بعد يوم من الضربات الجوية الأميركية على مواقع فصائل مسلحة غربيّ العراق، تتسع دائرة التوتر أمنياً في العراق، في ظل زيادة الضغط الحزبي والسياسي على حكومة محمد شياع السوداني، وتصاعد الخشية من رد حركة "النجباء" على الضربات.
وكشفت مصادر أمنية عراقية في بغداد، اليوم الأحد، لـ"العربي الجديد"، عن تعرّض وزارة الدفاع العراقية لضغوط من أجل نقل مستودعات الذخيرة التابعة للفصائل المسلحة إلى داخل قواعد الجيش العراقي ومعسكراته للحيلولة دون استهدافها مستقبلاً من الطيران الأميركي.
ووفقاً لمسؤول عسكري عراقي تحدث لـ"العربي الجديد"، شرط عدم الكشف عن اسمه، فإن فصائل عديدة طالبت بإدخال ترسانتها العسكرية إلى عدد من القواعد العسكرية للجيش العراقي لتجنيبها القصف الأميركي، على اعتبار أن واشنطن لن تقدم على قصف قواعد الجيش العراقي.
وانتهت حصيلة القصف الأميركي ليلة السبت بمقتل 16 شخصاً، بينهم مدنيون، جراء تطاير قذائف وصواريخ من مستودع لأحد الفصائل على المنازل القريبة منها، كذلك أُصيب 25 آخرون بفعل مجمل الغارات التي استهدفت مواقع للفصائل المسلحة في مدينة القائم غربيّ محافظة الأنبار، وفقاً لبيان رسمي عراقي.
وأعلن الجيش الأميركي شنّ ضربات جوية على أهداف في سورية والعراق، رداً على مقتل ثلاثة من جنوده في هجوم على قاعدة في الأردن، مشيراً إلى أن الضربات استهدفت "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني و"جماعات مسلحة متحالفة معه". وفيما قال الجيش الأميركي إن المنشآت المستهدفة مراكز قيادة وتحكّم وتجسس، ومواقع تخزين صواريخ ومسيَّرات، أكد أن الضربات الجوية استخدمت فيها أكثر من 125 قذيفة دقيقة التوجيه، وشملت أكثر من 85 هدفاً.
ضغط سياسي وحزبي على السوداني
وبحسب مصادر سياسية عراقية، فإن الهجمات الأميركية الأخيرة ستزيد الضغط الحزبي والسياسي على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مفاوضاته مع واشنطن لإنهاء دور التحالف الدولي وإخراج الجنود والمستشارين الأميركيين من البلاد، فيما تخشى الحكومة العراقية من رد حركة "النجباء" على القصف الأميركي، ما قد يعقّد المفاوضات.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "كتائب حزب الله التي علّقت عملياتها ضد الأميركيين حاولت امتصاص حالة الاحتقان لدى واشنطن، والرد العقابي الذي وعدت به، لكن حركة النجباء تواصل هجماتها، في حين أن فصائل أخرى التزمت الصمت وفضلت البقاء على مسافة واحدة من الإجراءات الحكومية والدبلوماسية التي تقوم بها حكومة السوداني"، مبيّنة أن "الحكومة طلبت من بعض قادة الفصائل الضغط على زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي بعدم الرد إلى حين التوصل إلى اتفاقات جديدة مع الأميركيين".
وتتوقع المصادر القريبة من مكتب رئيس الوزراء "وقوع جولة ثانية من الهجمات الأميركية قد تستهدف بعض المقارّ على أطراف العاصمة بغداد وفي محافظة صلاح الدين وبعض مناطق شمال بابل التي تستخدمها الفصائل المسلحة كمصانع ومخازن أسلحة وصواريخ وطائرات مسيَّرة"، معتبرة أن "الإجراءات الدبلوماسية قد تتراجع بسبب القصف المتبادل، لكن أغلبية الأحزاب الشيعية بدأت حملة ضغط على السوداني لأجل الإسراع بالمفاوضات".
وشهدت بغداد الأسبوع الماضي اللقاء الأول للحوار الثنائي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، سعياً لوضع جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، لكنّ الفصائل المسلحة وأطرافاً سياسية موالية لإيران تقلّل من أهميتها، وتعتبرها حالة جديدة للمماطلة، ولا سيما أن واشنطن أكدت في أكثر من مناسبة أنها لا تنوي إخراج قواتها من البلاد، كذلك أكدت حركة "النجباء" أنها ستواصل العمليات العسكرية رداً على العدوان الأميركي الصهيوني على غزة، حتى طرد آخر جندي للمحتل من أراضينا"، وفقاً لبيان رسمي.
من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كريم المحمداوي (يتبع قوى الإطار التنسيقي)"، أن "واشنطن ارتكبت حماقة جديدة واستهترت بأرواح العراقيين، بالتالي فإننا نتجه نحو الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة لأجل الإسراع بإخراج قوات التحالف الدولي من البلاد"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الفصائل المسلحة قد تردّ بقسوة على الاعتداءات الأميركية، وهذا حقها في الرد بالمثل".
ولم تعلّق معظم قيادات الفصائل المسلحة في العراق على الضربات، ولم تحدد خياراتها إزاء تلك الضربات، غير أن زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أبو الولاء الولائي، أكد في تدوينة له على "إكس"، "ضرورة المضيّ بالحوار مع واشنطن لإنهاء وجود قواتها بالعراق"، داعياً "الشعوب العربية في السعودية والكويت والأردن إلى عدم السماح لحكوماتها بأن تكون أراضيها منطلقاً للهجمات على العراق".
كذلك أعلنت وزارة الخارجية العراقية تسليمها القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد مذكرة احتجاج رسمية بشأن الضربات الأميركية.
وقالت الوزارة في بيان لها ليلة أمس السبت، إن المذكرة "تضمنت رفض العراق واستنكاره للعدوان الأميركي الذي استهدف قوات أمنية عراقية، فضلاً عن مواقع مدنية في منطقتي عكاشات والقائم والذي أدى إلى وقوع شهداء وجرحى بينهم مدنيون، إضافة إلى إلحاق أضرار بالمباني السكنية وممتلكات المواطنين".
وأشار البيان إلى أن "العراق أكد مجدداً رفضه أن تكون أراضيه ساحة لتصفية الحسابات بين الدول المتخاصمة"، قائلاً إن "بلدنا ليس المكان المناسب لإرسال الرسائل واستعراض القوة بين المتخاصمين، وستبذل الحكومة كل الجهد الذي تقتضيه المسؤولية الأخلاقية والوطنية والدستورية لحماية أرضنا ومُدننا وأرواح أبنائنا من المدنيين وقوات الأمن بصنوفها المختلفة".
انقسام بين الفصائل
من جهته، بيّن الباحث في الشأن السياسي العراقي ماهر جودة، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة منقسمة في مسألتين: الأولى، الاستمرار بمقاومة وقصف مقرات ومواقع التحالف الدولي والقوات الأميركية، والثانية، مرتبطة بالجدوى من المفاوضات العراقية الأميركية بشأن إنهاء دور التحالف الدولي، ولذلك فإن هذا الانقسام أدى إلى وجود فصائل مقاومة وفصائل فضلت انتظار نتائج الدبلوماسية العراقية".
وتوقع "استمرار الضربات المعروفة للقوات الأميركية من قبل الفصائل، وتحديداً النجباء التي لا يبدو أنها ستتراجع عن خياراتها في المواجهة".