شهدت محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، الخميس الماضي، تخرج دورة عسكرية نظمتها وزارة "البشمركة" التابعة لحكومة الإقليم، هي الأولى من نوعها، إذ ضمت 500 متدرب من أهالي منطقة سهل نينوى شمال شرقي الموصل ذي الغالبية العربية المسيحية، والمتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، وتخضع منذ سنوات لسيطرة فصائل مسلحة تتبع "الحشد الشعبي"، أبرزها ما يعرف بـ"حشد الشبك"، التي أدرجت العام الماضي الولايات المتحدة زعيمها الروحي، وعد القدو، على لائحة العقوبات لتورطه بجرائم وانتهاكات إنسانية.
وعلى الرغم من تأكيد قائد لواء "الزيرفاني"، في قوات "البشمركة" اللواء عزيز ويسي، في كلمة له خلال التخرج بأنها تسهم في "تعزيز التعددية والتعايش المشترك"، غير أن وسائل إعلام كردية أكدت أن الدورة الجديدة المتخرجة تتألف جميعها من مسيحيي سهل نينوى.
وتزامن تخرج الدورة، مع الدعوات الكردية بضرورة عودة مشاركة قوات "البشمركة" في حفظ أمن المناطق المتنازع عليها ومنها منطقة سهل نينوى، ما دفع نواب وسياسيين إلى اعتبار الإعلان عن تخريج المئات من أهالي سهل نينوى كأفراد في قوات البشمركة تمهيداً لإعادتهم للخدمة في مناطقهم الأصلية وضمن عنوان قوات "البشمركة".
وعلى الرغم من ترحيب أهالي منطقة سهل نينوى بفكرة تشكيل قوات أمنية من أهالي المنطقة، معتبرين أنها قد تسهم في إبعاد الفصائل المسلحة عن مناطقهم وخاصة مدن وبلدات، تلكيف، والحمدانية، والقوش، وبرطلة، وتلسقف، وبعشيقة، وكرمليس، بحيث يكون أمن تلك المناطق بمعية أفراد أمن من نسجيها الاجتماعي، إلا أن جهات أخرى اعتبرتها خطوة ضغط جديدة من أربيل تجاه بغداد في ما يتعلق بملف المناطق المتنازع عليها.
ويقول عضو مجلس بلدة تلكيف السابق سركيس كريم، لـ"العربي الجديد"، إن "السبب الرئيس في عدم عودة أهالي سهل نينوى بالكامل إلى منازلهم ومناطقهم هو هيمنة الجماعات المسلحة وتفوقها على القانون والقوات النظامية في تلك المناطق".
ويؤكد كريم، أن "الفصائل المسلحة باتت المهدد الحقيقي لاستقرار مدن نينوى عموماً ومناطق سهل نينوى على وجه التحديد".
في المقابل، تحفظ عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، النائب قصي الشبكي، عما وصفه "قيام البشمركة بتدريب مسيحيين من منطقة سهل نينوى"، معتبراً أن "عودة البشمركة قد تتسبب بتوتر أمني وعدم استقرار في المنطقة".
ووفقاً للشبكي فإن "تخريج هذه الدورة هي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والمجيء بقوات البشمركة إلى سهل نينوى".
ورأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مساعي إعادة البشمركة تمثل مخالفة دستورية واضحة، لأن منطقة سهل نينوى جزء من محافظة نينوى، وليست تابعة لإقليم كردستان لتتولى البشمركة عملية الوجود فيها، ولا نتمنى حدوث توتر بين الحشد والبشمركة"، معتبراً أن على "القوات الكردية الالتزام بالحدود المقررة لها".
من جهته، قال عضو البرلمان السابق، صادق المحنا، إن "عمليات التدريب لسكان سهل نينوى، ومحاولات البشمركة للعودة إلى المنطقة، أمور غير صحيحة".
وبيّن في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "عودة البشمركة إلى المنطقة قد تتسبب بحدوث صدامات، وذلك قد ينعكس على الأوضاع السياسية في البلاد"، دون أن يستبعد اتخاذ الحشد موقفا معينا من الخطوة على اعتبار أن سهل نينوى يقع تحت سيطرة الحشد.
لكن عضو التحالف الكردستاني، عبد الباري زيباري، رد على الموضوع في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بأن "هناك توافقات بين أربيل وبغداد، للتخطيط لمستقبل منطقة سهل نينوى، ومناطق أخرى بالمحافظة"، مؤكداً أن حكومة الإقليم اتخذت عددا من الخطوات، بالتنسيق مع بغداد، لحفظ الأمن في عدد من المناطق".
وتابع أن "هناك اتفاقا مبرما بين بغداد وأربيل على أن يكون هناك تنسيق أمني وإداري مشترك في سهل نينوى، لكن لم ينفذ ذلك حتى اليوم، والجميع مطالب اليوم بالقبول بأي عملية مشتركة بين بغداد وأربيل".
واستبعد زيباري احتمال حدوث احتكاك بين قوات "البشمركة" و"الحشد الشعبي" في حال عادت القوات الكردية إلى سهل نينوى، مشدداً على ضرورة الالتزام بأي توجيهات تصدر من القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ويوم الخميس الماضي، اتهم مساعد آمر "حشد الشبك"، أبو الحر البصري، قوات "البشمركة" بالوقوف وراء بعض الهجمات في المناطق المتنازع عليها، موضحاً في تصريح صحافي أن ذلك يندرج ضمن محاولات الأكراد للعودة إلى المناطق المتنازع عليها.
وشهدت الفترة الماضية توتراً بين "البشمركة" و"الحشد الشبكي"، على خلفية اتهام الأخير للقوات الكردية بالوقوف وراء قصف مواقعه في سهل نينوى منتصف إبريل/نيسان 2021.
والشهر الماضي، قال عضو البرلمان العراقي، محمد الشبكي، إن "قوات البشمركة تقف وراء استهدف مقر اللواء 30 (الحشد الشبكي) في سهل نينوى"، وهو ما نفته "البشمركة".
وأعلن العراق، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، تحرير سهل نينوى بالكامل من سيطرة "داعش"، بعد عمليات قادتها القوات الأمنية العراقية بمساندة طيران الجيش و"التحالف الدولي" ضمن عملية استعادة الموصل من قبضة التنظيم.
وبعد ذلك، شهدت منطقة سهل نينوى، التي يقطنها خليط من المسيحيين والأيزيديين والعرب، تطورات خطيرة، بعد استيلاء "حشد الشبك" عليها (وهم مكوّن بسيط بالمقارنة مع المسيحيين في نينوى)، بفضل ارتباطهم بهيئة "الحشد الشعبي"، لتتحول المنطقة إلى ساحة للصراعات.