كشفت مصادر سياسية مطلعة في العاصمة العراقية بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماع زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، وهو أحد قيادات قوى الإطار التنسيقي الحليفة لإيران، مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في النجف، ليل أول من أمس السبت، لم يسفر عن أي نتائج واضحة، وسط تعويل على وساطة إيرانية جديدة لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء العراقيين لتشكيل الحكومة العراقية.
وجاء اجتماع العامري مع الصدر بعد تدخّل القضاء (المحكمة الاتحادية) على خط أزمة تشكيل الحكومة، متخذاً أمراً "ولائياً" بتجميد رئاسة البرلمان إثر شكوى قدمها نائبان مستقلان طعنا بدستورية جلسة البرلمان الأولى في 9 يناير/كانون الثاني الحالي، والتي انتخب فيها محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان. ودعا الصدر، عقب قرار المحكمة، الإطار التنسيقي "لأن يكون معارضة وطنية"، قائلاً: "نحن سنلتزم بأخلاقيات حكومة أغلبية وطنية".
وتأخذ أزمة تشكيل الحكومة في العراق منحى تصاعدياً بين التيار الصدري الذي يسعى إلى تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، وقوى الإطار التنسيقي الحليفة لإيران، والتي ترفض طروحات الصدر وتريد حكومة توافقية.
ويثير التقارب الواضح بين التيار الصدري وتحالفي "عزم" (بزعامة خميس الخنجر) و"تقدم" (بزعامة الحلبوسي)، والقوى الكردية، وتوجهها نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مخاوف لدى الإطار التنسيقي من تحجيم خياراته للمرحلة المقبلة، ما يدفعه إلى البحث عن مخرج للأزمة.
وجدّد الصدر، أمس الأحد، التأكيد على أن تكون الحكومة المقبلة في العراق، بصيغة أغلبية وطنية، في إشارة إلى عدم مشاركة كل القوى السياسية فيها. وكتب الصدر في تغريدة على "تويتر": "لا شرقية ولا غربية... حكومة أغلبية وطنية".
فشل اجتماع العامري والصدر
وقالت مصادر رفيعة مقربة من الصدر لـ"العربي الجديد"، إن "العامري ذهب إلى النجف للقاء الصدر حاملاً ثلاثة مشاريع في يده، وهي: المشاركة، المعارضة، والمقاطعة".
حمل العامري إلى النجف 3 مشاريع: المشاركة، المعارضة، والمقاطعة
وأوضحت المصادر أن "زعيم تحالف الفتح، أبلغ الصدر بأن الإطار التنسيقي يؤيد مشاركة كل قواه السياسية في الحكومة العراقية ضمن كتلة أكبر تجمعه مع الكتلة الصدرية، من دون تهميش أي طرف من الإطار، خصوصاً أن الصدر يرفض مشاركة (رئيس ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي و(زعيم مليشيا عصائب أهل الحق) قيس الخزعلي ضمن هذه الكتلة".
وبيّنت المصادر أن "العامري أبلغ الصدر من جهة أخرى، أن قوى الإطار التنسيقي بحثت بجدية مسألة مقاطعة العملية السياسية برمتها، إذا أصر الصدر على تهميش الأطراف السياسية الشيعية من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة". كما أنه، بحسب المصادر، "أكد أيضاً رفضه مشاركة جزء من أطراف الإطار في الحكومة وإقصاء أخرى، بل هو مع مشاركة كل قوى الإطار، وعلى رأسهم نوري المالكي، الذي يمتلك المقاعد البرلمانية الأكبر داخل الإطار التنسيقي".
ولفتت المصادر إلى أن "الصدر بدوره أبلغ العامري رفضه مشاركة كل الأطراف السياسية الشيعية في الحكومة المقبلة، مع استمرار وضع فيتو على مشاركة المالكي ضمن الكتلة الأكبر التي تجمع التيار الصدري والإطار التنسيقي، وكذلك معارضة مشاركة ائتلاف المالكي في الحكومة الجديدة، إضافة إلى اعتراضه على ضم الأطراف السياسية التي لديها أجنحة مسلحة إلى الحكومة، ومنهم حركة عصائب أهل الحق بزعامة الخزعلي".
انتظار الوساطة الإيرانية
وأشارت المصادر إلى ترقب وساطة إيرانية جديدة لتقريب وجهات النظر بين المعسكرين السياسيين (التيار الصدري والإطار التنسيقي) ضمن مبادرة قائمة على أهمية إيجاد حكومة توافقية لا تقصي أي طرف سياسي منها.
ولفتت المصادر إلى أن "اجتماع العامري مع الصدر لم يصل إلى أي نتائج وحلول، في ما يخص أزمة الكتلة الأكبر، وكذلك شكل الحكومة العراقية الجديدة"، موضحة أن "هدف الاجتماع كان إيصال رسالة الإطار إلى الصدر، مع إعطاء الأخير مدة زمنية للتفكير في مضمون الرسالة لحين حسم المحكمة الاتحادية العليا شكاوى الجلسة الأولى للبرلمان العراقي".
