علم "العربي الجديد"، من أكثر من مصدر يمني، أن تفاهمات مبدئية بين السعودية وجماعة الحوثيين في اليمن، جرى التوصل إليها وجعلتها تنتقل إلى مرحلة الإعداد لخروجها إلى العلن، على أن تأخذ صيغة "إعلان" وقف الحرب بين الحكومة والحوثيين متى ما توافرت الظروف لذلك، وإن لم تطرأ مستجدات تعطل هذه الخطوة. ويأتي ذلك أخذاً بالاعتبار عوامل عدة، من بينها تطورات الحرب في غزة، ولا سيما مع انخراط الحوثيين في المواجهة، ولو جزئياً، مع تكرار إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة والتهديدات الجديدة التي أطلقها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أمس الثلاثاء.
الترتيب لإعلان تفاهمات سعودية يمنية
وتتعزز المؤشرات بشأن الترتيب لإعلان التفاهمات بعد استدعاء أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في اليمن إلى الرياض أمس الثلاثاء، بالتزامن مع جولة جديدة بدأها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ في المنطقة (التقى أعضاء مجلس القيادة في الرياض اليوم الأربعاء وزار مسقط أمس)، وكذلك المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، لكن تعثر محادثات سابقة يدفع مصادر عدة تواصلت معها "العربي الجديد"، إلى الدعوة للتريث بشأن إمكانية خروج التفاهمات الجديدة للعلن.
وعودة المباحثات بشأن وقف الحرب تأتي بعد حالة من الجمود في ملف المفاوضات الخاصة بالأزمة اليمنية، خصوصاً منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي التي تخللتها زيارة وفد حوثي للرياض ولقاؤه مسؤولين سعوديين بمشاركة من وفد الوساطة العُماني بعد زيارات لمسؤولين سعوديين لصنعاء.
يومها، أعربت الخارجية السعودية في بيان عن ترحيبها بـ"النتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن". كذلك أشادت الوزارة بمضامين لقاء وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع وفد الحوثيين، التي جرى فيها "تأكيد استمرار وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس إلى طاولة الحوار، للتوصل إلى حلّ سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة".
يتزامن الحراك مع جولة جديدة للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ
وتواصلت "العربي الجديد" مع عدة مصادر، عدد منها يمتلك مناصب رسمية في مؤسسات الشرعية اليمنية، أكدت جميعها وجود اختراقات بين السعودية والحوثيين، لكنها تباينت بشأن إمكانية إعلانها قريباً، وإن كانت جميع هذه المصادر قد أجمعت على عدم امتلاكها فكرة كاملة عن التفاهمات التي جرى التوصل إليها.
من جهته، قال مصدر غير رسمي، مطلع على تفاصيل المناقشات، لـ"العربي الجديد"، إن التفاهمات ستأخذ شكل "إعلان" وليس اتفاقاً، لأنه لن يُوقَّع على أي وثيقة، بل سيُعلَن وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب التي اندلعت في مارس/آذار 2015، وبموجب ذلك ستنطلق مفاوضات يمنية - يمنية للتسوية السياسية في البلاد. وبحسب المصدر، فإن التفاهمات تشمل تكفّل السعودية بدفع رواتب الموظفين العموميين في اليمن لمدة سنة كاملة، وخلال ذلك تستأنف الحكومة تصدير النفط بعد قيامها بعملية إصلاح أنابيب التصدير التي ستحتاج من ستة إلى ثمانية أشهر لإصلاحها.
وأشار المصدر إلى أنه خلال هذه السنة التي ستقوم السعودية بصرف الرواتب، يفترض أن تحصل مفاوضات على كيفية تقاسم الموارد وتوزيع الرواتب ما بين الطرفين، ويفترض أن تكون هناك تسوية سياسية وشراكة سلطة ضمن هذه العملية، مستبعداً أن تحرز تقدماً. لكنه أشار إلى أنه يمكن أن يحصل تقدم في الجانب الاقتصادي.
ويعاني الموظفون اليمنيون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من انقطاع رواتبهم منذ سبتمبر 2016، إذ ترفض الجماعة صرف رواتبهم، متهمة ما تصفه بـ"العدوان السعودي الأميركي" بالوقوف وراء توقف صرفها، على الرغم من الإيرادات الكبيرة التي تجبيها، وتتيح لها صرف الرواتب وتحسين أحوال الموظفين. ويريد الحوثيون أن تتكفل الحكومة اليمنية بدفع الرواتب وأن تُسلّم لهم، على أن يعمدوا إلى تسليمها للموظفين، لكن الحكومة، عبر الوسيط السعودي، ترفض ذلك من الأساس، وتتمسك بضرورة اعتماد جدول الموظفين لعام 2014، أي عام الانقلاب الحوثي، على أن تُفتح حسابات للموظفين في المصارف، وتُحوَّل الرواتب إليهم مباشرة.
