أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا تسببت في أكبر موجة لجوء في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وتشير التقارير إلى اضطرار أكثر من 7 ملايين أوكراني لمغادرة بلادهم إلى بلدان الجوار.
وفي مواجهة الاتهامات لروسيا بالتسبب في أزمة إنسانية، تؤكد بيانات وزارة الدفاع الروسية أنها استقبلت قرابة مليوني لاجئ من أوكرانيا، وتتهم موسكو المنظمات الدولية بالتقصير في مساعدة اللاجئين الأوكرانيين في داخل روسيا.
عدد اللاجئين الأوكرانيين إلى روسيا يتراجع
وبحسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في نهاية مايو/أيار الماضي، غادر أكثر من 1,1 مليون شخص أوكرانيا إلى روسيا ونحو 17 ألف شخص إلى بيلاروسيا، منذ 24 فبراير/شباط الماضي، تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا توجد أرقام عن عدد العائدين إلى أوكرانيا من هذين البلدين.
غادر أكثر من 1,1 مليون شخص أوكرانيا إلى روسيا ونحو 17 ألف شخص إلى بيلاروسيا، منذ بدء الغزو
وفي إحصاءات تنسف رواية البروباغاندا الروسية، كشفت بيانات رسمية أن عدد اللاجئين في روسيا تراجع قرابة 30 في المائة حتى بداية إبريل/نيسان الماضي، مقارنة بذات اليوم من العام الماضي.
وأشار تقرير صادر عن "لجنة المساعدة المدنية"، وهي المنظمة الأهلية الروسية المعنية بمساعدة اللاجئين والمهاجرين، أخيراً، إلى أنه على الرغم من تصريحات المسؤولين الروس عن مئات آلاف اللاجئين من أوكرانيا، فإن تقرير هيئة الإحصاء الروسية الرسمية "روسستات" أوضح أن شخصين فقط حصلا على صفة لاجئ في روسيا في الربع الأول من العام الحالي، استناداً إلى بيانات وزارة الداخلية الروسية، وأن عدد اللاجئين الإجمالي في روسيا انخفض إلى 304 لاجئين من نحو 431 لاجئاً رسمياً في بداية إبريل/ نيسان 2021.
وذكرت "لجنة المساعدة المدنية" نقلاً عن بيانات وزارة الداخلية الروسية، أن 27 أوكرانياً فقط يحملون صفة لاجئ، مقارنة بـ67 شخصاً في العام الماضي، بينما لم يتم منح أي سوري حق اللجوء وظل العدد ثابتاً منذ سنوات عند سوريين اثنين فقط.
وجاء ذلك على الرغم من مسؤولية روسيا في الحالتين الأوكرانية والسورية عن تشريد ملايين المواطنين من البلدين نتيجة العملية العسكرية في سورية في عام 2015، وغزو أوكرانيا في فبراير الماضي.
روسيا... حق اللجوء في مستوياته الدنيا
وبحسب تقرير "لجنة المساعدة المدنية"، فإن عدد الحاصلين على حقّ اللجوء في روسيا في الربع الأول من العام الحالي هو الأدنى تاريخياً.
وأكدت اللجنة أن عدد من لديهم الحق في الحصول على صفة لاجئ في روسيا يقدر بعشرات الآلاف، ورأى معدو التقرير أنه "لا توجد سياسة حكومية من أجل استقبال اللاجئين، على الرغم من أن الصراع في سورية لا يزال مفتوحاً، وسيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، وكذلك الاضطهاد السياسي في بيلاروسيا، فضلاً عن مئات آلاف الأوكرانيين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم نحو روسيا".
وتنص القوانين الروسية على منح طالبي اللجوء "لجوءاً مؤقتاً" لمدة عام واحد فقط، ويُسمح لهم بالإقامة والعمل ومنحة مالية قدرها نحو دولارين شهرياً. ويحق للحاصلين على "اللجوء المؤقت" التقدم بطلب من أجل الحصول على اللجوء الدائم، وهي طلبات ترفض في معظم الحالات.
