لم يُحدد مصير المدراء والوكلاء والمستشارين في الوزارات العراقية ممن ينتمون إلى التيار الصدري، الذي اختار عدم المشاركة في حكومة محمد شياع السوداني، لا سيما أن المعمول به في العراق يقضي بإجراء تغييرات كثيرة في الوزارات، بناءً على وجهات نظر وخطط الأحزاب التي تمسك بالوزارات.
فعند تكليف حكومة جديدة تجرى تعديلات تشمل استبدال مدراء مكاتب الوزراء والوكلاء والفرق الاستشارية، وتبادلها بين الأحزاب، ما يفتح أبواب التساؤل عن إقصاء واستبدال المسؤولين الصدريين في حكومة السوداني، بدافع التناوب الحزبي على الوزارات أو بدافع الانتقام.
محمد الصيهود: لا نعتقد أن هناك خطة لإقصاء أي طرف أو جهة سياسية
ويوجد الصدريون في كل الدوائر والوزارات والمؤسسات الأمنية، في مناصب مهمة وأساسية، وهي التي تُعرف بـ"الدرجات الخاصة"، ويجرون تسهيلات للتيار الصدري في كل المجالات، بما فيها الحصول على الصفقات والدرجات الوظيفية وتوزيع الأرباح وغيرها، وهم الأكثر نفوذاً، بفعل تأثيرهم السياسي في الفترات الماضية.
المسؤولون الصدريون عقدة للأحزاب
وقالت مصادر سياسية قريبة من مكتب السوداني، لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين الصدريين يمثلون عقدة بالنسبة للأحزاب التي شاركت في حكومة السوداني، وفي الوقت نفسه لم تصدر عن (زعيم التيار مقتدى) الصدر أي أوامر بشأنهم، كما جرى الحال مع النواب الذين استقالوا بناءً على طلبه".
وأضافت المصادر أن "الأحزاب، وتحديداً الشيعية منها، ترى أن مناصب المسؤولين الصدريين لا بد من أخذها، باعتبار أن التيار الصدري غير مشارك في تشكيل الحكومة، واختار الركون إلى المعارضة، لكن قادة من الإطار التنسيقي، بينهم هادي العامري وعمار الحكيم، وجدوا أن أي حراك لاستبدالهم سيؤدي إلى استفزاز الصدر، وسيُفهم على أنه إقصاء يستدعي التدخل".
وذكرت المصادر أن "السوداني أرضى جميع الأحزاب في الوزارات والمناصب، ويرى أن هناك حاجة لإبقاء المسؤولين الصدريين لمنع أي صدام مع التيار الصدري".
وفي أول جلسة لمجلس الوزراء العراقي الجديد، الجمعة الماضي، أصدر السوداني عدة توجيهات، أبرزها اختيار مديري مكاتب الوزراء من كوادر الوزارة حصراً.
ووجّه، في بيان صدر عن مكتبه عقب انتهاء الجلسة، بأن "تتم إجراءات عملية التسليم والاستلام ونقل المهام واستلام المسؤولية في الوزارات بهدوء وبشكل أصولي، والابتعاد عن اتخاذ القرارات المتسرعة، وإصدار أوامر تغييرات وتعديلات في الوزارة. أيضاً الابتعاد عن ممارسات الإلغاء والإقصاء، والأخذ بعين الاعتبار أن كل الموجودين هم موظفون في الدولة العراقية".
كما أوعز بأن "يجري اختيار مدراء مكاتب الوزراء من كوادر الوزارة حصراً، وعدم الاستعانة بمدير مكتب من أي جهة سياسية، فالوزارات تزخر بالموظفين من ذوي الخبرة والنزاهة، المؤهلين لتولي هذه المهام".
وبين أن "هذه الخطوة ستكون بمثابة رسالة اطمئنان للوزارة نفسها وموظفيها بأن الوزير مهني، ويبحث عن الأكثر جدارة وخبرة والأكفأ لتكليفه بتولي هذا الموقع". هذا الحديث فسر على أنه رسالة تطمين إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن بقاء منتدبيه في الوزارات.
