بعد أيام من تقديم وزراء التخطيط والصناعة والثقافة استقالتهم من حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تبين أن ثمة تسويات تم التوصل إليها لاحتواء الأزمة السياسية التي أحدثها قرار المحكمة الاتحادية العليا بإقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه٬ بعد إدانته بجريمتي التزوير والتلاعب بمحاضر استقالة أحد نواب البرلمان.
وفي وقت متأخر من مساء أمس الاثنين، قال المتحدث باسم الحكومة باسم العوداي٬ إنّ رئيس الوزراء رفض استقالة الوزراء، قبل أن تؤكد مصادر حكومية في العاصمة بغداد، صباح الثلاثاء، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن الوزراء المنتمين لحزب (تقدم)، بزعامة محمد الحلبوسي عاودوا مجددا عملهم في وزاراتهم، بشكل طبيعي، مع تأكيدات أن أعضاء البرلمان من الحزب ذاته موجودون في بغداد قبيل انعقاد الجلسة المقررة للبرلمان بعد ظهر يوم غد الأربعاء.
في الأثناء، أظهرت وثيقة موقعة من النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندولاي، بإنهاء علاقة الحلبوسي في البرلمان وإقرار إنهاء عضويته، دون أي تفاصيل أخرى حملتها الوثيقة الموجهة إلى الأمانة العامة للبرلمان.
ووسط استمرار المباحثات السياسية داخل القوى العربية السنية لاختيار مرشح آخر بديلا عنه، من خلال عدة اجتماعات خلال الساعات الماضية في بغداد وأربيل والأنبار، فإنه من المقرر أن تُعقد، غدا الأربعاء، جلسة للبرلمان لكن من غير المؤكد مسألة حسم منصب الرئيس الذي يبدو محط اهتمام مختلف الكتل السياسية السنية الطامحة للمنصب الذي تتناوب عليه الأحزاب السنية منذ الغزو الاميركي للبلاد، ضمن نظام المحاصصة الطائفية المعمول به في البلاد.
ويقول عضو تحالف "العزم"، أحد القوى العربية السنية، والنائب السابق في البرلمان فارس الفارس، لـ"العربي الجديد"، إنّ أي اتفاق حول شخصية المرشح لرئاسة البرلمان لم يتم التوصل إليها، لكنه أكد أن مسألة إبعاد الحلبوسي من البرلمان حُسمت، والحوارات تدور الآن حول بديله.
ويضيف: "لا يوجد أي اتفاق نهائي ما بين القوى السنية لاختيار رئيس جديد للبرلمان، خصوصاً أن هناك شخصيات عديدة رشحت نفسها للمنصب".
وكشف الفارس أنه "من ضمن الأسماء المرشحة لرئاسة البرلمان هي (سالم العيساوي، خالد العبيدي، مثنى السامرائي، محمود المشهداني، طلال الزوبعي، زياد الجنابي)، والمفاوضات مستمرة ما بين القوى السياسية السنية، وربما تتوصل هذه القوى إلى اتفاق في الدقائق الأخيرة ما قبل انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب الرئيس الجديد".
وأضاف أنه "حسب المتوقع فإن البرلمان لن يستطيع خلال جلسة الأربعاء انتخاب رئيس جديد له والقوى السنية تحتاج مزيد من الوقت للحوار من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي، لكن البرلمان حدد اليوم جلسة الانتخاب بحسب التوقيتات الدستورية، التي يجب عليه الالتزام بها".
في المقابل، وصف النائب عن "الإطار التنسيقي"، الحاكم في العراق كريم عليوي، في حديث مع "العربي الجديد"، مسألة اختيار رئيس البرلمان الجديد بأنها "من مهام القوى السنية"، مضيفا أن "المنصب من حصة هذا المكون ونحن نتعامل مع أي مرشح يقدم من قبل أي جهة وتحالف يملك أغلبية المقاعد البرلمانية داخل البرلمان".
وبين عليوي ان "الإطار التنسيقي لن يتدخل بقضية تسمية أي مرشح لرئاسة مجلس النواب، لكن هو يعمل مع الشركاء والحلفاء في القوى السنية بتقريب وجهات النظر من أجل الإسراع بحسم اختيار رئيس جديد للبرلمان وبشكل توافق وبدعم كل الأطراف السياسية السنية دون مقاطعة أي جهة، للحفاظ على الاستقرار الحاصل".
وأضاف أن "هناك إمكانية بالتصويت على رئيس البرلمان الجديد خلال جلسة الأربعاء، فباب الترشيح سوف يفتح أمام كل النواب وكل نائب يحق له الترشيح، ومن يحصل على أغلبية الأصوات (166) فسيكون هو الرئيس الجديد"، مؤكدا أن "كل نائب حر في اختياره، ولم يصدر لنا أي توجيه من قادة الإطار التنسيقي بالتصويت لمرشح محدد، والإخفاق في انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلال جلسة اليوم، ربما سيدفع تأجيل حسم هذا الملف إلى ما بعد انتخابات مجالس المحافظات".
وقال الخبير في الشأن السياسي العراقي ماهر جودة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رفض استقالة وزراء حزب تقدم من قبل السوداني كان متوقعا. السوداني لا يريد الإقدام على أي خطوة قد تسبب له أي زعزعة في كابينته الوزارية، خصوصاً أنه يرى ضرورة وجود تمثيل لكل الكتل والأحزاب في حكومته لضمان الاستقرار السياسي".
وبين جودة أن "تقديم وزراء حزب تقدم الاستقالة من الحكومة، كانت معروفة الهدف، فهي محاولة للضغط السياسي على الإطار التنسيقي من أجل إيجاد حلول لقضية إنهاء عضوية الحلبوسي من مجلس النواب، فالكل يعرف جيداً أن الاستقالة كانت غير حقيقية وهي تهدف للضغط ليس إلا، ولو كانت حقيقية لأصر الوزراء على الاستقالة وعدم العودة إلى المهام الوزارية".
وأضاف أن "كل محاولات الحلبوسي وحزبه بالضغط السياسي من أجل عودته إلى رئاسة مجلس النواب، أخفقت فالكل أكد التزامه بقرار المحكمة الاتحادية، ولهذا حزب تقدم يعمل حاليا على عدم خسارته منصب رئاسة البرلمان من خلال ترشيح شخص من عنده".
وأكد المحلل السياسي أن "الصراع السني – السني ما زال محتدما على رئاسة مجلس النواب، ولا نعتقد هناك إمكانية لانتخاب رئيس جديد للمجلس خلال جلسة الأربعاء، فكل الترجيحات تؤكد تأجيل حسم هذا الملف إلى وقت آخر، لكن ربما الإطار التنسيقي يمكن له ممارسة بعض الضغوطات لدفع القوى السنية لاختيار رئيس جديد من ضمن مرشحي حزب تقدم، لضمان عدم توسع أزمة إقالة الحلبوسي بشكل أكبر بخسارة حزبه المنصب".
وكانت المحكمة الاتحادية في العراق قد قضت، الثلاثاء من الأسبوع الماضي، بإنهاء عضوية الحلبوسي من البرلمان، على خلفية دعوى قضائية كان قد رفعها أحد البرلمانيين، اتهمه فيها بتزوير استقالته من البرلمان.
وعلى إثر ذلك عقد حزب "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي اجتماعا، وقرّر وزراء ونواب الحزب الاستقالة من مناصبهم ومقاطعة اجتماعات ائتلاف "إدارة الدولة" والجلسات البرلمانية والعملية السياسية.