زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة، التي بدأها أمس الإثنين، على أن يترأس مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اجتماعات الدورة السابعة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية اليوم الثلاثاء، تتخطى مجرد تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما وقد تعمقت خلال الأزمات في السنوات الماضية. وتأتي الزيارة في ظل مصالحات وترتيب للعلاقات وإغلاق ملفات عالقة بين أطراف مختلفة.
وأكد أردوغان أمس أن العلاقات الثنائية بين بلاده وقطر ستتواصل بزخم أكبر في المرحلة المقبلة، مضيفاً: "إلى جانب قطر نعمل على تطوير علاقاتنا مع دول الخليج الأخرى كافة". وفي تصريحات له من مطار أتاتورك في إسطنبول قبيل توجهه إلى الدوحة، أعلن أردوغان أن أنقرة تعمل على تطوير علاقاتها مع دول الخليج العربي كافة، مرحباً بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى إعادة فتح أبواب الحوار في الخليج وإزالة سوء الفهم. وأضاف: "نؤيد استمرار روابطنا وتضامننا مع جميع دول الخليج من خلال تقوية العلاقات المستقبلية".
ولفت أردوغان إلى أن الدوحة وأنقرة حافظتا على مواقفهما القوية أمام التحديات الإقليمية التي واجهتهما في السنوات الأخيرة، وعززتا شراكتهما على أساس الربح المتبادل في العديد من المجالات من الاقتصاد إلى الدفاع ومن التجارة إلى الاستثمار.
أردوغان: الدوحة وأنقرة حافظتا على مواقفهما القوية أمام التحديات الإقليمية التي واجهتهما في السنوات الأخيرة
وتطرق إلى حجم التعاون الاقتصادي التركي القطري، لافتاً إلى أن حجم المشاريع التي ينفذها رجال الأعمال الأتراك في قطر يبلغ نحو 15 مليار دولار. وأردف: "في إطار آلية اللجنة الاستراتيجية العليا، وقّعنا حتى الآن 69 وثيقة سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية مع قطر، ونقلنا بفضل هذه الاتفاقيات تعاوننا إلى مراحل متقدمة". ولفت إلى أنه يعتزم زيارة قيادة القوات التركية القطرية المشتركة.
وتعليقاً على كلام أردوغان، رأى الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "يُفهم من الكلام أن الرئيس التركي سيحاول إزالة سوء الفهم في العلاقات التي حصلت سابقاً مع بعض الدول العربية، وأظن أنه يقصد السعودية، لإعادة ترتيب التموضعات الخارجية، خصوصا بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جدة، لتبدأ أنقرة بالتحرك لتعزيز وجودها في المنطقة"، لافتاً إلى أن "تركيا تحتاج الى شراكات حقيقية مع اشقائها في دول الخليج العربي كلها، وهي وضعت محوراً أساسياً في سياستها الخارجية للعمل عليه، وهو التعاون والشراكة مع دول الخليج العربي"
وأشار رضوان أوغلو إلى أن "قطر وتركيا شريكان استراتيجيان واقتصاديان هامان، ولذلك سيكون هناك توازن وتوافق في كثير من العلاقات بين الطرفين في القراءات الإقليمية على أقل تقدير". وأضاف أن "هذا لا يمنع أن يكون أيضاً لدى تركيا شراكات قوية أخرى، مثل العلاقة مع دولة الإمارات، وأظن أنه سيكون هناك أيضاً شراكات قوية لتركيا مع دول المنطقة".
من جهته، قال الباحث في الشؤون التركية والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة أردوغان الحالية تختلف عن سابقاتها التي قام بها خلال السنوات الماضية إلى قطر، لأنها تأتي في ظل مصالحات تشهدها المنطقة وخصوصاً البلدان العربية، معتبراً أن "تسارع الأحداث السياسية في المنطقة يأتي ضمن الجهود الدولية لإنهاء بؤر التوتر على صعيد المنطقة".
ورأى أن اللقاء الذي سيجمع أردوغان مع أمير قطر "له دلالة مهمة، لا سيما وسط زخم الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة، وستشكل الزيارة مقياساً للتطورات المتسارعة على الساحة الخليجية (سياسياً وأمنياً) وانعكاساتها على علاقات تركيا مع تلك الدول في المنظور القريب".
ويترأس أردوغان مع أمير قطر، اليوم الثلاثاء، اجتماعات الدورة السابعة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية، لدعم وتطوير العلاقات بين الدوحة وأنقرة، علماً أن الدوحة استضافت أمس أعمال الاجتماع الوزاري التحضيري للدورة والتي ترأسها عن الجانب القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، فيما ترأس اللقاء عن الجانب التركي وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو.