من جهته، قال القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوى الإطار التنسيقي لا تزال مصرة على التواصل مع التيار الصدري، بهدف تشكيل كتلة كبرى بين الطرفين، ثم الذهاب إلى تشكيل حكومة قوية تجمع كل الأطراف السياسية الفاعلة والمؤثرة على الساحة العراقية".
وأوضح الهلالي أن "الإطار التنسيقي بحث، خلال اليومين الماضيين، بشكل جدي وحقيقي الخطوات المستقبلية له، ومنها مقاطعة العملية السياسية، في حال تم الإصرار على تهميش أطراف سياسية معينة من الحكومة المقبلة".
واعتبر أن "أي حكومة تشكل من دون مشاركة الإطار التنسيقي، هي حكومة ضعيفة، ولن تصمد طويلاً، وعمرها ربما لن يتجاوز السنة واحدة، وكذلك أي حكومة من دون التيار الصدري لن تدوم طويلاً، ولهذا نحن نعمل على تشكيل حكومة تجمع الطرفين معاً".
وبيّن القيادي في الإطار التنسيقي أن "العامري اجتمع مع الصدر بصفته مفاوضاً عن قوى الإطار التنسيقي، وذهب حاملاً رؤية كاملة للصدر، لكن الاجتماع لم يصل إلى أي نتائج حاسمة ونهائية لحسم قضية الكتلة الأكبر وشكل الحكومة الجديدة، لكن تم الاتفاق على استمرار الحوارات والتفاوض خلال الأيام المقبلة".
الصدر مصرّ على حكومة أغلبية
في المقابل، قال القيادي في التيار الصدري، بدر الزيادي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر ما زال مصراً على مشروعه بتشكيل حكومة الأغلبية بدل حكومة التوافق والمحاصصة بين القوى السياسية، التي كانت سبباً رئيسياً في ما مر به العراق من أزمات على مختلف الأصعدة".
وبيّن الزيادي أن "الصدر لا يريد تهميش أي طرف سياسي من العملية السياسية، فكل الأطراف لها تمثيل في البرلمان، وأي كتلة لا تشارك في الحكومة يمكن لها لعب دور المعارضة بهدف تصحيح مسارات الحكومة". لكنه رأى أنه "لا يمكن الاستمرار في عملية مشاركة كل القوى في الحكومة، وعند كل أزمة تتبرأ هذه الكتل من الحكومة، على الرغم من أنها من شكلتها وهي من تسيطر على الحقائب الوزارية فيها".
أكد العامري للصدر رفضه مشاركة جزء من أطراف الإطار في الحكومة وإقصاء أخرى
وشدّد الزيادي على أن "استمرار زعيم التيار الصدري في اجتماعاته مع الإطار التنسيقي، يدل على حسن نيّته تجاه الشركاء في العملية السياسية، كذلك يدل على أنه ليس له عداء شخصي مع أي طرف، لكنه يريد تشكيل حكومة قادرة على حل أزمات العراق، لا حكومة تفاقم الأزمات الحالية في المرحلة المقبلة، بسبب المحاصصة".
في غضون ذلك، أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، "دعم القوى السياسية الكردية والسنية لأي تقارب بين القوى السياسية الشيعية".
وبيّن شنكالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية الكردية والسنية، لا تريد أن تكون جزءاً من الخلاف والصراع بين القوى السياسية الشيعية، بل تريد أن تكون جزءاً من حل الخلافات والصراعات، فهي تدرك أن هذا الصراع لا يصب في مصلحة أحد، وسيكون له تأثير على الشارع العراقي ومجمل العملية السياسية في العراق".
ولفت شنكالي إلى أن "القوى السياسية الكردية والسنية لا تزال تعمل على تقريب وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وهي تتواصل مع الطرفين عبر الاتصالات أو الاجتماع لتوحيد المواقف، لغرض التوجه نحو حكومة جديدة، مدعومة من قبل الأطراف السياسية التي لها ثقلها البرلماني والشعبي".
تداعيات لخيار المقاطعة
وتعليقاً على الأزمة السياسية القائمة، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، أن "مقاطعة العملية السياسية من قبل قوى الإطار التنسيقي، ستؤثر على مجمل العملية السياسية، وستكون مقدمة لإسقاط الحكومة الجديدة خلال فترة قصيرة، إضافة إلى تأثير ذلك على نظرة المجتمع الدولي للعملية السياسية، خصوصاً أن أطراف الإطار لها علاقات مع دول مختلفة".
وبيّن الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصدر "يدرك جيداً خطورة مقاطعة الإطار التنسيقي العملية السياسية، ولهذا فإنه يريد ضمّ أطراف من الإطار إلى الحكومة الجديدة، كما يسعى إلى إبعاد أطراف من الإطار لا يريد أن يكون حليفاً لها، كون ذلك يؤثر على مصداقيته في الشارع العراقي".
وكشف الخبير السياسي عن أن "هناك أطرافاً دولية تعمل أيضاً على توحيد المواقف السياسية بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وهذه الأطراف ربما تتمكن من توحيد البيت السياسي الشيعي من جديد، أما فشل هذه الأطراف فسيعمق الأزمة السياسية، وهو ما يدعو إلى القلق صراحة، خصوصاً مع وجود السلاح خارج سيطرة الدولة لدى بعض الأطراف السياسية".