لا خطة لإقصاء أي جهة سياسية
من جهته، أشار عضو الإطار التنسيقي والنائب محمد الصيهود إلى أن "حكومة السوداني ليست انتقامية تجاه أي جهة. فإلى جانب التيار الصدري هناك جهات أخرى لم تشارك في الحكومة، مثل تيار (الحكمة) بزعامة عمار الحكيم، ولديه موظفين ومدراء ومناصب مهمة في الحكومة والوزارات، ولا نعتقد أن هناك خطة لإقصاء أي طرف أو جهة سياسية".
وأكد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، أن "الاستحقاقات الانتخابية والحزبية لا يمكن تسميتها محاصصة، لأن هذه حقوق حزبية لا بد من التعامل معها بأمانة، وهذا ما نص عليه الدستور. بالتالي فإن تناوب الأحزاب على المناصب أمر طبيعي، وإلا فكيف يمكن إدارة الدولة من دون وجود أحزاب متنافسة؟".
من جهته، بيَّن العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين أن "هناك نظاماً إدارياً في العراق لا بد أن يستمر، خصوصاً بعدما انتهى السجال السياسي بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، وامتناع التيار الصدري عن الاشتراك بها، وتصدّر الإطار التنسيقي الواجهة ليكون مسؤولاً عن نتائج هذه الحكومة".
تحذير من إقصاء الموظفين
ولفت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "إدارة الدولة تخضع لنظام إداري، وليس من حق الإطار التنسيقي أن يقصي موظفيه إلا في حالات الفساد أو الفشل، أما إذا حدث ذلك بدافع الانتقام فإن هذا سيؤثر على عمل الدولة، وهناك الكثير من الخبرات الصدرية في الحكومة العراقية ودوائر الدولة".
عصام حسين: إقصاء الموظفين بدافع الانتقام سيؤثر على عمل الدولة
وأشار إلى أن "هناك كفاءات كبيرة في الدولة العراقية، من الممكن أن يواصلوا إنجاح مؤسساتهم، وإذا أبعدهم السوداني فإنه سيفشل، لأن فكرة تطهير الدولة من الصدريين لا تعني نجاح الخصوم، بل هو استفزاز غير منطقي، لكن ما نعرفه عن السوداني هو أنه لا يؤمن بالإقصاء ولا يريد الصدام، وهو يسعى للنجاح".
وأوضح أن "التيار الصدري ليس ضد السوداني، وهو لا يبحث عن إفشال حكومته، لأننا ننتظر إصلاحات حقيقية، ولن يكون التيار الصدري إلا مسانداً للسوداني في حال نجاحه".
بدوره، رأى المحلل السياسي كتاب الميزان أن "حكومة السوداني والإطار والكتل الداعمة لها، لن ينهجوا سياسة الانتقام من شخصيات التيار الصدري في المؤسسات الحكومية. ويبدو أن حكومة السوداني متجهة للتهدئة ومحاولة إرضاء الشارع بالعمل والخدمات نوعاً ما في مناطق الوسط والجنوب، لسحب البساط من التيار الصدري ومحاولة خلخلة الوضع لدى جماهيره عبر توفير البديل الشيعي للتيار".
واعتبر الميزان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "سيتم التعامل مع المسؤولين الصدريين عبر إبقائهم في المناصب منعاً لاستفزازهم. أما أي اتجاه للإطاحة بالمسؤولين الصدريين فسيؤدي إلى غضب كل تنظيمات الصدر".
وعن صمت زعيم التيار الصدري، قال الميزان إن "غياب الموقف الصدري الصريح إلى حد الآن، يعني أن هناك تفاهماً خفياً بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وعلى أساسه تم تحديد إجراء الانتخابات المبكرة في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة، وهو المطلب الأصيل لدى التيار الصدري".