أقر مسؤولون عراقيون، بصعوبة تمرير قانون "التجنيد الإلزامي" في البرلمان، بعد أن استطاعت الحكومة التصويت عليه بالقبول مساء أمس الثلاثاء، في خطوة تريد من خلالها إعادة التوازن إلى المؤسسة العسكرية، وسط توقعات برفضه من قبل القوى المتنفذة في البرلمان.
ويمكن للقانون الذي عطّل منذ العام 2003، أن يضم إلى المؤسسة العسكرية العراقية سنويا عشرات آلاف من المجندين، إذ يعتمد القانون على مبدأ العمر والدراسة فقط، دون أية معايير أخرى تتعلق بالانتماءات والديانات وغيرها، الأمر الذي يعيد إلى المؤسسة توازنها الطبيعي كما يؤكد ذلك نواب في البرلمان يدافعون عن القرار.
وقدمت وزرة الدفاع العراقية، الأسبوع الفائت، تقريرا مفصلا إلى الحكومة، عن القانون والكلفة المالية المطلوبة لإعادة العمل به، إلا أن وزير المالية عبد الأمير علاوي، أكد في تصريحات سابقة، أن هناك آراء متباينة بشأن المشروع الذي يحتاج إلى 150 مليار دينار عراقي للعمل به، وأن الحكومة تتطلع إلى مواقف التيارات والأحزاب السياسية داخل البرلمان بشأن تمريره.
وأمس الثلاثاء، أقر مجلس الوزراء العراقي، القانون، الذي دققه مجلس شورى الدولة، مؤكدا، إحالته إلى البرلمان استناداً إلى أحكام نص الدستور العراقي.
وتراوح مدة الخدمة بين 9 و18 شهرا وفقا للتحصيل الدراسي ويطلق عليها اسم خدمة العلم وهي إلزامية لمن هم بسن 18 عاما صعودا إلى 35 عاما.
قضاء على الطائفية والمحاصصة
ويؤكد مسؤولون أهمية إقرار القانون، كونه يقضي على المحاصصة والطائفية، التي اعتمدت بتشكيل الجيش العراقي بعد العام 2003.
نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، نايف الشمري، أكد أن "قانون الخدمة الإلزامية أو خدمة العلم من القوانين الوطنية المهمة التي يوجد عليها حرص وإصرار من أعضاء البرلمان على تشريعه وتطبيقه في أقرب فرصة ممكنة"، مؤكدا في تصريح صحافي أن "القانون إذا ما أقر ستكون له نتائج إيجابية في القضاء على الطائفية والمحاصصة".
وأضاف الشمري أن "القانون من الممكن أن يسهم بشكل كبير في القضاء على الطائفية في العراق، وسيكون هنالك شباب من كافة محافظات العراق بغض النظر عن طائفته وقومتيه، وسيعملون جميعا على خدمة المؤسسة العسكرية العراقية، ويتم إعدادهم إعدادا جيدا من خلال التدريب الصحيح".
وأشار إلى أن "القانون سيعمل على تحقيق التوازن أيضا بين جميع المكونات ولن يستطيع أي طرف أن يتحدث عن حصص أو نسب ضمن المؤسسة العسكرية، على اعتبار أنه سيرتكز على دعوة مواليد محددة وضمن شروط معينة ولفترات زمنية واضحة، بغض النظر عن المكونات والمسميات الأخرى"، مبينا أن "هناك دراسة متكاملة أعدت من قبل خبراء في المؤسسة العسكرية حول وجود مؤسسات تدريبية وقاعات لاستيعاب كل أبناء الشعب العراقي، ضمن المواليد المحددة للالتحاق بالمؤسسة العسكرية".
أما النائب كاطع الركابي، فقد عدّ القانون خطوة نحو تجديد المؤسسة العسكرية، وقال إن "القانون يوفر جيلا من الشباب لاسيما في ظل تقدم أعمار الكثير من منتسبي القوات الأمنية"، معتبرا أن "عملية التجديد في الأجهزة الأمنية متوقفة منذ ست سنوات بعد توقف التعيينات".
وأشار الركابي إلى أن "القصد من تشريع هذا القانون هو تجديد الدماء في القوات الأمنية، وكذلك جذب طبقة واسعة من الشباب من أجل تفادي كل المغريات التي تقدم لهذه الشريحة من جهات وشخصيات تريد جرهم إلى الهاوية لخراب هذا البلد".
عقبات كبيرة
لكن مسؤولا حكوميا أكد وجود عقبات كبيرة ستعترض طريق تمرير القانون في البرلمان، وأن أغلب العقبات هي سياسية، وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب الجهات السياسية التي تدعي إعلاميا رغبتها بتمرير القانون، هي بالحقيقة عطلت تمريره طيلة السنوات السابقة".
وأوضح المسؤول أن "القوى الكبيرة في البرلمان كتحالف الفتح (الممثل للحشد الشعبي) ودولة القانون (بزعامة نوري المالكي) وبعض الكتل المرتبطة بها، هي التي رفضت سابقا وترفض حاليا تمرير القانون"، مبينا أن "تلك القوى استطاعت في السنوات السابقة اختراق مؤسسات الدولة ومنها الجيش، لذا فهي ترفض مبدأ تحقيق التوازن في أي مؤسسة كانت، لأن التوازن يهدد نفوذها، لذا فهي تستخدم قوتها في البرلمان لتعطيل أي خطوة بهذا الاتجاه".
وأكد على أنه "لا يمكن تمرير القانون في البرلمان الحالي، ولا يمكن تمريره في البرلمان المقبل إلا في حال حدث تغيير سياسي من خلال صناديق الاقتراع، وأن يتم التخلص من القوى التقليدية المهيمنة على القرار السياسي في البلاد".
وعلى مدى الدورات البرلمانية السابقة، أثار قانون التجنيد الإلزامي في العراق لغطا واسعا، سيما وأن أطرافا سياسية عارضت محاولات إقراره، بسبب أجندات سياسية ترفض تحقيق التوازن في البلاد، وقد تم تقديمه من قبل البرلمان السابق إلى الحكومة التي أرسلته بدورها إلى مجلس شورى الدولة لإجراء بعض التعديلات.
وكانت الأحزاب التي شكلت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003، قد مارست نفوذاً لها داخل المؤسسة العسكرية، ما تسبب ببناء مؤسسة تدين بالولاء الحزبي لا الوطني، الأمر الذي أثر سلبا على قدرة المؤسسة، ومنح تنظيم "داعش" فرصة لاجتياح عدد من المحافظات صيف 2014، كما منح المليشيات فرصة أن يكون لها نفوذ وقوة تنافس قوة الجيش.