مع مرور نحو عام على إعلان الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي انسحاب القوات الأميركية من البلاد، وتحويل مهام المتبقي منها إلى استشارية وتدريبية، تثير قوى من داخل تحالف "الإطار التنسيقي" شكوكاً بهذا الإعلان، مجددة حديثها عن السعي لإخراجها من البلاد.
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن الكاظمي انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي، التي قادتها أميركا لضرب تنظيم "داعش" في العراق، مؤكدا جاهزية القوات العراقية للدفاع عن البلاد، وأن دور القوات الأميركية أصبح يقتصر على المشورة والتدريب فقط.
وجاء قرار تحويل مهام القوات الأميركية إلى تدريبية، بعد جولات الحوار الاستراتيجي التي انطلقت بين بغداد وواشنطن منذ العام 2020، وانتهت بالجولة الرابعة العام الماضي، التي أسفرت عن هذا القرار.
الحياني: لا يمكن السكوت أكثر عن تواجد القوات الأميركية
ومنذ عامين، كانت الفصائل المسلحة قد صعدت مطالباتها بإخراج القوات الأميركية من العراق، وضغطت لتحقيق هذا الأمر. كما نفذت عمليات استهداف للمصالح الأميركية في العراق. إلا أنه وبعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، من قبل تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم أغلب تلك الفصائل، توقفت عمليات استهداف المصالح الأميركية في البلاد.
تصاعد الحملات ضد القوات الأميركية
إلا أن الحملة الإعلامية ضد القوات الأميركية بدأت بالتصاعد خلال الأيام الأخيرة، مع تشكيك من قبل قيادات في "الإطار" بأن تكون حكومة الكاظمي السابقة قد فعّلت الاتفاق بشكل صحيح. كما أن قيادات في "الحشد الشعبي" اعتبرت أن "وجود القوات أثر سلباً على سير العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش".
في المقابل، يحاول السوداني عدم إثارة الملف خلال الفترة الحالية. ووفقاً لسياسي مطلع، تحدث لـ"العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، فإن "السوداني يدرك جيداً أهمية العلاقات مع واشنطن ويسعى لتعزيزها، لكنه يخشى من إثارة ذلك بعضاً من الفصائل المسلحة والأطراف السياسية داخل الإطار".
وبيّن أنه "يحاول تلافي الحرج من خلال التحرك الحذر تجاه واشنطن، واستغلال علاقاته لتجنب التصعيد من قبل الأطراف التي بدأت تثير الملف إعلامياً". وأكد السياسي المطلع أن "المخاوف لدى السوداني تنحصر بزاوية الفصائل غير المنضبطة، والتي تسعى لتحقيق المكاسب الإعلامية من خلال هذا الملف".
القيادي في "الإطار"، محمود الحياني اعتبر الحديث عن انسحاب القوات الأميركية من العراق، والذي تم من قبل حكومة الكاظمي، "غير حقيقي، مجرد حديث إعلامي".
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات ما زالت تتواجد داخل العراق، وهناك تأكيدات أميركية على ذلك". وشدد على أن "حكومة الكاظمي كانت مدعومة بقوة من واشنطن، ولهذا فهي لم تكن تريد فعلاً إخراج قواتها، وقد أعلنت الانسحاب المزعوم من أجل وقف بعض العمليات العسكرية التي تصاعدت في حينه ضد القواعد التي تتواجد فيها القوات الأميركية، ووقف استهداف الأرتال بالعبوات الناسفة".
لا تهاون في إخراج القوات الأميركية من العراق
وأكد الحياني أن "حكومة محمد شياع السوداني ستعمل بشكل حقيقي على إخراج تلك القوات، وهناك دعم قوي لرئيس الحكومة العراقية من قبل قادة الإطار بهذا الصدد، ولا يوجد أي تهاون بالملف".
واستدرك: "لكن هناك أولوية لبعض الملفات تعمل حكومة السوداني على تنفيذها، ومن ثم ستعمل على حسم هذا الملف، بعيداً عن أي ضغوطات سياسية وتدخلات خارجية"، مؤكداً أنه "لا يمكن السكوت أكثر عن تواجد القوات الأميركية، فهي قوات محتلة".
أما النائب المستقل في البرلمان العراقي سجاد سالم، فقد شكك بجدية المطالبات بفتح ملف إخراج القوات الأميركية، معتبراً ذلك "مجرد شعارات لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية".
وبين سالم، لـ"العربي الجديد"، أن "تلك الجهات وبعد أن حققت مكاسبها لم نر منها أي تحرك حقيقي نحو هذا الملف، رغم أنها أصبحت حالياً صاحبة القرار بالدولة العراقية".
وأشار إلى أن "حكومة السوداني لا تريد خسارة الدعم الأميركي، خصوصاً وأن هناك دعماً واضحاً لها من خلال الزيارات المتكررة للسفيرة الأميركية ومسؤولين أميركيين آخرين. ولذلك فإن الحكومة لا تريد الخوض بهذا الملف حتى لا تخسر ذلك الدعم، الذي يمكن أن تكون له تبعات خطيرة وكبيرة على المستوى العراقي الداخلي".
واعتبر أن العودة لدعوات إخراج القوات الأميركية مجدداً للساحة والمشهد الإعلامي "شعارات مع قرب الانتخابات المحلية أو البرلمانية، فهذه الشعارات دائماً ما يكون هدفها انتخابيا وكسب الأصوات، كحال الكثير من الشعارات التي ترفع ولا تنفذ بعد تحقيق المصالح والمكاسب الشخصية والحزبية لبعض الشخصيات والجهات".
استخدام القضية كجزء من أوراق الضغط
رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري رأى، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "قوى الإطار التنسيقي وكذلك الفصائل المسلحة استخدمت ملف إخراج القوات الأميركية من العراق كجزء من أوراق الضغط التي تمارس على واشنطن أو الحكومة العراقية".
سجاد سالم: العودة لدعوات إخراج القوات الأميركية شعارات مع قرب الانتخابات
وبين أن "الإطار، بجناحيه العسكري والسياسي، وجد في هذا الملف هدفه لتوجيه الاتهامات نحو حكومة الكاظمي السابقة والكثير من الشخصيات. كما أنه (الإطار) استغل ملف التواجد الأميركي من أجل الضغط بشأن التحالفات السياسية".
وأكد أن "الأمر أصبح مختلفاً الآن، فالحكومة الحالية تابعة للإطار التنسيقي، الذي يدرك جيداً أن قضية تواجد تلك القوات لا بد أن تخضع لمعايير دولية ومعايير العلاقات، وليس السلوك السياسي أو الضغوط السياسية. ولهذا هو يتجنب الخوض أو الدخول بهذا الملف".
وأضاف: "كما أن السوداني يدرك أن هناك حاجة ماسة لاستمرار التعاون مع التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية، على مستوى الجهد والدعم الاستخباراتي واللوجستي والضربات الجوية".