ليس سراً أن على الساحة الفلسطينية ثمة من يؤمن بنظرية أن ممارسة الانتخابات "ستقلب الطاولة على الاحتلال". وإذا كان الأمر كذلك، فثمة أسئلة كثيرة في المشهد العبثي، الفصائلي والحزبي، منذ انتهاء "اتفاق أوسلو" (مايو/أيار 1999)، وجمود "تقرير المصير" وإعلان سيادة الدولة المستقلة. وأهم سؤال، بصداه المتردد في الداخل والشتات الفلسطينيين: لماذا إذا لم تقلبوا الطاولة منذ 15 سنة؟
يبدو أن سياسة وضع العربة أمام الحصان هي الثابت في الحالة الممتدة منذ استعصاء "أوسلو" ومتفرعاته. فالفلسطينيون سيتوقفون أمام ختام الفقرة الأولى في "بيان القاهرة"، الصادر عقب اجتماع الفصائل الفلسطينية، والتي جاء فيها حديث عن وجود هدف يتمثل في "تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وتعزيز البرنامج الوطني المقاوم انطلاقاً من كوننا حركة تحرر وطني"، وسيستعيدون مشهد الانقسام منذ الانتخابات السابقة. فإدراك المنقسمين أنهم "حركة تحرر" يتطلب نقاشاً وحواراً مختلفاً عن اختزال القصة في انتخابات وتوافقات.
سياسة فرض الأمر الواقع، وتبسيط مقاومة الاحتلال في حديث عن شعارات البرنامج الوطني، تحت سقف مسلسل "أوسلو"، تدفع الكل الفلسطيني لطرح أسئلة كثيرة حول ما إذا كانت مُهمة "التحرر الوطني" تتطلب قمعاً للحريات ــ وهو ما اعترف به بيان القاهرة نفسه في الفقرة السادسة ــ وذلك فوق القمع والاضطهاد والفصل العنصري الممارس من الاحتلال.
صحيح أن الوضع العربي الرسمي مختل منذ ما بعد الانقسام الفلسطيني، لكن ذرائعية 3 عقود تقريباً من الدوران في حلقة مفرغة، وبعضها بفعل أجندات إقليمية، تحت سقف تهميش القضية الفلسطينية وضرب عمقها الشعبي العربي، خصوصاً في سياسات الانقلاب على إرادة الشارع منذ 2011، آن أن تُواجه كما ينبغي لحركة تحرر وطني.
خلال بضعة أشهر سنجد أنفسنا، مرة أخرى، أمام جيل آخر من الفلسطينيين يكبر في ظل انتخابات 2021 (هذا إذا تمت)، ما سيعيد فرعَيْ السلطة، في الضفة وغزة، إلى اختزال عناوين قضية شعب بنتائج صناديق الاقتراع، كمهرب من مواجهة الأسئلة المصيرية، وخصوصاً عن دور الحركة الوطنية ومؤسساتها المُعطلة، وبذرائعية أخرى تنسجها حالة الركون للأمر الواقع.
ما تحتاجه الساحة الفلسطينية أعمق وأبعد من مشاهد استدعاء تغطية إعلامية لنزاهة الانتخابات، بحضور مراقبين دوليين وإقليميين، وبعضهم أصلاً لا يسمح لشعبه بممارسة الحد الأدنى من الحقوق. ملايين الفلسطينيين في الشتات والقدس المحتلة والداخل الفلسطيني يعيشون بكل أسف حالة جمود وتهميش، أمام هجمة غير مسبوقة لشرعنة عربية مخزية لمستعمرات الاحتلال. ولعل أولى مهام حركة التحرر الوطني أن تستعيد عملية استنهاض الوضع الداخلي. فبهذا الاستنهاض يمكن استعادة نشاط عربي ودولي يقاطع ويفضح ويُجرم دولة الأبرتهايد (كما أمام المحكمة الجنائية الدولية)، وليس تجريم من ينبذ التطبيع، ولمواجهة الدعوات في الغرب لمساواة معارضة الاحتلال بـ"معاداة السامية".