وعلى الرغم من أن القوات الروسية بدأت بإجلاء المدنيين الأوكرانيين من إقليمي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليين في شرقي أوكرانيا قبل بداية الحرب بأيام، وتأكيد مدير المركز الوطني لإدارة شؤون الدفاع في وزارة الدفاع الروسية، الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، الأسبوع الماضي، أن روسيا استقبلت 1.936 مليون أوكراني، بينهم 307 آلاف طفل، إلا أن عدد الحاصلين على صفة اللجوء المؤقت في الربع الاول من العام الحالي في روسيا لم يتجاوز قرابة 13 ألفاً، معظمهم من الأوكرانيين.
يتم توزيع الأوكرانيين من أصول روسية إلى مناطق بعيدة في شمال وشرق روسيا
واللافت أن الجنرال ميزينتسيف، الخاضع للعقوبات الغربية، يُتهم على نطاق واسع في التقارير الغربية بأنه المسؤول عن خطط تدمير مدينتي حلب السورية وماريوبول الأوكرانية ونزوح سكانهما، وقد عُيّن رئيساً للمركز الروسي السوري لإعادة اللاجئين، ويصدر بيانات دورية عن المساعدات الإنسانية لسكان البلدين بعدما حوّلها جيشه إلى مناطق غير صالحة للعيش.
وأوضح تقرير "لجنة المساعدة المدنية"، أن قلة عدد طالبي اللجوء من أوكرانيا ربما تعود إلى أسباب عدة، أهمها أن قسماً من القادمين من لوغانسك ودونيتسك حصلوا فعلياً على جوازات سفر روسية خلال السنوات الماضية بعد التسهيلات التي قدمها مرسوم رئاسي روسي في عام 2019، أو تقدموا بطلبات للحصول على جوازات روسية.
وفي مقابل تراجع حالات اللجوء، يسجل التقرير زيادة كبيرة في الحصول على الجنسية الروسية. وذكر التقرير أن إحصاءات وزارة الداخلية تشير إلى ارتفاع عدد الحاصلين على الجنسية الروسية في 2021 إلى أكثر من 735 ألفاً، بزيادة قدرها نحو 80 ألفاً مقارنة بعام 2020. وبحسب البيانات، فإن أكثر من نصف الحاصلين على الجنسية الروسية في العام الأخير هم من الأوكرانيين.
وفي حين يتحدث المسؤولون الروس عن عمليات مساعدة الأوكرانيين من مناطق الصراع في جنوب وشرق أوكرانيا إلى مناطق آمنة في روسيا، اتهمت أوكرانيا روسيا بعدم السماح لهؤلاء الأشخاص بالفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية في كييف. وصرّح أكثر من مسؤول أوكراني بأن روسيا ترحل بالقوة المواطنين الأوكرانيين إلى أراضيها.
ترحيل بالقوة للاجئين الأوكرانيين
وكشفت تقارير إعلامية عن محاولات كثير من الأوكرانيين الهروب إلى دولة ثالثة. وذكر تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية في 12 يونيو/حزيران الحالي أن قرابة 20 ألف أوكراني قصدوا جورجيا، مرّ معظمهم بمعسكرات "التصفية" الروسية، وقرروا الرحيل عن روسيا.
ونقلت الصحيفة شهادات مروعة عن طريقة التحقيق وتفتيش الأجساد للبحث عن وشوم، واعتقال بعض الشباب لاتهامهم بدعم "النازيين الأوكرانيين".
وفي حين تسعى موسكو إلى التأكيد على أنها تعمل مع السلطات المحلية في مختلف المناطق على توفير الرعاية للاجئين الأوكرانيين، ودمجهم، وتوفير مستلزمات الحياة الضرورية، وتعليم الأطفال، انتقدت رئيسة "لجنة المساعدة المدنية" سفيتلانا غانوشكينا، في مؤتمر صحافي في مقر المؤسسة أثناء إحياء يوم اللاجئ، تعامل السلطات الروسية مع اللاجئين عموماً، وأشارت إلى أن جهود دمجهم في المجتمعات المحلية لا تزال قاصرة ومحدودة.
