رُفعت جلسة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي العادية، المنعقدة صباح اليوم الثلاثاء، بعد انسحاب الوزيرين اللذين حضرا من الحكومة عقب إصرار النواب على مناقشة قانون إسقاط القروض، وسط احتجاج نيابي على انسحابهما، ما دشّن رسمياً بداية الشرخ في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد فترة الوئام التي عاشاها معاً منذ الانتخابات التي أُجريت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي.
ورفع رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون الجلسة بعدما انسحب الوزيران، قائلاً: "الحكومة انسحبت من الجلسة، وهذا خطأ، ووفقاً للسوابق فإن الجلسة تؤجل إلى الغد".
وكان ينتظر جلسة البرلمان جدول أعمال ساخن، فإلى جانب مناقشة قانون شراء قروض المواطنين لدى البنوك، وإسقاط الفوائد مقابل استقطاع بدل غلاء المعيشة، كان من المقرّر أيضاً مناقشة قانون زيادة المعاشات التقاعدية، ومناقشة إنشاء "المفوضية العليا للانتخابات"، وتعديل قانون النظام الانتخابي وفق "القوائم النسبية"، والتي لم تتوافق عليها بعد الحكومة مع البرلمان.
يُذكر أن رئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف عقد اجتماعاً تنسيقياً مع النواب، الثلاثاء الماضي، وبرفقته 5 وزراء، بهدف التنسيق حول القوانين المُتفق عليها من قِبل الطرفين، لإقرارها في المرحلة المقبلة كأولويات على سواها، وتقريب وجهات النظر حول القوانين المختلف بشأنها.
كما أخطرت الحكومة النوّاب خلال الاجتماع بأنها تضع فيتو على قانون شراء القروض، بعدما فوجئت باستعجال إدراجه على جدول أعمال الجلسة السابقة، وطلبت تأجيله لمدة أسبوعين بناءً على المادة 76 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
وافُتتحت الجلسة عند التاسعة صباحاً بحضور 49 نائباً من أصل 50، فيما حضر من الحكومة وزيران فقط، هما نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط بدر الملا، ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة ووزير الدولة لشؤون الإسكان والتطوير العمراني عمّار العجمي، وبدا لافتاً الحضور الكبير من المواطنين إلى قاعة البرلمان.
وانتقد النواب في بداية الجلسة غياب الحكومة، واقتصار تمثيلها على وزيرين فقط، معبّرين عن خيبة أملهم ممّا اعتبروه تجاهلاً من قِبلها للقوانين الشعبية، ورفضهم لهذا النهج الحكومي في التعاطي مع الاختلافات حول الأولويات مع البرلمان.
وقال نائب رئيس مجلس الأمة محمد المطير، في مداخلة له خلال الجلسة، إنه "كان يفترض على الحكومة الحضور بكامل تمثيلها، وتفنيد موقفها، والمناقشة بمهنية ودستورية، لكن حضورها بوزيرين غير مقبول، ويجب احترام البرلمان"، داعياً الوزيرين الملا والعجمي إلى تقديم استقالتيهما.
بدوره، اعتبر ممثل "تجمع العدالة والسلام" (الشيعي) النائب صالح عاشور، أن "عدم حضور الحكومة دليل واضح على اعتراضها على القوانين التي تهم المواطنين".
أمّا النائب مهلهل المضف، فرأى أن "الحكومة التي لا تواجه، لا تستحق البقاء، ولا يجوز هذا التعامل الحكومي مع المجلس"، قائلاً: "أسجّل اعتراضي على سلوكها في التعامل مع جلسة اليوم، والاستمرار في هذا النهج الخطير".
بدوره، لفت ممثل "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس)، وهي الجناح السياسي لـ"الإخوان المسلمين" في الكويت، النائب أسامة الشاهين، إلى كون "عدم وجود بقية أعضاء الحكومة باستثناء وزيرين منتخبين رسالة سيئة"، فيما أشار النائب حمدان العازمي إلى استخدام الحكومة "تكتيكاً جديداً" للانسحاب من الجلسة، وذلك من خلال حضورها بوزيرين فقط، "اعتراضاً على قانون إسقاط القروض"، داعياً النواب إلى اتخاذ موقف جماعي.