وأشار المصدر إلى أن الحوثيين يرفضون أن تكون السعودية وسيطاً، والسعودية ترفض أن تكون طرفاً، وكلّ طرف يتمسك بموقفه، وبالتالي فالسعودية إلى الآن ليست طرفاً ولا وسيطاً.
وأشار المصدر إلى أن الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة أخّرت إعلان وقف إطلاق النار، بحكم أن هناك أولويات أخرى عقّدت حسابات الأطراف إلى حد ما، بالذات حساب الطرف الأميركي، وما عدا ذلك لا تأثير كبيراً للحرب بمسار التفاوض في الأزمة اليمنية.
التفاهمات ستأخذ شكل "إعلان" بحسب مصادر وليس اتفاقاً، لأنه لن يتم التوقيع على أي وثيقة
وكان زعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عبد الملك الحوثي قد تحدث أمس الثلاثاء، عن إمكانية أن تتوسع الحرب في المنطقة إذا استمر العدوان، مؤكداً أنّ موقف جماعته ثابت ومستمر والوضع الداخلي يجب أن يستمر بالتفاعل والتوحد. وحديث الحوثي، الذي جاء خلال كلمة ألقاها إلى أنصاره في ذكرى يوم الشهيد، تخلله أيضاً التهديد بتصعيد هجمات جماعته، إذ قال: "سنظفر بسفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وسنُنكّل بها، وفي أي مستوى تناله أيدينا لن نتردد في استهدافه وليعرف بهذا كل العالم".
ودعا الحوثي الدول التي تفصل بين اليمن وفلسطين جغرافياً "لفتح معبر للمجاهدين للمرور إلى فلسطين" كاشفاً عن عملية للقوة الصاروخية والطيران المسيَّر الاثنين الماضي. وأشار إلى أن "الموقف الأميركي منذ بداية موقفنا يتجه للضغط علينا، والتهديد المستمر لنا مباشرة بعودة الحرب من جهة التحالف، وإعاقة الاتفاق مع التحالف، بعدما كان وشيكاً، وإعاقة المساعدات الإنسانية". وأضاف أنّ "كل هذه الخطوات لن نكترث بها، لن تخضعنا، لن تصرفنا عن موقفنا".
من جهته، قال مصدر ثانٍ مقرب من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه، لأنه غير مخول بالتصريح، لـ"العربي الجديد"، إنّ من المبكر الحديث عن اتفاق وشيك، لكنه أشار إلى أن الجانب الرئاسي والحكومي يخوض حالياً مشاورات داخلية لإنهاء التزاماته كافة في هذا الشأن.
وفيما أكد المصدر استدعاء أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى الرياض إلى جانب الأحزاب، لفت إلى أن الحديث يدور عن "إعلان مبادئ"، على أن يطرح المجلس الرئاسي والأحزاب وجهة نظرهم في بنوده ويُبلَغ الحوثيون بها.
التفاهمات تشمل دفع السعودية رواتب الموظفين العامين في اليمن لمدة سنة، حتى تستأنف الحكومة تصدير النفط
بدوره، أكد مصدر ثالث أنه استُدعِيَ جميع أعضاء مجلس القيادة إلى الرياض لإبلاغهم بالاتفاق. وأضاف أن المعلومات حتى الآن تفيد بأنّ الاتفاق مع الحوثيين سيُعلَن خلال أيام، ويتضمن مسائل المطار والميناء ودفع رواتب على أساس ميزانية 2014 من النفط والغاز، على أن تتولى السعودية دفعها لمدة من 6 أشهر إلى سنة حتى يبدأ تصدير النفط في إطار خريطة الطريق التي طرحتها السعودية التي تبدأ بالقضايا الإنسانية، وبعدها محادثات سياسية مباشرة تنتهي بفترة انتقالية جديدة.
وأشار المصدر الثالث إلى أن لا أحد يعرف تفاصيل الاتفاق بدقة أو لديه صورة عنه، حتى مجلس القيادة، لافتاً إلى أن السؤال لا يزال قائماً حول الموقف الأميركي الذي كان يطالب بتأجيل إعلان الاتفاق إلى ما بعد انتهاء العدوان على غزة، غير أن جولة المبعوث ليندركينغ قد تعني أن واشنطن وافقت في إطار صفقة مع إيران.
بدوره، قال مصدر حكومي رابع إن مشروع الاتفاق موجود، لكنه أوضح أنه غير مطلع على تفاصيله. ونفى وجود أي معلومات لديه بشأن بوادر إعلان أو اتفاق قريب، متوقفاً عند الانتقادات التي وجهها زعيم الحوثيين للسعودية الثلاثاء.
وبحسب مصدر خامس، غير رسمي، لكنه مواكب لما يُتداوَل، فإن زيارة أعضاء مجلس الرئاسة للرياض، التي جاءت تحت عنوان إجراء مشاورات، تهدف عملياً إلى إطلاعهم من قبل المسؤولين السعوديين على مسودة البيان، كذلك يفترض أن تشمل لقاءً مع وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان للغاية نفسها.
