علمت "العربي الجديد"، أن أوامر صدرت لوسائل الإعلام في مصر، بعدم تناول موضوع إدراج مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه مع السودان، ضمن الحدود المصرية في خريطة صادرة عن الاتحاد الأفريقي، ومقرّه أديس أبابا. وقالت مصادر متعددة في مواقع وصحف مصرية، إن أوامر صدرت من أجهزة سيادية، بعدم التطرق إلى قصة اعتماد الاتحاد الأفريقي خريطة مصر بعد ضمّ مثلث حلايب وشلاتين. وفسّر مصدر دبلوماسي مصري الخطوة بأنها رغبة من القاهرة بعدم التصعيد مع الخرطوم، في الوقت الذي تشهد العلاقات بينهما أجواء إيجابية، لا سيما مع دعم مصر للسودان في أزمته مع إثيوبيا بسبب النزاع الحدودي بينهما، ومحاولة لكسب دعم الخرطوم في قضية سدّ النهضة الإثيوبي. في المقابل، قال مصدر، لـ"العربي الجديد"، إن إثارة مسألة الخريطة قد تعود إلى محاولة من جانب إثيوبيا لاستفزاز السودان.
ووجّه الاتحاد الأفريقي جميع مكاتبه وإداراته باعتماد الخريطة الرسمية لجمهورية مصر العربية، والتي تشمل مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد. ورداً على ذلك، أعلن رئيس المفوضية القومية للحدود في السودان، معاذ تنقو، يوم الخميس الماضي، عن احتجاج بلاده رسمياً، ضد مفوضية الاتحاد الأفريقي، باعتمادها هذه الخريطة. وقال تنقو، في تصريحات صحافية، إنه تسلّم مذكرات احتجاج من جهات في الداخل، من بينها وزارة الخارجية، للدفع بها عبر القنوات الرسمية للاتحاد الأفريقي، موضحاً أن الاحتجاج "سيطالب بمحاكمة المسؤول الأفريقي الذي عدّل في حدود السودان". وقال إن "موقف الاتحاد يعتبر انحيازاً غير مقبول، وسيكون له تأثيرات سلبية على علاقات السودان مع الاتحاد الأفريقي".
وشدّد تنقو على "رفض السودان لأي خرائط يصدرها الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة"، مضيفاً أن "تلك المؤسسات لا تملك الحق بتعديل حدود الدول، فقط تتبنى الحدود حسب ما هو موجود في الملفات". وأوضح أن وزارة الخارجية السودانية، "ستبلغ الاتحاد الأفريقي عن موقف السودان من الخطوة التي قام بها من دون وجه حق"، لافتاً إلى أن المفوضية القومية للحدود، أعدت المعلومات المهمة في قضية الحدود إلى جانب توضيح "خطورة السلوك الذي وقع من الاتحاد الأفريقي".
أكد مصدر أن إثارة مسألة الخريطة قد تعود إلى محاولة إثيوبيا استفزاز السودان
وتعليقاً على خطوة الاتحاد الأفريقي، قلّل أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، من قيمة الخريطة القانونية، موضحاً أن هناك ثلاثة شروط لكي يُعتد بالخرائط في القانون الدولي وأمام الجهات القضائية الدولية أو لجان تقصي الحقائق، وهي أن تكون بمقياس رسم كبير، وأن تكون صادرة عن مؤسسة حكومية في الدولة، وأن تكون واضحة، وليس بها أي غموض أو ضبابية.
وأوضح سلامة أنه "عندما يكون هناك نزاع بين الدول على الحدود وسيادة الدول على أقاليم أو على تعيين الحدود بينها، لا تكون الخريطة وحدها هي التي يٌعتد بها كدليل ثبوتي ذي حجة قانونية بتحديد سيادة الدولة". في المقابل، فإنه "يُعتد بها وحدها"، وفق شرحه، "عندما لا يكون هناك أدلة أخرى ثبوتية مثل الشعب الموجود في الجزء المتنازع عليه، والسلوك الفعلي للدولة في ممارسة مظاهر السيادة في هذا الجزء، والمتمثل في التشريعات التي تسري على هذا الجزء، والإدارات المحلية، واستخراج شهادات الوفاة والملكية والحيازات، بشرط أن تكون مظاهر هذه السيادة ممتدة لفترة طويلة من الزمن، ومستقرة وهادئة وغير متنازع عليها".
ولفت سلامة إلى أن السودان يداوم على الاحتجاج رسمياً أمام مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة، حتى يؤكد أمام المنظمة على موقفه الرسمي الزاعم بأيلولة المثلث للسودان. وأضاف الخبير القانوني أن السودان يؤكد أن المعاهدة الدولية التي أبرمتها بريطانيا مع مصر في العام 1899، هي المعاهدة الدولية الوحيدة التي عيّنت حدود السودان، وهي التي جعلت خطّ العرض 22 هو خط الحدود الدولية السياسية المستقيم حتى البحر الأحمر، وأنه لا يجوز تعديل أو مراجعة المعاهدات الدولية للحدود بمجرد قرار إداري لاحق على المعاهدة الدولية، فأي تعديل للمعاهدات الدولية إما يلحق في بروتوكول منفصل لاحق معدل للمعاهدة المبرمة، أو في ملحق يضم للمعاهدة الدولية ذاتها.
وكانت مصادر مصرية، قد كشفت، قبل شهور، عن مشاورات جرت بين الجانبين المصري والسوداني، حول ملف مثلث منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين البلدين، قائلة إن الخرطوم حصلت على وعد مصري بفتح نقاش جاد بين البلدين حول هذا الملف في الفترة القريبة المقبلة، بما قد يسفر عن اتفاق يحمل مكاسب كبيرة للخرطوم. وذكر مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة باتت تحارب في هذا الملف على أكثر من جبهة، فبدلاً من توحيد الجهود نحو أديس أبابا، فإنها تقاتل على جبهة أخرى لضمان بقاء السودان معها في الخندق ذاته". وأضاف المصدر أن "رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يتمتع بذكاء كبير، فهو يحاول تضييق الخناق على القاهرة من ناحية، ومن ناحية أخرى يسعى لتشتيت جهود صانع القرار المصري، لإطالة أمد الأزمة لأطول فترة ممكنة حتى يكون تشغيل السد بنسبة 100 في المائة أمراً واقعاً".
فتح الملف أخيراً بين جهات عليا مصرية وسودانية، قد يسفر عن إجراءات لصالح الخرطوم
من جهته، توقع مصدر دبلوماسي سوداني بارز، أن تشهد الفترة المقبلة تطوراً هو الأول من نوعه في ما يخص مسألة النزاع حول منطقة حلايب وشلاتين، مؤكداً أن فتح الملف أخيراً بين جهات عليا مصرية وسودانية، شمل رؤى قد تُسفر عن إجراءات على الأرض لصالح الخرطوم، في ظلّ تجاوب مصري، أرجعه المصدر إلى المحاولات المصرية للإبقاء على الموقف السوداني إلى جوارها في أزمة السد. وأوضح المصدر أن هناك صراعاً كبيراً داخل المشهد السوداني بين المكونات العسكرية والمدنية لمنظومة الحكم الحالية، ويسعى كلا الطرفين للبحث عن أوراق ضغط تمكنه من الحصول على الدعم المطلق للشارع في مواجهة الطرف الآخر، لذلك برزت مجموعة من الملفات في الوقت الحالي، يرى فيها كلا الطرفين طوق نجاة بالنسبة له، وفي مقدمة هذه الملفات ملف حلايب وشلاتين.