ربطت دراسة سويدية أخيراً بين تشدد خطاب الطبقة السياسية ونمو آفة التطرف القومي. وفي الإطار الأوسع، شكّلت سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرصة لفهم ذلك الترابط الممتد للقارة الأوروبية.
صحيح أن القارة مشغولة اليوم بجائحة كورونا، لكن في كواليس العمل الاستخباري، تتزايد المخاوف والتحذيرات من خطر "الإرهاب الأبيض"، بينما يشغل خطاب ساسة الشعبوية الانتهازي بـ"الإسلاموية".
وإذا كان البعض يتنبه، كما في استوكهولم وكوبنهاغن وبرلين، لنشوء مناخات مواتية للجماعات الفاشية والنازية الجديدة، بفضل ركوب ساسة تقليديين لموجات التطرف الشعبوي، فإن المشهد الفرنسي يتجاوز بدرجات الترامبية الأميركية.
فالمرشح الرئاسي، إريك زيمور، يذهب نحو ما هو أبعد من فخ التطرف الخطابي للرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، لاستقطاب الناخبين. والخط البياني للتشدد أوضح من الطبطبة عليه، سواء عند زيمور أو غيره.
فإلى جانب التحريض على ملايين المواطنين من أصول مهاجرة، وبشكل خاص جزائريين ومغاربة، بات التنافس أيضاً على استهداف من يثير أسئلة حول النتائج الخطرة لتطبيع الخطاب الفاشي المقنع. يطاول ذلك حتى الأكاديميين والصحافة، وأصحاب القراءات الوسطية لواقع فرنسا المأزوم.
وباسم مكافحة "اليسار الإسلامي"، أسس خطاب التحريض في الأعوام الأخيرة، لحالة ترهيب تحت سقف خطاب قومي أحادي، وبما يتجاوز سجال قصور سياسات الدمج، ومنع تشكل مجتمعات هجرة موازية للمجتمع الفرنسي.
عملياً، فإن استعانة مرشح رئاسي فرنسي بخطاب كراهية يقوم على "استرداد فرنسا" و"تغيير التاريخ"، يعني أن بلد "الحرية، المساواة، الإخاء" يُؤخذ نحو صدام هوياتي قاتل.
وفي ظلّ انفلات الخطاب الفاشي في القارة الأوروبية، تكبر خشية أجهزة الاستخبارات والمتخصصين من نمو "الإرهاب الأبيض". وبتوسّعه اليوم نحو فرنسا، من خلال شعار "استرداد" البلد، كما في مانيفست مرتكبي العمليات الإرهابية، من النرويج إلى ألمانيا وبريطانيا فكندا ونيوزيلندا، تصبح هناك ضرورة لمراجعة جدية وعميقة للنظرية السخيفة حول المسلمين و"الاستبدال العظيم"، التي لا تصمد بالوقائع والنسب المئوية.
وفي نهاية المطاف، فإن ظهور شريط فيديو لشابين فرنسيين يهددان بقتل من صوّبت عليهم الانتهازية السياسية؛ أكاديميين ومهاجرين، ليس سوى رأس جبل الجليد في ما خلقته الشعبوية الأوروبية عبر تسويق المواطنين غير البيض باعتبارهم "غزاة ومحتلين".
ربما يحتاج الأوروبيون لتذكّر أجواء بدايات تشكل الفاشية والنازية في ثلاثينيات القرن الماضي، لإدراك المنحى الكارثي لسنوات خطاب التطرف، ونتائج هذا الخطاب غير السارة مستقبلاً.