العقوبات الأميركية على فصائل سورية معارضة: ترحيب شعبي واستهجان مؤسساتي

18 اغسطس 2023
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فصيلين بالمعارضة السورية (أسوشييتد برس/أرشيف)
+ الخط -

فرضت الولايات المتحدة الأميركة عقوبات على فصائل وقيادات من الجيش الوطني السوري المعارض، الحليف لتركيا، بعد أن عجزت المؤسسة العسكرية عن محاكمة أشخاص طاولتهم تلك العقوبات، إثر شكاوى بعد معاناة من سكان المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل. 

ومنذ تشكيل الجيش الوطني عام 2016، والذي تشرف عليه تركيا وتنشره في المناطق التي دخلت إليها بمعارك مختلفة، سيما بعد دحر تنظيم داعش أو الوحدات الكردية، في أرياف حلب والرقة والحسكة، بات الفلتان الأمني عنواناً يومياً لتلك المناطق، سواء من خلال التفجيرات أو حالات الاغتيال والقتل أو الخطف أو السلب أوالنهب بقوة السلاح، وبدونه.

ودائماً ما تتهم فصائل بعينها بارتكاب الانتهاكات أو الاقتتال فيما بينها على منافع، ويذهب المدنيون ضحايا معاركها، بالإضافة لتجاوزاتها ضد المدنيين، دون محاسبة أو بمحاسبة شكلية، لا تعيد حقاً أو تنصف شاكياً، بحسب كثير من السكان.

وأمس الأربعاء، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فصيلين، وقيادات في الجيش الوطني السوري، قالت إنهم مسؤولون عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمالي سورية. 

وطاولت تلك العقوبات "لواء سليمان شاه"، و"فرقة الحمزة"، لضلوعهما في "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" ضد السوريين و"مشاركتهما بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الانتهاكات".

وشملت العقوبات ثلاثة قياديين بارزين في الفصائل، هم: محمد حسين الجاسم الملقب بـ(أبو عمشة)، قائد "لواء سليمان شاه"، ووليد حسين الجاسم وهو الأخ الأصغر لأبو عمشة، الذي يشغل أيضاً دوراً قيادياً في لواء سليمان شاه، وسيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة، إضافة إلى شركة السفير أوتو لتجارة السيارات، التي يشارك أبو عمشة ملكيتها.

وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان إي نيلسون: "يُظهر إجراء اليوم التزامنا المستمر بتعزيز المساءلة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك في سورية"، وأكد أن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم قدرة الشعب السوري على العيش دون خوف من الاستغلال من قبل الجماعات المسلحة ودون خوف من القمع العنيف". 

ويتهم محمد الجاسم (أبو عمشة) بعدد من الانتهاكات، بما فيها قضايا اغتصاب، وسطو فصيل يعرف باسمه على الأملاك العامة والخاصة، سيما في منطقة عفرين، ذات الغالبية الكردية، والتي دخلتها تركيا مع فصائل الجيش الوطني في العام 2018.

كذلك كانت الحال بالنسبة لسيف بولاد، المتهم مع فصيله بتنفيذ عمليات اختطاف واغتيال، وآخرها اغتيال الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم، وزوجته، إذ أفضت التحقيقات إلى ضلوع عناصر من فرقة الحمزة في عملية الاغتيال، وتلقت أوامرها من قيادة الفصيل.

وهذه ليس المرة الأولى التي تفرض فيها واشنطن عقوبات على فصائل الجيش الوطني، إذ سبق أن فرضت وزارة الخزانة عقوبات على فصيل "أحرار الشرقية"، بتهمة القتل غير القانوني لـ"هفرين خلف"، السياسية الكردية، والأمين العام لحزب "سورية المستقبل"، إضافة إلى حراسها الشخصيين في أكتوبر 2019، فضلاً عن اتهام الفصيل بقتل عدة مدنيين في شمال شرقي سورية، بينهم عاملون في قطاع الصحة.

