تسلط الاشتباكات المندلعة في مناطق شرق سورية، الضوء على التركيبة العسكرية المحلية التي اعتمدت عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العام 2017.
وانطلقت شرارة الاشتباكات بعد الصدام بين "قسد" وأحد مكوناتها، المتمثل بـ"مجلس دير الزور العسكري".
وبدأت مليشيا "قسد" في تشكيل "مجالس عسكرية" في المناطق التي انتزعتها من تنظيم "داعش" من المحافظة على مراحل وصولا للعام 2019. وكان "مجلس دير الزور العسكري" من المجالس التي تشكلت قبل ذلك التاريخ. وأشعل تمرد هذا الأخير مواجهات واسعة بين المليشيا ومجمل عشائر الشرق السوري.
وترتبط الغايات الكامنة وراء إيجاد تلك المجالس، ببدايات تشكل الكيانات العسكرية المرتبطة بـ"قسد" نفسها، اعتبارا من العام 2012، أي بعد عام واحد من انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.
ويقول أسامة الشيخ علي، الباحث في مركز عمران للدراسات لـ"العربي الجديد" إن دوافع تشكيل الكيانات العسكرية المرتبطة بقسد كانت ذاتية ومرتبطة بمشروع "حزب العمال الكردستاني" وليست استجابة لحاجة محلية حقيقية، مشيراً إلى أنه "كان لدى الحزب رغبة في السيطرة على مناطق شرق سورية بالتعاون في تلك الفترة مع النظام السوري غير الراغب في حينه بوقوع تلك المناطق الغنية بالنفط والثروات الأخرى، تحت سيطرة المعارضة السورية".
ومع ظهور تنظيم داعش، وتطورات الأحداث بما فيها معركة "كوباني" في العام 2014، حظيت "وحدات حماية الشعب" التي قادت المعارك ضد التنظيم آنذاك، بدعم من التحالف الدولي، والولايات المتحدة، على إثره جرى تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من مجموعة مكونات عرقية ومحلية، كانت تلك الوحدات عمودها الفقري.
وفي هذا الإطار، جرى دمج المجالس العسكرية التي تشكل معظمها بعد العام 2019، في كيان "قسد" الجديد، لكن بعضها كان قائماً بالفعل قبل هذا التاريخ، ولم يكن يتبع لـ"قسد"، ومن تلك المجالس "مجلس دير الزور العسكري" و"مجلس منبج العسكري" اللذان تشكلا عام 2016، وكان لهما دور كبير في المعارك ضد تنظيم "داعش".
ثم تشكلت مجالس أخرى بعد 2019، ووصل عددها الى نحو 16 مجلساً، قبل انخفاض العدد على خلفية خروج بعض المناطق عن سيطرة "قسد" لصالح الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، مثل "مجلس رأس العين العسكري" و"تل أبيض" و"جرابلس".
وأوضح الشيخ علي أن الهيكلية التي أعلنت عنها "ٌقسد" في العام 2019، كانت تنطلق من أساس مناطقي، باستثناء المكون المسيحي الذي انضم تحت اسم "المجلس العسكري السرياني".
ولفت الباحث إلى أنه قبل تشكيل هذه المجالس، كانت هناك ألوية وكتائب من المكون العربي منضوية تحت عباءة "قسد" مثل "قوات الصناديد" من قبيلة شمر و"قوات النخبة" وهي أيضا من قبيلة شمر بقيادة أحمد الجربا، و"لواء ثوار الرقة"، مشيرا إلى أنه يتم باستمرار إعادة تشكيل هذه الألوية والمجالس، دون الوصول لصيغة نهائية حتى الآن.
واعتبر أن جزءا مما يجري حاليا في دير الزور يندرج ضمن إعادة تشكيل مجلس دير الزور العسكري، ليكون أكثر انسجاما مع أهداف "قسد" دون استقلالية كبيرة عنها.
وأرجع الباحث أسباب عدم الاستقرار في تشكيلة هذه المجالس، إلى عدم توصل "قسد" لتفاهمات مع النظام السوري بشأن الاعتراف بهذه المجموعات العسكرية ككيانات مستقلة، لذا جاء تشكيل المجالس العسكرية ليتسنى لاحقا دمجها في جيش النظام ضمن هيكلية مستقلة.
ومن بين الأسباب الأخرى حسب الباحث، تقويض العمليات التركية المجالس العسكرية في بعض المناطق مثل "عفرين" و"تل أبيض" و"رأس العين" بعد خسارة "قسد" لهذه المناطق، إضافة لعدم قبول تركيا الاعتراف بكيان "قسد" نفسها.
كما أن المليشيا لم تتمكن من التوصل إلى تفاهمات مع المعارضة السورية التي لا تعترف حتى الآن بكيان "قسد". وحتى الولايات المتحدة نفسها لا تعترف بـ"قسد" ككيان سياسي، بل تتعامل معها كـ"شريك محلي" في محاربة تنظيم "داعش"، حسب الباحث.
وأضاف الشيخ علي أن هناك مكونات مهمة في المجتمع المحلي لا تعترف بـ"قسد" كممثل للأكراد، مثل "المجلس الوطني الكردي" الذي ينافس لتمثيل الأكراد، فضلا عن عدم وجود شعبية محلية قوية لقسد في المناطق التي تديرها، تحت مظلة "الإدارة الذاتية".
وخلص الشيخ علي إلى أن تشكيل المجالس العسكرية، كان محاولة أميركية لإقامة بنيان عسكري أقرب للجيش النظامي، يمثل جميع المكونات المحلية، بحيث لا يبقى القرار متمركزا بيد "وحدات حماية الشعب" الكردية.
ولفت إلى أن أحد أهم أسباب الحملة اليوم من جانب "قسد" على "مجلس دير الزور العسكري" هو أن الأخير كان يتمتع بقدر من الاستقلالية، خلافا للمجالس في الرقة والحسكة مثلا، وذلك يرجع لنفوذ "قسد" المحدود في دير الزور، إذ لا تشهد المحافظة مثلا مسيرات مؤيدة للمليشيا ولا ترفع صور زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. كما لم تتمكن "قسد" من فرض المناهج الدراسية الخاصة بها في المحافظة.
وتشكل "مجلس دير الزور العسكري" في نهاية العام 2016 بقيادة أحمد الخبيل، المنتمي لعشيرة "البكير"، وهي جزء من عشيرة "العكيدات" إحدى أبزر عشائر الجزيرة وشرق الفرات.
وتنتشر قوات المجلس في أرياف دير الزور على يسار شريط نهر الفرات، وبشكل أكبر في قرى وبلدات ناحيتَي الصور والبصيرة التي يتحدر منها الخبيل.
وتعتمد "قسد" في مناطق أخرى على قبائل عربية كبيرة في تشكيل المجالس العسكرية، من بينها: "الشعيطات"، وهي مكون من العكيدات في دير الزور.
وتقول مصادر إن أبناء عشيرة الشعيطات يلتزمون الحياد في المواجهات الحالية بين "قسد" و"مجلس دير الزور العسكري"، إضافة إلى عشيرة (العفادلة) في الرقة الموالية لقسد.
وتشير الاشتباكات الحاصلة حاليا، إلى أن الغاية التي أرادها التحالف الدولي من تشكيل المجالس العسكرية في مناطق سيطرة قسد، لم تحقق أهدافها المتمثلة في تخفيف سيطرة قسد على تلك المناطق وإعطاء دور أكبر للمكونات المحلية.