بالتزامن مع تصاعد أعمال العنف في عدد من المحافظات العراقية، والتي سجّلت هجمات ومجازر متكررة، وأثارت مخاوف من انتكاسة أمنية، حمّل مسؤولون الحكومة مسؤولية تراجع الملف الأمني، وأكدوا أن التدخلات السياسية تقف خلف هذا الارتباك، مطالبين بإبعاد الملف الأمني عن سلطة الأحزاب والمليشيات المتنفذة، والتي تفرض إرادتها بقوة.
وتصاعدت حدّة أعمال العنف خلال الفترة الأخيرة، والتي كانت آخرها مجزرة الفرحاتية بمحافظة صلاح الدين، وراح ضحيتها 12 رجلاً، فيما غيّب 26، والتي تتهم بارتكابها مليشيا "العصائب" التي تتولى مهام أمن البلدة. وجاءت بعد ذلك مجزرة بلدة الخيلانية بمحافظة ديالى، والتي نفذها مسلحون يتبعون لتنظيم "داعش"، اختطفوا زعيماً قبلياً وقتلوه، قبل أن يقوموا بتلغيم جثته لتنفجر بعدد من ذويه، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، قبل أن تنفجر عبوة لتقتل اثنين وتصيب اثنين آخ رين، أغلبهم من أسرة واحدة. ووقع بعد ذلك هجوم بلدة الرضوانية ببغداد، وأسفر عن مقتل 11 من عناصر الأمن والمدنيين، فضلاً عن هجمات يومية وأعمال عنف وتفجيرات متفرقة.
دعا الربيعي إلى أن تكون القيادات الأمنية من صلب المؤسسة العسكرية وغير متحزبة
ولم تستطع الحكومة السيطرة على الوضع الأمني، الذي يشهد تراجعاً خطيراً، على الرغم من تنفيذ خطط أمنية عاجلة، واعتماد استراتيجية المباغتة ضد عناصر التنظيم. ووفقاً لمسؤول عسكري رفيع المستوى، فإن "قيادة العمليات المشتركة تُجري مراجعة للخطط الأمنية بشكل عام، بسبب الهجمات الأخيرة التي تصاعدت بشكل خطير". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الواقع الأمني فرض تغييراً في استراتيجية القوات الأمنية في التصدي لها". وقال "يتم الآن (إجراء) تحديث شامل للخطط الأمنية في بغداد والمحافظات الأخرى، من خلال اعتماد أسلوب المباغتة، وتكثيف الهجمات لإضعاف تحركات التنظيم". وأشار إلى أن "هذه الاستراتيجية سيتم اعتمادها، حتى تتغيير المعطيات الميدانية في عموم المحافظات التي تسجل أعمال عنف".
النائب عن تحالف "سائرون" علاء الربيعي أكد، لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب عديدة تقف وراء الانفلات الأمني في البلاد، إذ إن الدولة لم تستطع فرض سيطرتها بشكل جيد، وهناك سلاح منفلت للعشائر، والمجاميع المسلحة، ما أدى إلى عدم فرض هيبة الدولة، التي يجب أن تُفرض من خلال القوات الأمنية حصراً دون غيرها". وشدد على "ضرورة منع أي تدخل من أي جهة بالملف الأمني، وأن على رئيس الحكومة تحمل مسؤولياته، وألا يعطي ذريعة لأي جهة للتدخل بالملف الأمني وفرض أجندتها". وأشار إلى أن "القوات الأمنية حالياً بمستوى جيد، وأعدادها جيدة، وعليها أن تقوم بواجباتها بشكل سليم من دون تدخلات سياسية". وحذر من "انتكاسة أمنية كما حصل في العام 2014"، في إشارة إلى اجتياح "داعش" لعدد من المحافظات العراقية. وشدد على أنه "يجب أن يمنع أي تدخل سياسي بادارة الملف الأمني، كما يجب أن تكون القيادات الأمنية من صلب المؤسسة العسكرية، وغير متحزبة ولا مرتبطة بأي جهة".
ربط الجبوري بين التصعيد بأعمال العنف وقرب إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة
وأكد النائب عن "تيار الحكمة" حسن فدعم أن فرض الأجندات السياسية على المؤسسة الأمنية تسبب باستشراء الفساد بالمؤسسة الأمنية، وانعكس على الواقع الأمني. وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك فساداً كبيراً بوزارتي الدفاع والداخلية بملفات التسليح، وإدارات الألوية والفرق العسكرية، والتنقلات والترفيعات". واعتبر أن "المؤسسة الفاسدة لا تستطيع أن تنهض أو تدافع عن البلد". وأشار إلى أن "التدخلات السياسية لها تأثير كبير، إذ فرضت قيادات عسكرية غير مؤهلة بمناصب أمنية مهمة، بسبب انتماءاتها السياسية. إن الكثير من الضباط تجدهم في مقرات الأحزاب يتملقون لها للحصول على مناصب معينة، وهؤلاء هم الذين يحصلون على المناصب، فيما يتم استبعاد ذوي الكفاءة، كونهم غير مرتبطين بالأحزاب". وشدد على "ضرورة وضع حد للتدخلات السياسية"، معتبراً أن "مكافحة الفساد بالمؤسسة كفيل بنجاحها وإعادة هيبتها، وضبط الأمن مجدداً".
وربط النائب عن "تحالف القوى" العراقية أحمد مظهر الجبوري بين التصعيد بأعمال العنف وقرب إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي دفعت باتجاه زيادة التدخلات السياسية. وقال الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إنه "كلما اقتربت الانتخابات كان هناك صراع شديد بين القوى، وهذا بدوره ينعكس على الملف الأمني بشكل عام". وأكد أن "هناك تدخلات سياسية بالملف الأمني، وأخرى من قبل مجاميع مسلحة، وهي تتسبب بإشكاليات كبيرة للقوات الأمنية". وأوضح أن "تلك التدخلات تسببت بثغرات أمنية خطيرة، ومن ذلك منع عودة النازحين، الذين تُركت مناطقهم فارغة، وتحولت إلى طرق وثغرات استغلها الإرهاب بشكل خطير لتنفيذ هجمات والتسلل إلى المناطق الأخرى". وشدد على "ضرورة أن يجري التعامل بحزم مع هذا الملف، وأن تفرض الحكومة سلطتها عليه".
وأكد مراقبون أمنيون أن لا قدرة للحكومة على ضبط الملف الأمني في ظل الأزمات التي تمر بها البلاد. وقال الخبير بالشأن الأمني مصطفى البياتي إنه "لا يمكن للحكومة أن تضبط الملف الأمني خلال هذه الفترة، إذ إن الأزمات السياسية والمالية تضع الحكومة في موقف مُحرج، وتجعلها بحاجة إلى استرضاء القوى وإقناعها لتمرير القوانين المهمة، ومنها قانون المحكمة الاتحادية الذي يعد أساساً لإجراء الانتخابات، وقانون الاقتراض، الذي يخرج الحكومة من أزمة الرواتب المعطلة". وأشار إلى أن "تلك القوى هي التي تفرض أجندتها على الملف الأمني. وفي حال سحب يدها وعزلها عن الملف، فإنها ستستخدم نفوذها في البرلمان لتعطيل مشاريع الحكومة، الأمر الذي يعني أن أعمال الحكومة ستبقى عاجزة عن ضبط الملف الأمني، ومنع التدخلات السياسية فيه".