وبشأن الجدل حول اللاجئين الأوكرانيين، والحديث عن إجبارهم على الذهاب إلى روسيا والمرور عبر معسكرات "تصفية" يخضع فيها اللاجئون وخصوصاً الشباب منهم إلى تحقيقات مطولة حول موقفهم، وتفتيش أجسادهم وحاجاتهم للتأكد من أنهم لم يقاتلوا في صفوف الأوكرانيين، قالت غانوشكينا إن "حافلاتنا العسكرية تنقل الأوكرانيين عبر الحدود، وأسوأ مشكلة هي الأشخاص الذين اختفوا على الحدود، والأقارب لا يعرفون مكان وجودهم... أنا أعرف حوالي عشر حالات من هذا القبيل".
27 أوكرانياً فقط يحملون صفة لاجئ في روسيا، منذ بداية العام، بينما لم يتم منح أي سوري حق اللجوء
وأشارت رئيسة "لجنة المساعدة المدنية" إلى أنه "في كثير من الأحيان لا يكون لدى الناس خيار إلى أين يذهبون، لذلك من الصعب وصف هذه الخطوة بأنها طوعية". وخلصت الناشطة في مساعدة اللاجئين، إلى أنه في ظل الحرب "لن يسأل الشخص هل لديك حافلة تسير في طريق مختلف؟ وهرباً من الموت ورغبة في إنقاذ ذاته وأهله، يستقل الشخص حافلة ويتضح أنه نُقل إلى روسيا".
ولا يحق للقادمين من أوكرانيا اختيار المكان الذي يعيشون فيه، وبعد تجميعهم في منطقة روستوف جنوبي روسيا، يُنقلون إلى أماكن أخرى ضمن برنامج حكومي لاستقبال سكان إقليمي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليين في جميع المقاطعات الروسية.
وكما فعلت مع اللاجئين السوريين بعد موجة اللجوء الكبيرة من حلب، عملت وسائل الإعلام الروسية على تشويه سمعة اللاجئين الأوكرانيين إلى أوروبا عبر الحديث عن زيادة عدد العاملات في النوادي الليلية والدعارة، والتشكيك في النوايا الحقيقية لحفاوة الأوروبيين في استقبال ودعم اللاجئين، وحتى التركيز على التمييز في المعاملة بين الأوكرانيين واللاجئين من دول العالم الأخرى.
بعد أربعة أشهر على الغزو الروسي على أوكرانيا، بدا واضحاً أن العمليات العسكرية أجبرت معظم سكان جنوب وشرق أوكرانيا على النزوح عنها. ومن المؤكد أن معظم رافضي الاحتلال الروسي في دونباس وخيرسون وزاباروجيا قصدوا مناطق أكثر أمناً في شمال وغرب أوكرانيا، مع اضطرار قسم منهم إلى اللجوء إلى روسيا عبر الممرات الآمنة إنقاذاً لحياتهم.
في المقابل، فإن معظم الحاصلين على الجنسية الروسية في دونيتسك ولوغانسك، والداعمين للغزو الروسي في المناطق الأخرى، قصدوا روسيا. وعملياً فإن المناطق التي يمكن أن تضمها روسيا في جنوب وشرق أوكرانيا باتت شبه خالية من الأوكرانيين المعارضين للوجود الروسي.
جهود دمج اللاجئين الأوكرانيين في المجتمعات المحلية لا تزال قاصرة ومحدودة
ولكن يبقى السؤال لماذا يتم توزيع الأوكرانيين من أصول روسية والداعمين للجيش الروسي من المناطق القريبة من الحدود مع أوكرانيا، إلى مناطق بعيدة في شمال وشرق روسيا، في تجربة تذكر بما فعله الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين مع الشيشانيين وتتار القرم والألمان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حين نقلهم إلى سيبيريا وكازاخستان وجمهوريات آسيا الوسطى التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي؟
ربما كان الجواب في رغبة السلطات في توفير أياد عاملة رخيصة، وحلّ الأزمة الديمغرافية الخانقة التي تعيشها روسيا منذ عشرات السنين، وأخيراً ربما يرغب الكرملين في تذويب الأوكرانيين في المجتمعات الروسية البعيدة لمحو تجربة العقود الثلاثة الأخيرة التي عاشوا فيها في ظل دولة أخرى عبر الرئيس فلاديمير بوتين عن رأيه في أنه ليس لديها أي فرصة في الحياة بعيداً عن روسيا.