بات المواطن الأفغاني الضحية الأولى للحرب المستعرة في البلاد، خصوصاً منذ بدء انسحاب القوات الدولية في مايو/أيار الماضي وتصاعد حدة القتال، وسيطرة حركة "طالبان" على أكثر من 180 من أصل 388 من مديريات البلاد خلال الشهرين الماضيين، ليسقط عشرات القتلى والجرحى أسبوعياً، مع وجود آلاف المشردين في مختلف مناطق البلاد، تكتفي أطراف الحرب بإلقاء اللائمة على بعضها، بينما المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية تكتفي بالإدانة والشجب.
جديد هذا الملف قضية قتل الكوميدي الأفغاني نظر محمد خاشه في قندهار قبل يومين واعتراف "طالبان" بمسؤوليتها بدعوى أن الرجل كان يعمل في الشرطة المحلية، وهو ما اتخذته الحكومة الأفغانية دليلاً لإثبات ما أعلنته سابقاً أن الحركة قامت بخطف وقتل عشرات من سكان مديرية سبين بولدك المحاذية لباكستان، ومديرية مالستان في إقليم غزنه وسط البلاد. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية دواء خان مينه بال، في بيان أصدره تعليقاً على مقتل الكوميدي الأفغاني، إن لا شيء يمنع "طالبان" من قتل المدنيين، لأن هدفها الأول والأخير هو السيطرة على البلاد مهما تكن التكلفة، وخسارة الشعب. وأضاف أن التسجيل المصور، الذي يظهر الكوميدي وهو بين حشد من عناصر "طالبان" يُضرب قبل إعدامه، يثبت أن للحركة عداء مع كافة أبناء الشعب، وأن ما أعلنته الحكومة سابقاً من أن "طالبان" قامت بقتل وخطف مئات المواطنين من مختلف الشرائح في مديرية سبين بولدك أمر صحيح، مشيراً إلى أنه يحدث بأمر من الأجانب، في إشارة إلى باكستان، إذ تقع مديرية سبين بولدك الاستراتيجية على الحدود مع باكستان، وتسيطر "طالبان" عليها منذ أكثر من أسبوعين.
أما "طالبان" فكان موقفها حيال قضية قتل الكوميدي متردداً، ففيما نفت في البداية أن تكون لها يد في القضية، عادت لاحقاً بعد نشر تسجيل مصور على منصات التواصل الاجتماعي يظهر أن خاشه معتقل لدى الحركة ويتعرض للضرب، لتعترف بقتله. وادعى المتحدث باسم الحركة قاري يوسف أن الرجل تم قتله لأنه كان في صفوف الشرطة المحلية، فيما قال المتحدث الثاني باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، في مقابلة مع "بي بي سي" البشتوية، إن الرجل لم يكن كوميدياً كما روّج له الإعلام، بل كان شرطياً وضالعاً في قتل العديد من المواطنين، وإن التقارير الأولية تشير إلى أنه قتل أثناء محاولته الفرار من قبضة "طالبان".
اتهمت الحكومة "طالبان" بقتل 100 من مواطني مديرية سبين بولدك في إقليم قندهار
وكانت الداخلية الأفغانية قد اتهمت "طالبان" في 24 يوليو/تموز الحالي بقتل 100 من مواطني مديرية سبين بولدك في إقليم قندهار، مشيرة إلى أن الحركة قامت بخطف ما بين 300 و400 شخص من سكان المديرية بعد السيطرة عليها، وقتلت 100 حتى الآن. وسارعت "طالبان" إلى نفي اتهامات الداخلية، وقالت في بيان إن الحكومة تروج لأخبار كاذبة، وتدعي أن مسلحي الحركة قاموا بعد السيطرة على مديرية سبين بولدك بقتل واختطاف المواطنين، مؤكدة أن تلك الأخبار كاذبة. كما أكدت الحركة أنها تعاملت بشكل جيد مع جميع عناصر الشرطة الذين استسلموا لها، ولم تقم بقتل أي شخص، لا عسكري ولا مدني.