وبحسب المصدر نفسه، فإن التفاهمات تشمل صيغة لدفع رواتب الموظفين بناءً على جداول 2014، وهو إن صحّ، سيكون بمثابة تنازل للحوثيين الذين كانوا يضغطون لتجاوز جداول 2014. ووفقاً له، فرغم أن الأجواء تشير إلى أن الإعلان يفترض أن يحصل قبل نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، فإنه ليس حتمياً، أخذاً بالاعتبار عوامل عدة أولها ما تفرضه التطورات في ظلّ العدوان على قطاع غزة وانخراط الحوثيين في إطلاق الصواريخ وما يمكن أن يستدعي ذلك من تطورات.
وتوقف المصدر نفسه عند الموقف الأميركي، إذ أشار إلى أنّ الولايات المتحدة التي اطلعت على "الإعلان" لم تُبدِ أي موقف رافض له، لكن هناك ما يمكن وصفه بالبرود الكبير تجاهه، وسط طرحها تساؤلات عن الضمانات التي تتيح التزام تنفيذه.
جولة ليندركينغ وتداعيات المشهد الإقليمي
ولن تكون هذه التطورات غائبة عن جولة ليندركينغ، التي وضعتها وزارة الخارجية الأميركية أمس، في سياق "الدفع بجهود السلام الجارية بقيادة الأمم المتحدة في اليمن ودعم التنسيق الإقليمي للتوصل إلى نهاية دائمة للصراع". وأكد بيان الوزارة أن الولايات المتحدة "ملتزمة ضمان التوصل إلى حلّ سلمي للصراع في اليمن، ونحن نعمل بشكل وثيق مع شركائنا لدعم جهود السلام برعاية الأمم المتحدة ووضع حد للمعاناة الهائلة التي سبّبها هذا الصراع".
وبحسب بيان الخارجية، يجتمع المبعوث الخاص "بشركاء يمنيين وسعوديين وعُمانيين وإماراتيين وغيرهم من الشركاء الدوليين لمناقشة الخطوات اللازمة لضمان وقف إطلاق نار دائم وإطلاق عملية سياسية شاملة بقيادة الأمم المتحدة ومواصلة الجهود للتخفيف من الأزمة الاقتصادية والمعاناة التي تثقل كاهل اليمنيين". وأشارت إلى أن ليندركينغ "يشدد على أن الفرصة سانحة لليمنيين الآن حتى ينهوا الصراع اليمني وينتقلوا إلى السلام، فالصراع الإقليمي الأوسع نطاقاً قد يقوّض السلام في البلاد".
الكاتب الصحافي محمد القاسم، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إصرار الحوثيين على انتزاع الكثير من المكاسب السياسية المبالغ فيها كان سبباً في خفض وتيرة الرغبة السعودية لحسم الملف اليمني، وفسح المجال أمام الوساطة العُمانية لإقناع الحوثيين بمستوى أقل مما يطمحون إليه". وأضاف: "في تقديري، تزامنت هذه الإشكالية مع حرب غزة التي بالتأكيد جمّدت الكثير من الملفات العالقة في المنطقة، من بينها الملف اليمني، ولا أظن أنه ستكون هناك أي مستجدات على صعيد عملية السلام في اليمن في الوقت الراهن".
واعتبر الكاتب الصحافي أن "أي محاولة سعودية لاستئناف المباحثات مع الحوثيين ستصطدم باشتراطات أكثر، ولا سيما أن الحوثيين يمرون بحالة من الشعور بالتضخم، خصوصاً بعد الهجمات التي شنّوها باتجاه الأراضي المحتلة، بحسب زعمهم، وهذا ما سيعقد الحلول على الصعيد السياسي". أما على الأرض، فرأى القاسم أن "المشهد القائم سيستمر وستظل الجبهات في حالة ركود إلا من هجمات متقطعة للحوثيين، غرضها تحقيق اختراق، خصوصاً في جبهات مأرب، في محاولة لمضاعفة أوراقهم التفاوضية مستقبلا". وأكد الكاتب الصحافي أنه "ستكون لحرب غزة تداعيات كثيرة على صعيد المنطقة، ومنها اليمن التي تصدرت مشهد الصراع القائم، وشكّلت منصة لمحاولة توسيع الصراع، بحسب الأميركيين الذين ينخرطون في جهود الوساطة".
المحلل السياسي نبيل البكيري، قال من جهته لـ"العربي الجديد"، إن "للأحداث الفلسطينية في غزة تأثيراً كبيراً في ما يتعلق بتوقف النقاش والمفاوضات حول الأزمة والأوضاع في اليمن، وستكون لها انعكاسات كبيرة على الأوضاع في اليمن سلباً وإيجاباً، نظراً لتشابك المصالح والأطراف الدولية المتدخلة في اليمن بما يجري في غزة". وأكد البكيري أنه "ستتوقف على نتائج هذه الحرب الكثير من السياسات، ليس تجاه اليمن فحسب، بل تجاه المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة كلها".