أمّا النائب السلفي المستقل عادل الدمخي، فوجّه رسالة إلى الحكومة للتعامل مع الاختلافات في مجلس الأمة، قائلاً: "عندما تختلف تأتي إلى القاعة وتطرح وجهة نظرك، ونحتكم إلى مجلس الشعب، أما التعامل على طريقة إما تمشون على طريقتنا أو ننسحب، فلم أكن أتوقعه".
وطلب الوزير عمّار العجمي من مجلس الأمة، عند البدء في مناقشة قانون إسقاط القروض، بعدما تلا بياناً يُعبّر عن وجهة نظر مجلس الوزراء، إعادة القانون إلى اللجان البرلمانية، وذلك لمناقشته مع الحكومة والتوافق بشأنه، خصوصاً أنه يتعلق بـ"أعباء مالية"، ما يمكّنها، ممثلةً بالوزراء المختصين، من تدارس الاقتراحات النيابية، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ما أدى إلى انسحابه والوزير بدر الملا من قاعة البرلمان، ورفع الجلسة.
بيان نيابي مشترك: سلوك الحكومة غير دستوري
ولاحقاً، أصدر 44 نائباً، يتصدرهم رئيس البرلمان أحمد السعدون، بياناً، أعلنوا فيه رفضهم "انسحاب الحكومة غير المبرّر" من جلسة اليوم، وتعاملهم "مع هذا السلوك غير الدستوري" وفقاً لصلاحياتهم الدستورية.
وأشار البيان إلى عودة "الحكومة لممارسات سابقاتها من الحكومات المتعاقبة في تعطيل أعمال السلطة التشريعية، عبر الانسحاب غير المبرر من جلسة 10 يناير/كانون الثاني، وعدم احترام جدول جلسة اليوم التي نصّ عليها الدستور واللائحة".
ولفت إلى أنه "نظراً لهذا السلوك غير المقبول، فإننا نؤكد رفضنا القاطع لما قامت به الحكومة، وسنتعامل مع هذا السلوك غير الدستوري وفقاً لصلاحياتنا الدستورية"، وأكّد "لعموم الشعب الكويتي تمسكنا بالدفاع عن حقوقه بكل الوسائل الدستورية المتاحة، والتي يضمن احترامها تحقيق المصلحة العامة للوطن والشعب".
على صعيد متصل، أعلن النائب مبارك هيف الحجرف، في تغريدة عبر حسابه في "تويتر"، تقديمه استجواباً إلى وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار عبد الوهاب الرشيد، قائلاً: "حماية أموال أهل الكويت خط أحمر لا يقبل المساومات والتفاهمات، وعليه فإني تقدمت باستجواب لوزير المالية من 7 محاور، والحكم للمجلس والشعب".
حماية أموال أهل الكويت خط أحمر لا يقبل المساومات و التفاهمات و عليه فإنني تقدمت باستجواب لوزير المالية من ٧ محاور و الحكم للمجلس و الشعب .
— مبارك هيف الحجرف (@MHALHAJARAF) January 10, 2023
وأعلن السعدون عن تسلّمه استجواب الحجرف وإدراجه في أول جلسة عادية مقبلة.
ولطالما عاشت الكويت أجواء مشابهة تبدأ بالاستقرار عند تكليف رئيس جديد للحكومة، مثلما حدث عند تكليف الشيخ جابر المبارك عام 2012، ثم الشيخ صباح الخالد عام 2019، قبل أن تدبّ خلافات عميقة تسبّبت برحيلهما من الحكم، وذلك بسبب الاختلاف الجذري في الرؤى السياسية عند الطرفين.
كما كان من المتوقع أن تشهد بدايات العام الجديد عودة الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خصوصاً أن مناقشة البرلمان لقوانين تعهدت المعارضة خلال حملاتها الانتخابية بإقرارها، لكنّها لا تلقَى القبول الكافي من الحكومة، تؤدي إلى التهديد المباشر للعلاقة بين السلطتين، مثل قانون بسط سلطة القضاء على مسائل الجنسية، أو تعديل قانون النظام الانتخابي وفق القوائم النسبية، أو إلغاء قانون منع المسيء من الترشح للانتخابات.