عاد الأردن الرسمي خلال الفترة الأخيرة لعقد لقاءات معلنة وسرية مع المسؤولين الإسرائيليين، على الرغم من أحاديث عن فتور وتوتر شاب العلاقات خلال الفترة الماضية، بيد أنها لم تنقطع. وأعلنت الخارجية الأردنية يوم الثلاثاء الماضي عن لقاء بين وزير الخارجية أيمن الصفدي ونظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي في جسر الملك حسين، وهو الثاني بين الطرفين بحسب الأردن، والرابع وفق الإعلام الإسرائيلي، خلال الفترة الأخيرة. وقبل أيام، دعا عم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ولي العهد الأسبق الأمير الحسن بن طلال، إلى دفع "السلام مع إسرائيل" قدماً، وذلك في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية. كما أعلنت الصحيفة عن لقاء سري في عمّان جمع العاهل الأردني مع وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، لم تؤكده السلطات الأردنية.
وتستشعر عمّان خطر التحوّلات الطارئة في المنطقة، بعد تغيّر الإدارة الأميركية، وسط مخاوف على دورها الإقليمي وفي فلسطين، الأمر الذي يدفعها إلى التماهي مع تيار التطبيع العربي. كما يشير مراقبون إلى أن الأردن يحاول أن يظهر أكثر قرباً من جناح غانتس، الذي يقدّم نفسه بديلاً لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الانتخابات التي ستجري في 23 مارس/آذار الحالي، في ظلّ الفتور مع نتنياهو.
الانتقال لفكرة الإعلان عن اللقاءات بين الطرفين يرتبط بوصول بايدن إلى البيت الأبيض
وفي مقابل العلاقات الرسمية المتواصلة مع إسرائيل، فإن الموقف الشعبي الأردني يعارض التطبيع مع دولة الاحتلال، ويرفض بشكل كبير العلاقات معها، وكان هذا الرفض يتجسد في الفعاليات الاحتجاجية في الشارع الأردني قبل تفشي وباء كورونا، ثم على صفحات التواصل الاجتماعي، في ظلّ النقد الغاضب من اتفاقيات التطبيع العربية مع الاحتلال.
إعلامياً، اتسمت علاقة الأردن بالحكومات اليمينية السابقة التي أشرف على رئاستها نتنياهو، بالفتور، وتخللها في بعض الفترات توتر كان أشده حين قُتل أردنيان في يوليو/تموز 2017 داخل السفارة الإسرائيلية في عمّان، إضافة إلى تعهد نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، والتهرب المستمر من خيار الدولتين.
ويرى الباحث الاستراتيجي الأردني، عامر السبايلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لم يكن هناك تصعيد حقيقي بين الطرفين سوى "البروباغندا" التي قادها وزير الخارجية أيمن الصفدي، معتبراً أن هذه الطريقة غريبة على أدبيات وزارة الخارجية الأردنية. ويوضح أن العلاقة بين البلدين متواصلة، والتنسيق الأمني لم ينقطع. ويضيف أن مسألة "التنسيق الأمني" (الفلسطيني والإسرائيلي) مع الأردن لا تتأثر بأي تطورات ومتغيرات، مستغرباً أن تصدر هذه التصريحات من حكومة موقعة على اتفاقية وادي عربة (معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية في عام 1994)، وتعمل بتنسيق مستمر مع بعض المؤسسات الإسرائيلية.
ويوضح السبايلة أن الإنتقال لفكرة الإعلان عن اللقاءات بين الطرفين خصوصاً وزيري الخارجية، يرتبط بالتغيرات التي تحصل في واشنطن مع تسلّم الديمقراطيين برئاسة جو بايدن السلطة، خلفاً للجمهوريين بقيادة دونالد ترامب. ويلفت إلى أن الفكرة ايضاً مرتبطة بضرورة إعادة إنتاج المشهد الفلسطيني بطريقة جديدة عنوانها الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتحريك العملية السياسية وفق أطر جديدة تطرحها واشنطن.
وحول المزاج الشعبي الرافض لاتفاقيات التطبيع العربية مع الاحتلال، والمتحفظ تجاه العلاقات والتعاون الرسمي مع إسرائيل، يلفت إلى أنه لا يصنع التغيير في واقع العلاقة. ويضيف "الأردن اليوم لا يستطيع أن يبقى خارج المنظومة التي تتشكل، وأن تتهاوى اتفاقية وادي عربة، في الوقت الذي تبنى فيه اتفاقيات جديدة تؤذي مصالح الأردن، وقدرته على لعب دور إقليمي، وبالتالي فالإعلان عن هذه الاجتماعات يأتي أيضاً من باب رغبة الأردن أن يكون له حضور أكبر في المنطقة". وبالنسبة للمطالب الأردنية المتعلقة بالوصاية على المقدسات وتقسيم القدس المحتلة، يربط السبايلة تحقيق هذه المكتسبات بالعلاقات مع الداخل الإسرائيلي، معتبراً أن الحفاظ على العلاقة مع إسرائيل هو ما يحافظ على تحقيق التطلعات السياسة الأردنية.
الأردن لا يملك أدوات ضغط قوية وكبيرة تجاه ما يحدث في المنطقة
من جهته، يقول منسق الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع إسرائيل هشام البستاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه خلال الفترة الماضية كان وزير الخارجية أيمن الصفدي يضلل الرأي العام، بإظهار أن علاقات الأردن مع إسرائيل متوترة جداً، عبر إصدار بيانات متتالية حول مشاريع الاستيطان والتوسع. ويعتبر أن ذلك لم يكن يطابق الواقع، فقرارات الحكومة، وأبرزها تطبيق اتفاقية الغاز، تكشف حقيقة التوجهات الحكومية. ويضيف "لا يمكن أن ندين قرارات الاحتلال المرتبطة بالاستيطان والتوسع ونستمر باتفاقية الغاز، التي تدر لدولة الاحتلال 10 مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب الأردنيين للجهة التي يدينها"، مشيراً إلى أن "الحكومة تقوم وبشكل متكرر بإدانة التمدد الصهيوني والمشاريع الصهيونية وبرامج نتنياهو كلامياً ومن دون إجراءات عملية، بل وعلى النقيض من ذلك تقوم بإجراءات عملية تصبّ في دعم هذا التمدد بالأموال".
وحول مبررات عودة الدفء إلى العلاقة الرسمية مع دولة الاحتلال، يشير إلى أن الأردن داخل إطار الإقليم لا يملك أدوات ضغط قوية وكبيرة تجاه ما يحدث في المنطقة، وهناك تأثير من بعض دول الخليج كالإمارات والسعودية على الأردن لا سيما بعد وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، والحديث عن عودة اهتمام واشنطن بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويضيف البستاني أنه من الواضح أن هناك إعادة تمحور داخلية إقليمية، بضغوط من بعض دول الخليج ومصر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والمطلوب من الأردن إعادة تموضعه بشكل أوضح مع هذا الاتجاه في إطار تغير في المشهد الإقليمي والدولي.