باشر المحقق العدلي الجديد، القاضي طارق بيطار، دراسة ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، الذي تسلّمه بعد تنحية القاضي فادي صوان، في ظلّ آمال كبيرة معلَّقة على بيطار لكسر نمطِ المماطلة والتعاطي بجرأة وعدالة ونزاهة مع القضية، وإقفال الباب أمام أي تدخلات.
والتقى بيطار، اليوم الاثنين، وفداً من أهالي ضحايا الانفجار في مكتبه في قصر العدل ببيروت، ووعدهم بالانكباب على متابعة التحقيقات، وأنه لن يدخر جهداً في هذا الشأن، مؤكداً لهم أنّ "كل الحصانات ستسقط أمام التحقيق الشفاف".
وقال المتحدث باسم وفد الأهالي، إبراهيم حطيط، لـ"العربي الجديد"، "لمسنا جدية عند القاضي بيطار لمتابعة الملف من حيث انتهى القاضي فادي صوان، وأكد لنا أنه ذاهب للنهاية في القضية من دون أن يتأثر بأي اعتبارات سياسية أو طائفية أو مذهبية".
وتابع حطيط "نال بيطار وعداً منّا بالوقوف الى جانبه، ودعمه في استدعاء أي شخصية سياسية كبرى، والوقوف بوجهها عندما ترفض المثول أمامه"، مؤكداً أنّ "المحقق العدلي الجديد بدأ بدراسة الملف، وطلب منّا حوالي الأسبوعين، كمهلة قصوى، لدراسة القضية والاطلاع عليها بالكامل، ولم نمانع ذلك، شرط أن تكون متابعته جدية وصارمة ولا استثناءات فيها أو استنسابية".
وأدى انفجار كميات هائلة من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية، في الرابع من أغسطس/ آب، إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف، وتدمير مساحات شاسعة من العاصمة. ولا يزال 25 مسؤولاً إدارياً وأمنياً من الرتب الدنيا إلى المتوسطة، رهن الاحتجاز من دون توجيه اتهامات واضحة لهم، في ظلّ وجود عددٍ من طلبات إخلاء السبيل التي تنتظر ردّ القاضي الجديد.
وتوجد من بينها طلبات جرت الموافقة عليها من النيابة العامة التمييزية، وأعيدت إلى القاضي صوان لاتخاذ القرار المناسب، لكنه في الوقت نفسه، جرى كف يده عن الملف، من أبرزها، إخلاء سبيل رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، (المعفى من مهامه بمرسوم صادر عن رئيس الحكومة)، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف، المدعى عليهما بانفجار مرفأ بيروت، وذلك بناءً على طلب وكيلهما القانوني المحامي صخر الهاشم.
وقال الهاشم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لم يتلقَّ بعد جواب القاضي الجديد على طلب إخلاء السبيل الموافق عليه من جانب النيابة العامة التمييزية، موضحاً أنه علم بإلغاء كل الجلسات التي كانت محددة، منها الجلسة التي كانت محددة لوزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، يوم غد الثلاثاء.
وكان صوان أرجأ استجواب فنيانوس، من الخميس الماضي، إلى الثلاثاء، بعد اعتذار الأخير عن حضور جلسة الاستجواب لعدم تبليغه أصولاً، قبل أن تقرر محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار، نقل ملف التحقيقات من صوان إلى بيطار، بعد قبولها الطلب الذي تقدم به الوزيران السابقان النائبان المدعى عليهما، علي حسن خليل، وغازي زعيتر، بنقل الدعوى للارتياب المشروع، في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
بدوره، قال المحامي جاد طعمة الناشط في الحَراك المدني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القاضي بيطار تسلّم الملف، وسيبدأ قراءته لوضع شخصيّته في القضية، ولو كان القانون، يقول إنّ القاضي يمسك الملف بصورة موضوعية، إنما الاستنسابية معطاة له ليمارس قناعته واستراتيجيته بكشف الحقيقة".
وفقاً لذلك، يلفت، طعمة، إلى أنّه قد تكون وجهة المحقق العدلي الجديد باتباع طريقة لإدارة التحقيق تختلف عن تلك التي اتبعها القاضي فادي صوان، مشيراً إلى أنّ "القاضي بيطار ليس ملزماً بأي قرار اتخذ من قبل خلفه، وله أن يستأنس، ويضع بصماته في القضية، كما يمكن إخلاء سبيل موقوفين في الملف، تم تقديم طلبات تخلية سبيلهم، عملاً بقناعاته ودراسته للموضوع، كما لو أن يرفض الطلبات إذا رأى ضرورة في استمرار التوقيف".
ولفت طعمة إلى أنّ "هناك تحديات كثيرة بانتظار المحقق العدلي الجديد، سواء على صعيد مسألة هوية المدعى عليهم والشخصيات التي سيستجوبها، والأهم موضوع الحصانات، وطريقة مقاربة بيطار له".
وتابع "وبالتالي، في حال توافرت بين يديه معطيات تؤكد مسؤولية وزير سابق يحمل الصفة النيابية حالياً، أو أي صفة أخرى تعطيه حصانة معيّنة، لا بد من أن يسلك الأطر القانونية المعروفة من أجل رفع طلب الحصانة عنهم".
وشدد طعمة على أنّ "القاضي بيطار يعتبر من القضاة الذين ينظر إليهم المجتمع القانوني داخل العدلية باحترام، ونظن أنه لن يخاطر برصيده تحت أي ضغطٍ سياسي ممكن أن يتعرَّض له، والأيام تبقى كفيلة لتبرز شخصيته وتبيّن طريقة مقاربته للملف، والناس تدرك جيداً أنّ جريمة انفجار المرفأ وراءها مسؤولون كبار في الدولة لا موظفون فقط".
وأكد أن "على المحقق العدلي الجديد أن يستفيدَ من تجربة صوان، ويتبع الأصول في موضوع طلب رفع الحصانات، علماً أنّ قرار محكمة التمييز الجزائية، الذي وافق فيه على نقل الدعوى من الأخير إلى قاضٍ جديدٍ للارتياب المشروع، ربط الأمر بالضرر المعنوي والمادي، أيضاً، مما يجعل باب نقل الدعوى واسعا، لسبب وحيد أنّه ما من إنسان لم يتضرّر سواء معنوياً أو مادياً من هول جريمة الرابع من أغسطس (انفجار المرفأ)".