أحرج تسارع وتيرة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي تستهدف القواعد العسكرية، التي تضم مستشارين عسكريين للتحالف الدولي، في العراق، إثر انتهاء المهام القتالية للتحالف، حكومة مصطفى الكاظمي، التي فشلت محاولاتها الجديدة لإقناع الفصائل المسلّحة بوقف الهجمات في تحقيق أي اختراق.
وكانت الحكومة العراقية قد تعهدت، قبل انسحاب القوات القتالية للتحالف نهاية العام الماضي، بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لتلك القواعد، مؤكدة قدرتها على ذلك.
إلا أن الأيام الأخيرة شهدت هجمات متتالية، استهدفت مرّات عدّة قاعدة "عين الأسد" بمحافظة الأنبار، و"فكتوريا" قرب مطار بغداد الدولي، فضلاً عن استهداف أرتال الدعم اللوجستي للتحالف الدولي، خصوصاً في المحافظات الجنوبية.
أبلغ مسؤول سياسي أميركي حكومة الكاظمي تذمره من تصاعد وتيرة الهجمات
ووفقاً لمسؤول مقرب من مكتب الكاظمي، فإن "الجانب الأميركي تواصل مع الحكومة العراقية بشأن الهجمات الأخيرة للفصائل المسلحة، وطلب منها أن تتدخل لوقفها". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة بدأت التمهيد لاجتماع مع بعض قيادات الفصائل لوقف الهجمات".
وتقاطعت تلك المعلومات مع أخرى أكدها نائب سابق، لـ"العربي الجديد". وقال إن "مسؤولاً سياسياً أميركياً أبلغ حكومة الكاظمي تذمره من تصاعد وتيرة الهجمات، من قبل الفصائل المسلحة، وطلب منها التحرك لمنعها بأسرع وقت ممكن، لا سيما مع وجود المستشارين العسكريين فيها (القواعد)".
معلومات أميركية عن المتورطين بالهجمات
وأشار إلى أن "الجانب الأميركي قدم للحكومة معلومات عن الجهات والشخصيات المتورطة بعمليات التصعيد الأخيرة". وأكد أن "بغداد بدورها قدمت وعوداً بحسم الملف وإنهاء تلك الهجمات، وقد بدأت بالفعل باتصالات مع قيادات الفصائل المسلحة، لإقناعها بوقف الهجمات".
وأوضح النائب السابق أن "الحكومة جددت تأكيداتها لبعض قيادات الفصائل، بعدم وجود أي قوات قتالية للتحالف الدولي في البلاد، وأن وجود المستشارين تم بطلب حكومي، وأن استهدافهم يمثل خروجاً على إرادة الحكومة".
في مقابل ذلك، ترفض الفصائل المسلّحة الوساطة الحكومية، مجددة تمسكها بالخيار العسكري والتصعيد. وفي تصريح لنائب زعيم جماعة "حركة الأبدال"، أحد الفصائل المسلحة الناشطة في العراق، كمال الحسناوي، لـ"العربي الجديد"، أكد "رفض أي تهدئة، أو محاولات لوقف الهجمات ضد القوات الأميركية المحتلة".
وأشار إلى أن "هناك رسائل ومحاولات من قبل الحكومة بهذا الاتجاه، وهذا ما رفضته وسترفضه الفصائل". وأضاف الحسناوي أن "الفصائل أعطت المهلة الكافية للحكومة العراقية لغرض إخراج القوات الأميركية المحتلة من الأراضي العراقية، لكنها فشلت في ذلك. لذا جاء دور الفصائل لإتمام هذه المهمة، التي سوف تحقق نجاحاً فيها في وقت قياسي قريب جداً، خصوصاً أن الأميركيين لا يعرفون إلا لغة القوة".
وكان الكاظمي قد جدّد أخيراً تأكيده انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي في البلاد، واستلام القوات العراقية معسكراتها. وانتقد استمرار قصف تلك المعسكرات من قبل بعض الفصائل المسلحة.
إلا أن قوى وفصائل مسلحة مختلفة تشكك بالتأكيدات الحكومية، وتعتبرها "التفافاً" على مطلب خروج كافة الوحدات الأجنبية من البلاد، بغضّ النظر عن التسميات التي تحملها.
الرد الأميركي ضد التصعيد متوقع
وأكد القيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، أحد أبرز الفصائل المسلحة المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، سعد السعدي، أن "التصعيد العسكري الأخير جاء بناء على عدم قناعة تنسيقية المقاومة بالانسحاب الأميركي من العراق، وهو في حقيقته انسحاب إعلامي وليس حقيقياً، كما تروج حكومة مصطفى الكاظمي لذلك".
سعد السعدي: الرد الأميركي ضد التصعيد أمر متوقع جداً
وتوقع السعدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يستمر التصعيد العسكري ضد الأهداف والمصالح الأميركية في العراق. وأشار إلى أن "الرد الأميركي ضد هذا التصعيد متوقع جداً، وأن فصائل المقاومة اتخذت إجراءات بهذا الصدد، وهي مستعدة لكل الاحتمالات".
وشدد على أن "الجانب الأميركي لم يلتزم بقرار البرلمان بالخروج من البلاد، ولم يلتزم بمخرجات الحوار الاستراتيجي مع بغداد، الذي تم عبر أربع جولات، وعمل فقط على تغيير اسم القوات المحتلة من قتالية الى استشارية". واعتبر أن "القوات القتالية ما زالت موجودة بالعدة والعدد، وأن الحكومة العراقية لا تعرف العدد الحقيقي لتلك القوات".
الحكومة في وضع محرج للغاية
الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد الشريفي، أكد أن الحكومة العراقية باتت في وضع محرج للغاية، مع عدم قدرتها على منع تلك الهجمات.
وقال الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "تصعيد الهجمات من قبل الفصائل يضع حكومة مصطفى الكاظمي في حرج كبير أمام المجتمع الدولي، وكذلك الإدارة الأميركية، لا سيما بعد تعهداتها بأن تحمي المستشارين الموجودين داخل القواعد العراقية".
وشدد على أن "استمرار التصعيد، من خلال قصف القواعد، أو استهداف الأرتال التابعة للتحالف الدولي، مع عجز الحكومة العراقية عن منعه، قد يدفع الإدارة الأميركية للتحرك والرد". وأشار إلى أن "شن ضربات جوية ضد مقار الفصائل، أو حتى تنفيذ عمليات اغتيال، خلال المرحلة المقبلة، ليس بالأمر المستبعد".
وكان فصيل "قاصم الجبارين" قد تبنّى إحدى الهجمات الصاروخية على قاعدة "عين الأسد"، واستهداف رتلي دعم لوجستي للتحالف الدولي بمحافظتي بابل والمثنى جنوب البلاد.
وتزامن التصعيد مع إحياء أنصار الفصائل الذكرى الثانية لاغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.