على الرغم من خلوّ عدد من البلدات العراقية من سكانها منذ سنوات، بفعل سيطرة مليشيات وفصائل منضوية في هيئة "الحشد الشعبي"، التي ترفض الانسحاب منها لإعادة أهلها المقيمين في مخيمات متفرقة جنوبي بغداد وغربها، أدرجت المفوضية العليا للانتخابات هذه المدن ضمن الدوائر الانتخابية البالغ عددها 83 دائرة انتخابية، على ضوء القانون الجديد المرسل لها من قبل البرلمان. ويطرح هذا الأمر تساؤلات حول كيفية إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل في هذه البلدات، خصوصاً مع فشل محاولات كتل سياسية ونواب ورئيسة بعثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت ووزيرة الهجرة إيفان فائق جابرو، لإقناع الفصائل بالانسحاب وتسليم البلدات إلى أهلها الأصليين.
وتتصدر بلدات جرف الصخر ويثرب والعوجة وعزيز بلد والعويسات وذراع دجلة وسنجار وقرى السعدية ومجمع بيجي والفوسفات ومناطق شمالي شرق ديالى، لائحة البلدات التي يقيم سكانها داخل مخيمات متفرقة في العاصمة وفي إقليم كردستان أو على نفقتهم الخاصة في بيوت مستأجرة.
من الصعب أن تنسحب الجماعات المسلحة من المناطق التي تسيطر عليها قبل الانتخابات
وكشف مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن أن الدوائر الانتخابية في تلك المناطق ستكون "افتراضية"، مضيفاً أن "السكان التابعين لهذه المناطق سيصوتون في مخيمات نزوح ومناطق انتشارهم، لكنهم يحتاجون إلى تحديث بطاقاتهم الانتخابية أولاً". وأشار إلى أن "المفوضية ستتعاون في تسهيل وصولهم إلى المعلومات بشأن مرشحي دوائرهم الانتخابية"، لافتاً إلى أن "أي آمال لانسحاب الجماعات المسلحة من هذه المناطق وإعادة أهلها قبل الانتخابات تبدو ضعيفة لغاية الآن".
في المقابل، ذكر السياسي العراقي، ناجح الميزان، أن آلية تقسيم الدوائر الانتخابية أثناء إعداد قانون الانتخابات في البرلمان، جرت على ضوء مصالح الأحزاب، لذلك جعلت المدن الخالية من السكان ضمن دوائر انتخابية تتشارك مع مدن أخرى أكبر منها أو مماثلة لها. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك الكثير من المدن في بابل وصلاح الدين ونينوى والأنبار وكركوك وحتى في ديالى، خالية من سكانها، بسبب عمليات التغيير الديمغرافي فيها، بعد تحريرها من تنظيم داعش من قبل المليشيات".
واعتبر الميزان أن "هدف وضع تلك المدن في خريطة الدوائر الانتخابية هو بمثابة نية مبيّتة للتلاعب وسرقة أصوات الأهالي أو إقصائهم من المشاركة في الانتخابات". وشدّد على وجوب "إلغاء الدوائر الانتخابية في المدن الخالية من السكان، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التدخل بهذا الملف الخطير وغير النزيه في ملف الانتخابات". ورأى أن "بقاء المدن الخالية من السكان ضمن المدن التي تشارك في الانتخابات، يعني إجراء عملية انتخابية غير نزيهة، وبقاء نفس الجهات الحالية متصدرة المشهد في الأعوام الأربعة المقبلة من خلال عمليات التزوير وسرقة أصوات المواطنين كما حصل في انتخابات 2018".
لكن المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جمانة غلاي، كشفت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النازحين سيدلون بأصواتهم من مخيمات النزوح بالتصويت ضمن دائرة المدينة التي نزحوا منها". وأشارت إلى أن "النازحين ممن يقيمون خارج المخيمات ويملكون بطاقة نزوح، يمكنهم أيضاً التصويت في المناطق التي ينتشرون فيها، وستكون أصواتهم ضمن دوائرهم الانتخابية بمدنهم التي نزحوا منها".
الدولة العراقية وأجهزتها الأمنية لا تستطيع دخول تلك المدن ولا حتى معرفة ما فيها
وذكرت غلاي أن "الأجهزة التي ستُستخدم في العملية الانتخابية المقبلة، ومنها بطاقة البيومتري، رصينة، ولهذا لا يمكن حصول أي تزوير أو سرقة أصوات النازحين أو غيرهم". وختمت قائلة: "نطمئن الجميع إلى أنه لا توجد مخاوف من أي عمليات تزوير أو سرقة أصوات الناخبين النازحين وغيرهم، وهذه الانتخابات مختلفة عن سابقتها".
من جهته، رأى الخبير مؤيد الجحيشي، أن إبقاء هذه المدن خالية من سكانها، مع بدء العدّ التنازلي للانتخابات، هو أمر "مخطط له للتلاعب الانتخابي". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الدولة العراقية وأجهزتها الأمنية لا تستطيع دخول تلك المدن ولا حتى معرفة ما فيها، وسيطرة الجماعات المسلحة عليها يعني تشتيت أصوات كافية لوصول عدد من المرشحين، بما يؤثر على معادلة القوى داخل البرلمان المقبل".
لكن النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، كريم المحمداوي، رد على تلك الاتهامات بالقول إنه "لا يوجد أي جانب سياسي يمنع عودة النازحين، بل هي إجراءات أمنية تُسأل عنها الحكومة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك أي هدف سياسي لمنع عودة النازحين، وتأخير عودة أهل هذه المناطق يتعلق بالإجراءات الأمنية الحكومية، وليس هناك أي علاقة لتواجد الحشد الشعبي بهذه المناطق". وأفاد بأن "القوى السياسية الداعمة للحشد الشعبي ليست لها أي نية لسرقة أصوات النازحين، خصوصاً أنه أصبحت لديها قواعد شعبية حتى في المناطق المحررة، بعد مشاركة قادة هذه القوى في تحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش، لكن المفلسين يحاولون الترويج لغير ذلك".