لم تهدأ آليات الجيش المصري على طول الحدود الفاصلة بين محافظة شمال سيناء المصرية وقطاع غزة الذي يشهد حرباً إسرائيلية غير مسبوقة، إذ تعمل الآليات المصرية على تشديد إجراءات حماية حدود مصر، وإغلاق الطريق في وجه أي نزوح فلسطيني باتجاهها، من خلال إقامة سواتر ترابية عالية، ونشر قطع عسكرية، تشمل دبابات وناقلات جند وقوات خاصة.
في السياق، قالت مصادر قبلية وشهود عيان لـ"العربي الجديد" إن المئات من قوات حرس الحدود والقوات الخاصة وصلت إلى مدينة رفح على شكل قوافل عسكرية كبيرة خلال اليومين الماضيين، فيما بدأت في إنشاء حواجز رملية على ثلاثة خطوط.
الخط الأول ملاصق للحدود مع قطاع غزة، بعد الجدارين الحديدي والصخري الموجودين أصلاً بين مصر وغزة، ومن ثم خط ثان على بعد كيلومتر من الحدود، والخط الثالث بين مدينتي رفح والشيخ زويد. ويفترض أن تمنع تلك الخطوط عبور أي نازح فلسطيني إلى مصر، أو حتى الخروج من الدائرة الجغرافية لمدينة رفح المصرية، في حال تمكن أي منهم من تجاوز الحدود، إلا أن ذلك مستحيل في ظل انتشار آلاف الجنود في الخطوط الثلاثة.
حاجز رملي على حدود غزة
وأضافت المصادر أن شاحنات ثقيلة لم تتوقف عن نقل الرمال باتجاه الحدود مع غزة بهدف إقامة حاجز ومانع رملي كبير جداً، تتخلله عدة فتحات لتمكين قوات الجيش المصري من التحرك بين المناطق، في حين جرى نشر دبابات وناقلات جند خلف الحاجز الرملي وأمامه، بالإضافة إلى اعتلاء الجنود الحاجز.
الجيش المصري بدأ في إنشاء حواجز رملية على ثلاثة خطوط على الحدود مع غزة
وأشارت إلى أن حجم الاستنفار العسكري غير مسبوق منذ انتهاء "الحرب على الإرهاب" في مصر قبل أكثر من عام ونصف عام، خصوصاً في ظل وجود ضباط مصريين برتب رفيعة من ضمن القوات المنتشرة على الأرض، تشمل قادة ألوية وكتائب في الجيش، لم يسبق لهم التحرك في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر إبان وجود تنظيم "داعش" في سيناء.
في غزة، ألقى الاحتلال الإسرائيلي منشورات تدعو سكان شمال القطاع إلى الإجلاء نحو الجنوب، إلا أن الخريطة المرسومة في منشور جيش الاحتلال تشير إلى وجود منطقة مساعدات إنسانية على الخط الساحلي الفاصل بين قطاع غزة ومصر، تحديداً في جنوب غرب مدينة رفح الفلسطينية، على حدود رفح المصرية.
وكشفت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، أن الجيش سيرسل القوافل الإغاثية إلى غزة عبر الطريق الساحلي، من دون الوصول إلى معبر رفح البري، في منطقة تدعى القرية السويدية في رفح الفلسطينية، وستُفتح ثغرة في السياج الفاصل بين غزة ومصر على الطريق الساحلي خلال الأيام المقبلة.
وحصل "العربي الجديد" على صورة تؤكد أن الجيش المصري أغلق بوابة معبر رفح البري الواصل بين قطاع غزة ومصر بجدار إسمنتي مرتفع، يصعب تجاوزه أو الدخول منه، رغم أن معبر رفح البري هو الشريان الوحيد لمد غزة بالأدوية والطعام، في ظل فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مشددا على القطاع بالتزامن مع الحرب القائمة، ورغم الدعوات العالمية والإقليمية والفلسطينية بضرورة فتح المعبر أمام حركة المساعدات ونقل المصابين إلى مصر.
