كشف وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب، أن تراجع إطلاقات مياه نهر الفرات من تركيا يعود إلى أسباب بعضها سياسي، مؤكداً أن بلاده تفقد كميات كبيرة من المياه بسبب التبخر.
وقال عون ذياب، في مؤتمر صحافي عقد بمبنى الوزارة مساء أمس الأحد، إن "العراق تمكن من تجاوز الموسم الصيفي وإن نهر الفرات يعتمد بنسبة 90 بالمائة من مياهه على الإطلاقات المائية الواصلة من تركيا، لكن ولعدة عوامل ولربما منها سياسية، كانت الكميات التي تطلقها تركيا محدودة وأقل بكثير من الاتفاق المبرم بين تركيا وسورية سنة 1987".
وأضاف: "كان يفترض أن يتم إطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الحدود السورية التركية، لكن معدل الإطلاق لهذه السنوات لم يتجاوز حدود 300 متر مكعب بالثانية، بالتالي، إن هذا النقص الحاد أثر على الكميات المتدفقة للفرات، في حين لم يكن هناك حل سوى اللجوء إلى بحيرة الثرثار، وبجهود كبيرة تمكنا من نصب مضخة ضخمة جداً على حوض الثرثار لنقل المياه إلى نهر الفرات".
وأكد الوزير أن "وزارته تمكنت من تمرير موسم الصيف من خلال هذه الآلية، والتي كانت إلى جانبها كميات مائية تم دعمها من نهر دجلة، وسط جهود الأعمال التقليدية مثل تطهير الأنهر والقنوات، وأعمال إزالة زهرة النيل"، لافتاً إلى أن "كمية تبخر المياه سنوياً 8 مليارات متر مكعب".
والثلاثاء الماضي، بحث وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره هاكان فيدان، ملفات منها مواجهة التحديات المشتركة بالشكل الذي يؤمن المصالح المشتركة للبلدين الجارين، لا سيما أن العراق بصدد الدخول في حوارات بناءة من شأنها أن تشكل منعطفا جديدا في العلاقات بين البلدين.
وبحسب مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، فإن "المباحثات شملت ملفات شائكة، أبرزها الجانب الأمني، وما يتعلق بالعمليات العسكرية التركية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني وقصفه للمناطق الحدودية، والحصص المائية للعراق القادمة من تركيا وتقاسم الضرر المائي، وكذلك استئناف تصدير نفط إقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى جوانب اقتصادية في التجارة بين البلدين".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أكدت وزارة الموارد المائية العراقية بدء أنقرة بزيادة التدفقات المائية إلى نهر دجلة، وذلك في أعقاب زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تركيا، مبينة أن زيادة التدفقات التركية تصل إلى 1500 متر مكعب بالثانية، أي ضعفي الكمية التي كانت تُرسل سابقاً للعراق من قبل أنقرة.
بلد الفرات ودجلة يخشى موجة جفاف جديدة
من جهتها، أشارت مصادر من وزارة الموارد المائية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوزارة تخشى حدوث أزمة جفاف جديدة خلال فصل الصيف المقبل، لا سيما مع تفاقم تأثيرات التغير المناخي في مناطق متفرقة من البلاد، وتحديداً محافظات ديالى والمثنى وذي قار والبصرة"، موضحة أن "تركيا متعاونة أكثر من إيران، لكن الملفات السياسية والأمنية المرتبطة بالعراق، مثل وجود مسلحي العمال الكردستاني أدت إلى تقليل التدفق المائي إلى العراق".
وأكملت هذه المصادر شريطة عدم ذكر أسمائها، أن "العراق قد يواجه موجة جفاف خطيرة في المستقبل، وقد تبدأ مظاهر هذه الموجة مع بداية فصل الصيف المقبل، خصوصاً أن التغيرات المناخية باتت أشد وأقسى على العراقيين"، معتبرة أن "العراق لا يملك أي خريطة عمل سوى مطالبة الدول المجاورة بالتشارك في الضرر والخسائر، ومنح العراق كميات كافية من المياه، مع العلم أن هذه لوحدها لا تعالج الأزمة".
وكانت وزارتا الزراعة والموارد المائية في العراق قررتا في وقت سابق تخفيض المساحة المقررة للزراعة، وذلك بسبب قلة الإيرادات المائية القادمة من تركيا وإيران، فيما حذّرت وزارة الزراعة من أن شح المياه بات يهدد بانهيار أمن العراقيين الغذائي.
سوء إدارة ملف المياه
من جهته، بيَّن الناشط البيئي حميد العراقي، أن "سوء إدارة ملف المياه على صعيد الاستخدام اليومي سواء للزراعة أو الاستخدامات أخرى يقع على عاتق الحكومة العراقية بالكامل وليس فقط وزارة الموارد المائية، كما أن تبخر كميات كبيرة من المياه جاء بفعل التغير المناخي، وقد تمكنت بعض الدول من التكيف معه، إلا أن العراق لا يملك الإرادة لحل أزماته المائية والبيئية".
ولفت العراقي إلى أن "المسؤولية جماعية وليست من اختصاص جهة واحدة فقط، وهذا ما لا تطبقه المؤسسات الحكومية بالرغم من الدعوات الكثيرة من قبل نشطاء البيئة ومنظمات المجتمع المدني، التي تطلب تأسيس تحالف يضم الجهات الحكومية المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني وتشكيل وفود من المختصين لوضع الحلول وآليات الحوار مع الجوار، إذ ليس من المنطقي أن يخرج وزير عراقي ويتحدث عن أن أسباب سياسية تعيق وصول المياه إلى العراق، والأخير يمتلك أوراقه وإمكاناته للتفاوض مع تركيا بطريقة مقنعة".
ومنذ أكثر من عامين برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، إذ وبعدما جرى تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمائة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة أخيراً، عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل بسبب شح المياه.
وقطعت إيران المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمائة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة، فيما تحاول تركيا منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، وأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءاً من عام 2006، منها سد أليسو، الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفّق المياه إلى العراق، وأدى إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.