على الرغم من تحذيرات سياسية سابقة في العراق من تأخر إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتأثير ذلك على المشهد السياسي والأمني المحلي، أصدرت مفوضية الانتخابات العراقية، ليل الأربعاء – الخميس، إيجازاً صحافياً، أعلنت فيه أنه تقرّر إعادة فتح مراكز انتخابية جديدة وفرز أصواتها يدوياً، بالإضافة إلى إلغاء نتائج مراكز انتخابية كاملة، لافتة إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تغيير في بعض نتائج الانتخابات.
وتزامن ذلك مع موقف للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي أعلن أول من أمس الأربعاء تأييد بلاده لحل "قانوني وشفاف" للأزمة الناتجة عن الانتخابات التشريعية في العراق، وذلك خلال اتصال هو الأول من نوعه مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ تعرضه لمحاولة اغتيال أخيراً.
أصدرت هيئة قضائية توصيات بإعادة فرز مراكز انتخابية
وانتهت أمس الخميس، فترة النظر في الطعون الانتخابية من قبل هيئة قضائية داخل المفوضية، فيما كانت تسريبات قد تحدثت عن أن المفوضية سترسل النتائج للقضاء للمصادقة عليها، خصوصاً بعد صدور ثلاثة بيانات رسمية للمفوضية في وقت سابق أكدت فيها أن نتائج العد والفرز اليدوي جاءت مطابقة لما أفرزته النتائج الأولى بواسطة الأجهزة الإلكترونية، والتي تقول القوى المعترضة إنه جرى التلاعب بالنتائج من خلالها. وبث التلفزيون الرسمي العراقي أمس، تصريحاً للمتحدثة باسم المفوضية جمانة غلاي، قالت فيه إن "المفوضية رفعت 1430 توصية متعلقة بالطعون إلى الهيئة القضائية للنظر فيها، وإن الهيئة ردت بدورها وأصدرت ألف قرار، من بينها ست توصيات بإعادة عد وفرز مراكز انتخابية"، من دون أن تحددها. وأضافت أن "التوصيات الست صدرت بموجبها قرارات تراوحت بين عد وفرز 108 محطات انتخابية، وتمّ إلغاء نتائج محطات ومراكز كاملة بموجب التوصيات هذه"، مبررة سبب إلغاء نتائج مراكز انتخابية بـ"تكرار بصمة الناخب ببرنامج تقاطع البصمات، وتم إحالة المخالفين للمحاكم المختصة". وأكدت أن "المفوضية الآن بصدد تطبيق القرارات الألف، وأن حسمها يتطلب وقتاً، وهو يسبق إعلان نتائج الانتخابات النهائية"، لافتة إلى أن "تطبيق قرارات الهيئة القضائية، قد يسمح بحدوث تغيير في النتائج بعد إلغاء نتائج محطات ومراكز انتخابية".
وتعليقاً على ذلك، أكدت مصادر سياسية متطابقة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الطعون الجديدة التي قرّرت مفوضية الانتخابات التعامل معها، كانت مجمدة لدى اللجنة القضائية التابعة للمفوضية، بسبب عدم كفاية الأدلة، وأن قسماً كبيراً منها صُنّف على أنها شكاوى لا تهدد سلامة الانتخابات، لكن لقاءً جمع زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري ورئيس ائتلاف "النصر" حيدر العبادي، برئيس السلطة القضائية فائق زيدان، الثلاثاء الماضي، أسفر عن صدور سلسلة من الإجراءات القانونية الجديدة الخاصة بطعون الخاسرين، ومنها التعامل مع جميع الطعون المهملة سابقاً من قبل المفوضية. ولفتت المصادر إلى أن "القوى الخاسرة تسعى إلى كسب المزيد من الوقت لمواصلة الضغط على الفائزين في الانتخابات، وتحديداً التيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر)، وإيجاد سبل أخرى لجذبه إلى الحوار، لا سيما بعد عدم التفاعل مع مبادرة زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم للحوار بين القوى الفائزة وبين تلك المعترضة على نتائج الانتخابات، من قبل "التيار الصدري".
