منذ اقتحام أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لساحة الحبوبي في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، جنوبي العراق، نهاية الشهر الماضي، والذي تسبب بمقتل وجرح عشرات المتظاهرين والمعتصمين، أخذت تظاهرات الناصرية بالتراجع شيئاً فشيئاً، بسبب الحملات الأمنية والاعتقالات الواسعة التي نفذتها القوات العراقية من جهة، والتهديد بالاغتيال والملاحقة للناشطين من قبل المليشيات من جهة أخرى.
ورفع المعتصمون في الناصرية، اليوم الخميس، عددا كبيرا من خيمهم من ساحة الحبوبي، مركز الاحتجاجات في المدينة، ولم يبق منها إلا بضع خيام تعد على أصابع اليد الواحدة، أصرّت على البقاء، وبذلك رأى ناشطون ومتظاهرون من ذي قار أن السلطات الحكومية والأحزاب، وبمساندة التيار الصدري، تمكنت أخيراً من احتواء احتجاجات الناصرية لصالحها، ومنع تمددها، بالترهيب والضغط على الناشطين والمتظاهرين الذي مورس طوال الأيام الماضية عليهم.
وقال الناشط البارز والمتظاهر من الناصرية حسين الغرابي، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع خيام المعتصمين رُفعت اليوم (الخميس)، من ساحة الحبوبي، ولم يبق غير 3 خيام، وهي لمتظاهرين يرون أنه من الضروري التمسك بالأرض وعدم السماح لأحزاب السلطة باقتحام الساحة، كذلك بعض عوائل الشهداء الذين لا ينوون ترك الساحة".
وبيَّن الغرابي، لـ"العربي الجديد"، أن "المتظاهرين والمعتصمين انسحبوا من الساحة، مقابل أن تتركهم الحكومة وقوات الأمن وعناصر المليشيات في المدينة، وتوقف تعرضها لهم، لذلك فهو انسحاب اضطراري ومرتبط بحياة وسلامة المتظاهرين وأهاليهم".
وأشار إلى أن "قوات الأمن والمليشيات، وتحديداً تلك التابعة لمقتدى الصدر، واصلت خلال الأيام الماضية مداهماتها واعتقالاتها وترويعها للناشطين في الناصرية، ولذلك يسعى المعتصمون حالياً إلى ضمان سلامتهم الشخصية من خلال الانسحاب".
ولفت إلى أن "الانسحاب الحالي من ساحة الحبوبي جاء عقب انتهاء التظاهرات، يعني نهاية الاعتصامات أيضاً، ولكن دائماً هناك فرصة للعودة من جديد، إلى حين تنفيذ المطالب، ولا يعني هذا الانسحاب أن الاحتجاج السلمي انتهى، بل هناك أكثر من طريقة لمقارعة النظام الحاكم".
وفي الساعات الماضية، أطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل بعنوان أوقفوا اعتقالات الناصرية للتعريف بما يجري داخل المدينة.
الحرية لكل من طالب بوطن حر...
— samar🇮🇶🦋 رجعنا ✌️ (@samar87633074) December 9, 2020
سنحاسبكم يوماً ما #اوقفوا_اعتقالات_الناصرية pic.twitter.com/Kao1G3EVFr
تلفيق الدعاوي الكيديه بحق المتضاهرين في ذي قار امر مرفوض ونحمل خلية الازمه كافة المسؤليه ف ذي قار لن تخضع ونحذركم من شرارتها
— غانم خالد (@aDGgtzR0KOG48rx) December 8, 2020
#اوقفوا_اعتقالات_الناصرية pic.twitter.com/a77CsrBezX
من جهته، قال ضابط في شرطة ذي قار إن "المتظاهرين انسحبوا، فجر الخميس، ورفعوا خيامهم، وبعضهم مزقها"، واصفا مشهد ناشطين يملكون خيمة للاعتصام بأنهم "كانوا يبكون من شدة الحزن، لأنهم تعرضوا إلى ترهيبٍ من عناصر التيار الصدري هم وذووهم".
وبيّن الضابط، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الشرطة وفّرت للمتظاهرين الوصول الآمن إلى منازلهم، وبعضهم طلب أن ترافقه القوات الأمنية إلى خارج المحافظة، وبعضهم لجأ إلى بغداد، وآخرون قرروا اللجوء إلى إقليم كردستان لفترة".
ونفذت القوات العراقية، خلال الأيام الماضية، حملة اعتقالات واسعة تضمنت سلسلة من عمليات الدهم لمنازل الناشطين، الذين نجح قسم منهم بالفرار والتدوين بعد دقائق من إفلاته، كما في حالة الناشط البارز في تنسيقيات الناصرية حسين باسكتبول، الذي كتب أن قوة عسكرية داهمت منزله، وتحدث عن أنه سيسلم نفسه كونه "ليس إرهابيا ولا مخربا".
وبحسب ناشطين، فإنّ الاعتقالات طاولت المؤثرين في الساحة والقادرين على جمع وتحشيد الشباب المحتجين، بينهم "آدمن" صفحات على موقع "فيسبوك"، وآخرون ممن شاركوا بكتابة البيان الأخير حول رفض التفاوض مع حكومة مصطفى الكاظمي على فض الاعتصام، وأكدوا أنّ القوات التي تنفذ عمليات الدهم هي نفسها التي كانت قد استقدمت من بغداد للانتشار في الناصرية.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد باشر بهجومه الإعلامي على المتظاهرين، عقب اقتحام عناصره ساحة الحبوبي، وقتل 8 متظاهرين، خلال الصلاة الموحدة التي دعا إليها في وقتٍ سابق، للمطالبة بمنصب رئيس الحكومة في المرحلة الجديدة.
ووصف الصدر المتظاهرين، في سلسلة تغريدات على "تويتر"، بأنهم "صبيان يتجاوزون على الله"، في محاولة لتحريض مراجع النجف الأربعة الرئيسيين، وأبرزهم علي السيستاني، الذي يقف إلى جانب الحراك منذ انطلاقته في العام الماضي، وفقاً لمراقبين، فضلاً عن شحن جمهوره المتدين ضدهم.
وذكر الصدر، في تغريدة سابقة، أنهم "صبيان لا وعي لهم، يعتدون على الله ويسيئون إلى المذهب الشيعي"، كما طالب القوى السياسية الشيعية بأن تعمل على كتابة ميثاقين: "عقائدي وسياسي"، وترميم "البيت الشيعي"، وهي محاولة أخرى لاستعادة دوره على الساحة العراقية بعد تراجعه وتياره السياسي شعبياً.