلة".
Today's ‘federal court’ decision is a farce -mb.
— Masrour Barzani (@masrourbarzani) September 3, 2023
تعهدات بملاحقة مطلقي النار على المتظاهرين
وكان السوداني التقى نواب محافظة كركوك من مختلف المكونات القومية، أمس الأحد، وبحث معهم "التطوّرات الأخيرة التي شهدتها كركوك، وأهم متطلبات حفظ الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في المحافظة"، وتعهد السوداني، بحسب بيان صادر عن مكتبه، بأن "العناصر التي ارتكبت الاعتداءات، وعملت على إثارة الفتنة، ستلاقي جزاءها العادل على وفق القانون".
وبدأت الأزمة بكركوك في 28 أغسطس/آب الماضي، حين قطع عشرات الأشخاص الطريق الرابط بين كركوك وأربيل بالكامل رافضين تسليم المقر الرئيس لقيادة العمليات العسكرية المشتركة في محافظة كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث تتخذ القوات العراقية من هذا المقر، وهو مبنى ضخم، مقراً لها منذ عام 2017. وسرعان ما توسعت الاحتجاجات لتشترك فيها أطراف من الحشد الشعبي وآخرون من الجبهة التركمانية والأحزاب العربية.
ودفعت الأحزاب الكردية بالمقابل بمحتجين لها، السبت الماضي، كإجراء مناوئ لتظاهرات القوى العربية والتركمانية، واندلعت الاشتباكات بين الطرفين عندما دخلت عناصر مجهولة منطقة الاحتجاجات وأطلقت النار في الهواء من أسلحة خفيفة، ما أدى إلى وقوع ضحايا وجرحى.
ويتولى إدارة كركوك محافظ عربي هو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنية مشتركة من مختلف القوميات بالمحافظة تحت إشراف الجيش العراقي، منذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك، نهاية 2017، بعد حملة عسكرية واسعة إثر تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق.
وكانت عودة منصب المحافظ الى القوى الكردية لتطبيع الأوضاع بالمحافظة هو شرط القوى الكردية، مقابل تأييدها تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني.
ويعد ملف المناطق المتنازع عليها من أعقد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، حيث لا تقبل المكونات العربية والكردية والتركمانية في تلك المناطق بأي تفاهمات تمس حقوقها، الأمر الذي يجعل من إمكانية إبرام تفاهمات جديدة تضع تلك المناطق وخاصة كركوك على حافة مشاكل وأزمات سياسية.
وأضيفت مادة بالدستور الجديد عرفت باسم "المادة 140"، تنص على إجراء استفتاء شعبي لسكان تلك المناطق حول رغبتهم بالبقاء مع إدارة بغداد أو الالتحاق بمدن الإقليم، لكن منذ عام 2005 لم تنفذ تلك المادة لأسباب سياسية وأمنية، أبرزها عمليات التغيير الديموغرافي التي طرأت عليها وخاصة كركوك.