ورجحت المصادر ذاتها أن يكون قرار المفوضية كفيلا بتأخير حسم استحقاق إعلان النتائج النهائية حتى نهاية الشهر الحالي.
من جهته، أشار المرشح الفائز في الانتخابات، باسم خشان، إلى أن "لا مشكلة في فتح مزيد من الطعون، لكن بشرط أي يكون هناك آجال واضحة لإنهاء الجدل الحاصل". وبيّن خشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التأخير في تشكيل الحكومة وعدم اعتراف القوى الخاسرة بأنها باتت خارج اللعبة السياسية، أمران قد يتسببان بمزيدٍ من الأزمات على كل المستويات، لكن يبدو أن بعض القرارات التي تم اتخاذها أخيراً متأثرة بضغوط سياسية، تهدف بأي طريقة إلى تبديل النتائج ولو بشكل ضئيل، ومواصلة الضغوط على القوى الفائزة للاقتناع بالشراكة والحوار والتوصل إلى تسويات، وهو ما يرفضه أعضاء البرلمان من المستقلين والمدنيين".
ألغيت نتائج مراكز انتخابية بالكامل بموجب التوصيات
لكن عباس العرداوي، وهو عضو في حركة "حقوق"، الجناح السياسي لجماعة "كتائب حزب الله"، اعتبر أن مفوضية الانتخابات "لا تملك غير تنفيذ رغبة القوى التي تضررت من نتائج الانتخابات، خصوصاً مع وجود عشرات الأدلة على حصول عمليات تزوير وتلاعب بالنتائج وسرقة أصوات كثيرة من مرشحين وتحويلها إلى مرشحين آخرين"، على حدّ قوله. وبحسب العرداوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن "الإطار التنسيقي (التيارات المتضررة من النتائج) يرفض حالياً أي حوار أو تسويات مع الكيانات الفائزة، أو غيرها، ونحن ننتظر النتائج الحقيقية التي تمثل الأحجام الواقعية للأحزاب الشيعية"، معتبراً أن الوقت الإضافي الذي ستتسبب به عملية المراجعة الجديدة "أمر طبيعي ووارد في ظلّ عملية انتخابية أجريت في ظروف استثنائية ووفق تدخلات داخلية وخارجية وتأثيرات ومؤامرات".
وحذّر الخبير في الشأن السياسي العراقي، علاء مصطفى، من أن "التأخير في حسم نتائج الانتخابات، سيُدخل العراق تدريجياً في محطات تصادم مع بعض القوانين في الدستور، وتحديداً الخاصة بتشكيل الحكومة بعد انتهاء الانتخابات"، لكنه اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في العراق كل شيء ممكن، وقد يتم القفز على بعض فقرات الدستور لتحقيق بعض الغايات الحزبية، لكن إطالة أمد الأزمة قد لا تعني بالضرورة السماح بحصول تفاهمات سياسية".
وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، قد أعلن الأسبوع الماضي، عدم وجود أي دليل قانوني يثبت تزوير الانتخابات البرلمانية، كما تحدَّث عن ملف التحقيق بقتل المتظاهرين المحسوبين على القوى الخاسرة التي نظّمت احتجاجات قرب المنطقة الخضراء في بغداد، موضحاً أن التحقيق "مستمر، كما يستمر التحقيق بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي (7 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي) لدى اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء، ولم يعرض إلى الآن على القضاء". وتواصل القوى الخاسرة تحشيد أنصارها أمام بوابة المنطقة الخضراء، وقامت أخيراً بنصب خيام أمام بوابتها الرئيسية وإغلاقها بالكامل، بالتزامن مع تلويح باقتحام المنطقة المحصنة والاعتصام داخلها.