استمع إلى الملخص
- التوتر والقلق يتزايدان في إسرائيل، حيث تفقد مدن مثل حيفا وعكا عوامل الأمان، مما يهدد بالانهيار الاقتصادي، بينما يحاول نتنياهو تحقيق إنجازات ترفع معنوياته دون جدوى.
- الحل للخروج من المتاهة الحالية يكمن في صفقة تبادل تضمن وقف إطلاق النار، حيث يظل الاحتلال مصدر قلق ومعاناة للشعب الإسرائيلي، ويستدعي المقاومة لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية.
ليست المعضلة فحسب أن بنيامين نتنياهو دخل متاهة غير متناهية لم يهتد إلى سبيل للخروج منها، بل في كون المجتمع الإسرائيلي يصدق نتنياهو وهو في متاهته السياسية والميدانية منذ عام عندما يعتقد فعلاً أن توسيع الجبهة إلى لبنان مثلاً يمكن أن يحقق الأمن في الشمال ويعيد المستوطنين إلى المدن المحتلة هناك. إنه يجر كل ذلك المجتمع الذي تشكل في قلق الماضي ويعيش على قلق المستقبل، إلى متاهة طويلة ومتعرجة. الواقع يقول عكس ذلك، والتطورات بعد كل الذي حدث، حتى باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وقيادات مهمة في المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لا تعطي أي مؤشر إلى أن إسرائيل بصدد تحقيق هذا الهدف.
ما هو واضح فعلياً أن عوامل التوتر والقلق واتساع نطاق المواجهة لا توفر أي فرصة لهؤلاء المستوطنين للعودة، بل إن مدن ما بعد الشمال نفسها، حيفا وعكا وبئر السبع، بدأت تفقد تدريجياً عوامل الأمان وقد تتوجه إلى مرحلة العطب الاقتصادي خصوصاً، من ذلك إعلان تسريح نصف عمال ميناء إيلات، وطلب إخلاء مصانع في حيفا. منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يحاول نتنياهو ترتيب الأوضاع على نحو يتيح له تحقيق منجز، أي منجز، يضعه في موقف جيد ويرفع معنوياته ومعنويات المجتمع الإسرائيلي. في كل مرة كان نتنياهو يعلن عن حزمة أهداف، تجرفها سريعاً الوقائع والأحداث، وتنسفها نسقية المقاومة في غزة وفي لبنان، والتي لم توفر له أي فرصة لذلك، وهي معنية بأن تخلط الأوراق وتعزز المتاهات السياسية لنتنياهو وحكومته بمستوياتها السياسية والعسكرية، بحيث لا يتم ترتيب الأوضاع إلا وفق صفقة تبادل تضمن وقف إطلاق النار وتحقيق بعض الشروط التي تفرضها المقاومة.
المتاهة الإسرائيلية الحالية التي يقودها نتنياهو هي جزء من المتاهة الطويلة التي لم يخرج منها المجتمع الإسرائيلي منذ أن تشكل في لحظة سطو على الأرض والتاريخ، لأن الأوضاع القلقة نفسها تتكرر دون انقطاع بالنسبة لإسرائيل، وتتكرر معها الأسئلة التي تطرح نفسها دائماً عن الوجود ومستقبل هذا الكيان ووضعه في المنطقة وطبيعة الصراع. وحتى الفترات التي بدا فيها نوع من الاستقرار بالنسبة لهذا المجتمع، لم تكن في الحقيقة سوى حيز من الهروب أو فاصلة فضلى أنتجها وضع ما، والخلاص من هذه المتاهة، الحالية على الأقل، والمخرج منها واضح وممكن، صفقة تبادل بخطوط جديدة. لا يؤذي الاحتلال الشعوب التي يتسلط عليها ظلماً وعدواناً فحسب، بل إنه - الاحتلال - يؤذي شعبه أساساً ويستجلب له المعاناة والقلق ويسجنه في متاهات قاسية ومكلفة، كما هو حال إسرائيل وقادتها الذين أصابهم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بالعمى عن رؤية الحقائق كما هي. هناك حقيقة تسمى الاحتلال، تحتاج هي الأخرى إلى حقيقة تسمى المقاومة، لإنتاج حقيقة ثالثة وهي استعادة الحق الفلسطيني والعربي.