بعد صدور العقوبات بحق الفصلين، استهجن بيان وزارة الدفاع في الحكومة السورية المعارضة، التي تشرف شكلياً على الجيش الوطني، فرض الولايات المتحدة العقوبات، ولاقى بيانها استنكاراً من السكان والمتضررين من الانتهاكات، الذين طالبوا الوزارة بأن تأخذ "دور المحاسبة لا أن تقف مع المنتهك" أو أن "تصمت على الأقل"، بحسب منشورات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت وزارة الدفاع في بيانها، إنها "تابعت باهتمام بالغ القرار الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، والمتضمن تصنيف فصيلي سليمان شاه والحمزة، وبعض الأشخاص من مرتبات الجيش الوطني السوري، ضمن قائمة العقوبات"، مشيرة إلى أن العقوبات "غير عادلة وبعيدة عن مبدأ الحق والعدالة، معتمدة بذلك على تقارير منظمات غير حيادية تسعى إلى تشويه صورة الجيش الوطني السوري لأهداف وأغراض سياسية معادية لقضية الشعب السوري وأهدافه". 

وأكدت الوزارة بأن تقرير وزارة الخزانة الذي تضمن العقوبات "أساء لفصيلين من فصائل الجيش الوطني السوري، وأن تقرير الخزانة الأميركية جاء ظالماً ومخالفاً لمبدأ الحق والعدل الذي نادت به جميع دساتير العالم والقوانين الدولية الخاصة والعامة"، وأشارت: "نؤكد أن جميع التشكيلات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع السورية بما فيها الفصيلان المذكوران قد أخذت على عاتقها التصدي لجميع المخالفات، والتجاوزات، سواء التي تُرتكب من قبل الأشخاص أو الكيانات التابعة لها، وذلك عن طريق المؤسسات القضائية المختصة وهناك المئات من الأحكام التي صدرت عن الجهات القضائية المختصة بحق المخالفين" .  

وطالب البيان بأن "تقوم وزارة الخزانة الأميركية بمراجعة تقريرها والتراجع عن هذا التصنيف الظالم والغير عادل".

وتعقيباً على بيان وزارة الدفاع، والعقوبات الأميركية، يقول الباحث السياسي جمعة لهيب، على صفحته في "فيسبوك"، إنه "مع العقوبات الأميركية، ينتهي المستقبل السياسي للأفراد المعاقبين"، مضيفاً: "الآن من وقف ضد قرار العقوبات المبني على وقائع وأدلة بينها إفادات المجلس الإسلامي السوري والحكومة المؤقتة، فبدل أن يتم فصل هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم، يتم التصريح من قبل الحكومة المؤقتة المستتركة (التابعة لتركيا) بأن هذه العقوبات ظالمة". 

كثيراً ما تتهم الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع والجيش الوطني بالارتهان إلى تركيا، وعدم التزام أجندة وطنية، والجدير بالذكر أن الفصيلين المعاقبين أقرب فصائل "الوطني" إلى أنقرة. 

من جهته، قال الباحث وائل علوان، المهتم بشؤون الفصائل والجيش الوطني على وجه الخصوص، إن "العقوبات على أشخاص من المعارضة السورية نتيجة اتهامهم بارتكاب الانتهاكات لم تأت من فراغ، فهناك انتهاكات بحق المدنيين ارتكبت، وترتكب اليوم. في الوقت نفسه، لا يمكن التعامل مع قضية الانتهاكات بهذا التعميم، باتهام فصيل كامل أو قائده، حيث بالتأكيد الاتهامات والعقوبات لها تأثير على الفصيل وعلى الجهات المرتبط معها كمؤسسات المعارضة الرسمية". 

وأضاف لـ"العربي الجديد": "هناك فرصة لدى الجيش الوطني أن يعالج موضوع الانتهاكات بجدية وحزم، وأن يفعّل مؤسسات القضاء، فيقدم المتورطين إلى المحاسبة بعد تحقيقات متكاملة تنظر في الأدلة والادعاءات بشكل موضوعي، وهذا ليس فقط بسبب العقوبات الأميركية، بل أيضاً، بسبب الحاجة الماسة إلى أمان واستقرار مناطق المعارضة".

المساهمون