وقال وزير الخارجية القطري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع جاووش أوغلو: "العلاقة بين تركيا وقطر شراكة استراتيجية واستثنائية وتشهد تطورا في كافة المجالات". وأشار إلى أن القمة بين الرئيس التركي وأمير قطر، ستتناول القضية الفلسطينية والتطورات في سورية والملف الأفغاني. وتعليقاً على وضع الاقتصاد التركي، قال الوزير القطري: "لدينا ثقة في الاقتصاد التركي وهو قائم على أسس متينة". وأضاف: "قطر لديها استثمارات ضخمة في تركيا وقد بدأت هذه الاستثمارات تؤتي نتائج إيجابية".
ولفت الوزير القطري إلى أن تزامن زيارتي أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الدوحة، "تصادف في الجدول الزمني"، وذلك بعدما ذكرت وسائل إعلام ومنها "رويترز"، أن مناقشات جرت لترتيب اجتماع بين أردوغان وبن سلمان في قطر، علماً أن الرئيس التركي من المقرر أن يغادر الدوحة قبل وصول ولي العهد السعودي يوم الأربعاء.
وزير الخارجية القطري: العلاقة بين تركيا وقطر شراكة استراتيجية واستثنائية وتشهد تطورا في كافة المجالات
من جهته، أشار جاووش أوغلو إلى أن بلاده تتمتع بعلاقات استثنائية ومتميزة مع قطر. وأفاد بأنهم راجعوا خلال الاجتماع التحضيري على مستوى وزراء الخارجية، أمس، الوثائق المعدة للتوقيع بين البلدين، وتابعوا تنفيذ الاتفاقيات المبرمة سابقا. وأكد تعزز التعاون بين تركيا وقطر في مجالات مثل الدفاع والاقتصاد والتعليم والثقافة والصحة، مشيرا إلى أن البلدين متفقان حول القضايا الإقليمية.
وتعليقاً على ذلك، قال عضو مجلس الشورى القطري أحمد المهندي، لـ"العربي الجديد"، إن العلاقة القطرية التركية تتميز بأنها علاقة شراكة وتعاون في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن الاتفاقيات الجديدة التي سيجري توقيعها خلال زيارة أردوغان واجتماع اللجنة القطرية التركية الاستراتيجية العليا، ستنعكس إيجابياً على مصالح البلدين واقتصادهما، وتعزز أواصر العلاقات بين البلدين. ولفت إلى أن هناك تعاوناً كبيراً في قطاعات عديدة بين الشركات القطرية والتركية خصوصاً في المجالات التكنولوجية وفي صناعة الأدوية. وأشار المهندي إلى مواقف تركيا المساندة لدولة قطر وللقضايا العربية، قائلا إن هذه العلاقة المتميزة تخدم رؤية قطر ومصالحها كما تخدم مصالح تركيا.
من جهته، وصف الكاتب والإعلامي القطري عيسى آل إسحاق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، علاقات الدوحة وأنقرة بأنها وطيدة، قائلاً إن لتركيا مكانة خاصة عند الشعب القطري، الذي لا ينسى مساندتها لقطر خلال الأزمة الخليجية، والحصار الذي فرض على قطر، قبل المصالحة الخليجية، مضيفاً أن أحد أسباب العلاقة المتميزة بين البلدين تعود للقبول الشعبي الذي تحظى به أنقرة في الشارع القطري. ولا يرى آل إسحاق، أن التوجّه التركي لتعزيز العلاقة مع دول الخليج الأخرى سيؤثر على العلاقة المتميزة مع قطر، لاعتبارات كثيرة، منها توافق المواقف السياسية القطرية التركية في معظم الملفات والأزمات في المنطقة، إضافة إلى تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين في جميع المجالات.
يُذكر أن اللجنة الاستراتيجية المشتركة بين قطر وتركيا، تأسست عام 2014، وتجتمع على أعلى مستوى بشكل سنوي وبالتناوب بين عاصمتي البلدين، وهي آلية للتشاور حول العلاقات بين البلدين، وتعكس التزامهما بتعزيز علاقات التعاون والتنسيق. وعُقدت القمة الأولى للجنة في الدوحة في ديسمبر/كانون الأول 2015، لتجتمع منذ تأسيسها ست مرات، أسفرت عن إبرام 68 اتفاقية متنوعة (ستصبح 80 بعد توقيع الاتفاقات الـ12 الجديدة)، وأسهمت بتعزيز التبادل التجاري والشراكات على المستويات الاقتصادية والمالية والتجارية والتعليمية والزراعية والتكنولوجية والدفاعية، فضلا عن التسهيلات التي رافقت ذلك لمواطني الدولتين كتخفيف القيود على الاستثمارات والإعفاء المشترك من تأشيرات السفر.