كشف مصدران عسكريان مقربان من معسكر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، تفاصيل الضربات الجوية التي تعرضت لها قاعدة الخروبة العسكرية، شرقيّ ليبيا، ليل الخميس، فيما لا يزال الغموض يلفّ هوية الطيران الذي استهدفها.
وتطابقت رواية المصدرين، وهما ضابطان بهيئة الإمداد وهيئة الدفاع الجوي طلبا عدم التعريف باسميهما، عن تفاصيل الحدث، وهو أن القاعدة تعرضت لضربتين: الأولى خارجها، في الطريق المؤدي إلى وادي سمالوس المحاذي لمنطقة الخروبة باتجاه الشرق، والثانية داخل أسوار القاعدة قرب المدخل الرئيسي.
وفيما أكد المصدران أن الطيران الذي استهدف القاعدة ومحيطه لا يزال مجهولاً، قال أحدهما إن "الضربات أشبه بالضربات التحذيرية أكثر منها ضربات قتالية لتدمير مواقع حيوية بالقاعدة، فبين مكان الضربة عند مدخل القاعدة وأول المنشآت فيها، مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات. أما الثانية، فكانت خارج القاعدة على مسافة تزيد على 5 كيلومترات على طريق ترابي يربط بين الخروبة ووادي سمالوس المحاذي، ولا يوجد أي أثر لآليات مدمّرة أو محترقة".
وفيما يرى المصدر العسكري نفسه أن الضربات كانت لـ"منع تحرك ما"، يرجح أن تكون الضربة الأولى لاعتراض سيارات عسكرية خرجت من القاعدة وإجبارها على الرجوع، والثانية لمنع التحركات داخل القاعدة، مؤكداً أن الأوساط في قيادة حفتر لا تتداول أي معلومات واضحة بشأن ما حدث داخل القاعدة.
من جانب آخر، أكد شهود عيان من منطقة الخروبة لـ"العربي الجديد"، سماعهم أصوات قصف جوي، ليل الخميس الماضي، دون أن يشاهدوا أعمدة دخان تتصاعد من داخل القاعدة أو محيطها.
وتُعدّ قاعدة الخروبة الواقعة على مسافة 150 كيلومتراً جنوب شرق بنغازي، من القواعد العسكرية التابعة لقيادة حفتر التي أُعيد تأهيلها عام 2016 بمساعدة إماراتية، حيث كانت القاعدة قبلها خارج الخدمة، وأخيراً أصبحت من بين المواقع التي تتمركز فيها مجموعات "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا.
وفي 17 و18 إبريل/ نيسان الماضي، أقلعت من قاعدة الخروبة طائرة شحن متوجهة إلى قاعدة مدينة الكفرة، القريبة من الحدود مع السودان، مروراً بقاعدة الجفرة، وعلى متنها عتاد عسكري، كدعم لقوات "الدعم السريع" السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حليف حفتر.
ولا تزال قيادة حفتر تلزم الصمت حيال القصف الذي تعرضت له قاعدة الخروبة، حيث امتنع الناطق الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، عن التعليق على الحدث، إلا أن صحيفة "المرصد" الليبية، المقربة من اللواء الليبي المتقاعد نفت تعرّض القاعدة للقصف.
وفيما نسبت وسائل إعلام تبعية الطيران الذي استهدف الخروبة إلى حكومة الوحدة الوطنية، نقلت صحيفة "المرصد" عن مصدر عسكري من قيادة حفتر، لم تسمّه، قوله: "إذا تجرأ (عبد الحميد) الدبيبة وحكومته على عمل كهذا، يُعتبر اتفاق وقف إطلاق النار ملغىً، والرد سيكون في طرابلس".
من جهتها، لزمت حكومة الوحدة الوطنية الصمت، حيال التقارير الإعلامية التي قالت إن الطائرات التي نفذت القصف على الخروبة طائرات مسيّرة من طراز "أكنجي"، اشترتها حكومة طرابلس من تركيا، ولم يصدر عنها أي توضيح رسمي.
واستخدمت حكومة الوحدة الوطنية الطيران المسيّر في تنفيذ سلسلة من الضربات الجوية، خلال مايو/أيار الماضي، لاستهداف "أوكار عصابات تهريب الوقود، وتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر"، بحسب بيان الحكومة، في مدن الزاوية، والعجيلات، وصبراته، وزوارة غرب طرابلس.
وفيما لا تجلي معلومات المصادر العسكرية حقيقة القصف الجوي الذي تعرضت له القاعدة بشكل واضح، إلا أن الخبير العسكري، الصيد عبد الحفيظ، يعلّق بقوله إن "وصف الضربات بالتحذيرية مقبول جداً، فلو كانت الضربات قتالية، وتستهدف تدمير آليات أو منشآت لفاغنر، لكان توجيهها لمواقع فاغنر في قاعدة الجفرة أو براك الشاطئ أولى، لأنها الأهم عسكرياً والأقرب من مواقع النفط، ومجالها حيوي مرتبط بالكثير من الأحداث الهامة في الحزام الأفريقي، كالأحداث في السودان، وتعوّل عليها فاغنر بشكل أكبر".
وحول هوية الطيران الذي استهدف الخروبة، يقول عبد الحفيظ في حديثه لـ"العربي الجديد": "الواقعة يلفها الغموض، لكن من باب التخمين فقط، فقد يكون القصف في إطار الإجراءات التأديبية الروسية لاحتواء تمرّد فاغنر، لكن الأمر سينجلي بشكل أكبر إذا ما تكررت الضربات، واستهدفت مواقع فاغنر الأخرى في الجنوب الليبي، وعندها يمكن القول إن عواصم غربية قد تدفع أطرافاً ليبية، كالحكومة في طرابلس، لاستهداف فاغنر، واستثمار فرصة موقف القيادة الروسية الغاضب منها".
ويتابع: "إذا ثبت وقوف عواصم غربية وراء القصف، فهو يحمل رسالتين: الأولى تحذيرية لحفتر، فالخروبة لا يفصلها عن الرجمة سوى 90 كيلومتراً عبر الطرقات الزراعية، والثانية قطع لخطوط الإمداد لمجموعات فاغنر في الجنوب الليبي"، موضحاً أن الخروبة تُعدّ موقعاً لعبور العتاد العسكري القادم من خارج ليبيا باتجاه مراكز فاغنر في الجفرة، وغيرها من المواقع في الجنوب الليبي.
وسبق أن التقى مسؤولون أميركيون حفتر في بنغازي، لمناقشة ملف فاغنر في ليبيا، من بينهم مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، في إبريل/ نيسان الماضي، التي قالت إنها تحدثت مع حفتر "حول الحاجة الملحة لمنع الجهات الخارجية، بما في ذلك مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين، من زيادة زعزعة استقرار ليبيا أو جيرانها، بما في ذلك السودان"، وفقاً لتغريدة نشرتها السفارة الأميركية لدى ليبيا.
والثلاثاء الماضي، أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إلى عزم واشنطن على اتخاذ تدابير ضد نشاط فاغنر في أفريقيا، وقال، في مؤتمر صحافي، إن "الولايات المتحدة ستتخذ تدابير إضافية ضد مجموعة فاغنر، بسبب قيامها بأنشطة تدميرية في أفريقيا، حسب وكالة "فرانس برس".