ويأتي إغلاق معبر رفح بالجدار الإسمنتي في الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري إن المعبر ليس مفتوحاً بسبب توقفه من الجانب الفلسطيني إثر قصف إسرائيلي متكرر في محيطه، ما أدى إلى تضرر أجزاء منه، بيد أن هذه الصور تشير إلى رغبة مصرية بإغلاق المعبر بشكل نهائي خلال فترة الحرب على غزة.
وقالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" إن آليات هندسية تابعة للقوات المسلحة المصرية عملت على استبدال البوابة الحديدية للمعبر بجدار إسمنتي مرتفع، يحجب الرؤية تماماً بين الجانبين المصري والفلسطيني، مضيفةً أنه جرى منع أي من نوع من السيارات العاملة على طريق المعبر من الوصول إليه منذ يومين.
وأضافت المصادر نقلاً عن عاملين في المعبر أنه جرى سحب الموظفين من المعبر إلى مكان آمن منذ يومين، وإيقاف العمل والنشاط بداخله بشكل كامل، مع استمرار انتشار قوة عسكرية من حرس الحدود المصري، وقوات الشرطة المصرية المسؤولة عن تأمين المعبر.
محمد سيف الدولة: الهدف من التحركات المصرية هو منع تهجير أهالي غزة في اتجاه سيناء
ويأتي إغلاق المعبر في الوقت الذي تترقب فيه حملات المساعدات الشعبية وقوافل إغاثة إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح، وصول أطراف الصراع إلى هدنة إنسانية، وفي وقت تصاعدت المطالبات المصرية الرسمية بضرورة العمل على فتح معبر رفح من أجل إيصال المساعدات الإغاثية للفلسطينيين في قطاع غزة، رفضت السلطات المصرية السماح لأي جهة حزبية أو تابعة للمجتمع المدني بجمع التبرعات لمساعدة الغزاويين حتى إشعار آخر.
التحركات المصرية لمنع تهجير الفلسطينيين
من جهته، قال مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية" المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي محمد سيف الدولة، لـ"العربي الجديد"، إن الهدف من التحركات المصرية على الحدود مع قطاع غزة واضح وهو منع تهجير أهالي قطاع غزة في اتجاه سيناء.
وأضاف أن فتح المعبر لإيصال المساعدات والاغاثة من ماء وغذاء وأدوية وفرق طبية وفرق دفاع مدنى لإنقاذ المصابين تحت الانقاض، بل وقوافل تضامن مثل ما حدث عام 2012، هو واجب مصري إنساني قبل أن يكون قومياً ووطنياً ودينياً، بل إن فتح المعبر لدخول وخروج المسافرين من الفلسطينيين والمصريين وتحريره من الهيمنة الإسرائيلية هو واجب وطني.
وأوضح سيف الدولة أن "التهجير القسري للفلسطينيين هذه المرة ليس مجرد شائعة يطلقها إعلام كامب ديفيد كما كانوا يفعلون مع كل عدوان في السنوات الـ15 الماضية لتخويف المصريين من الفلسطينيين، بل هي حقيقة معلنة كرّسها في الأيام الماضية مسؤولون إسرائيليون وأميركيون، وهو مرفوض رفضاً قاطعاً من منظور المصالح والثوابت الفلسطينية والمصرية، كي لا يتم تفريغ الأرض كما حدث من قبل في عام 1948".
وأشار سيف الدولة إلى أنه "حرص على تسميته بالتهجير القسري بفعل حرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها إسرائيل اليوم، أما أهالينا في فلسطين فيرفضون رفضاً قاطعاً ترك أراضيهم، وإذا كانوا ينوون تركها فلماذا يقومون ويقاتلون ويقدمون كل هذا العدد من الشهداء على امتداد كل هذه السنوات؟ بل حتى في عام 2008 حين قاموا باجتياح الحدود المصرية للحصول على احتياجاتهم المعيشية من أسواق العريش، سرعان ما عادوا طواعية إلى غزة بعد ساعات قليلة بعد أن قاموا بشراء ما يريدون. ويومها انتهز آلاف من الشباب المصري فرصة فتح انفتاح الحدود فتسابقوا لزيارة غزة لأول مرة في حياتهم".