وفي إقليم غزنه، تحديداً في مديرية مالستان التي تقطنها الأقلية الشيعية، ذكر مجلس الشورى المحلي أن حركة "طالبان" قامت بعد السيطرة على المديرية بتصفية أبناء من تلك المديرية بشكل ممنهج. وقال أعضاء الشورى، في مؤتمر صحافي في كابول في 25 الحالي، إن "طالبان" قتلت أربعين من أبناء العرقية وهم مواطنون عاديون ليس لهم أي علاقة بالحرب بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". مرة أخرى نفت الحركة تلك الاتهامات، وقالت إن الذين قُتلوا لم يكونوا مواطنين عاديين بل رجال أمن وسقطوا خلال المعارك.
البعثة الأممية: توقعات بأن يسجل هذا العام أكبر عدد من الضحايا المدنيين منذ 2009
وكانت البعثة الأممية في أفغانستان "يوناما" قد أكدت، في تقريرها الذي أصدرته في 26 يوليو الحالي حول الخسائر المدنية في النصف الأول من عام 2021، أنها تتوقع أن يسجل هذا العام أكبر عدد من الضحايا المدنيين منذ عام 2009. وأشار التقرير إلى أن الخسائر المدنية في أفغانستان في النصف الأول من عام 2021 وصلت إلى مستويات قياسية، مع ارتفاع حاد في أعداد القتلى والإصابات بشكل خاص منذ شهر مايو/أيار، عندما بدأت القوات الدولية انسحابها وتصاعد القتال. وأوضحت البعثة أن 1659 مدنياً قُتلوا وجُرح 3254 آخرين في النصف الأول من عام 2021، بزيادة قدرها 47 في المائة مقارنة بالنصف الأول من عام 2020. وارتفع عدد الضحايا المدنيين بشكل خاص خلال مايو ويونيو/حزيران الماضيين، وهما أول شهرين من الهجوم الشامل الذي شنته "طالبان" في جميع أنحاء البلاد، وسُجل خلاله نحو نصف الخسائر المدنية في النصف الأول من العام (783 قتيلاً و1609 جرحى).
وفي الـ17 من الشهر الحالي، أفادت لجنة حقوق الإنسان الوطنية الأفغانية بارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بشكل مروع، مشيرة في تقرير لها إلى أن نتائج بحثها تُظهر أن الخسائر المدنية ونسبة النزوح الداخلي قد ارتفعتا بسبب عدم احترام الأطراف المتحاربة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مؤكدة أن أعمال العنف الأخيرة، تحديداً ما شهدته الساحة الأفغانية خلال الشهرين الماضيين، قد تسبّب في إلحاق أضرار جسيمة بمختلف جوانب الحياة، وأن "طالبان" فرضت قيوداً على الحريات الأساسية بعد الاستيلاء على مناطق مختلفة من البلاد، ما صعّب وصول المواطنين إلى الرعاية الصحية والتعليم، خصوصاً النساء. كما أكدت اللجنة أنه خلال أسبوعين (من 22 يونيو إلى 6 يوليو) قُتل 1250 شخصاً وأصيب 1059، وأن بين القتلى نساء وأطفالاً.
ونفت "طالبان" ضلوعها في قتل المدنيين، داعية الإعلاميين والصحافيين إلى زيارة المناطق التي تسيطر عليها لتقصي الحقائق وأن ما تدعيه الحكومة ليس إلا حملة إعلامية ضدها، وهذا ما دفع عدداً من الصحافيين الأفغان للتوجه إلى مديرية سبين بولدك الحدودية للاطلاع على الوضع، وعند عودتهم من المديرية الأسبوع الماضي تعرّضوا للاعتقال من قبل الاستخبارات الأفغانية. هؤلاء وهم ثلاثة إعلاميين ومصور، لا يزالون في عداد المفقودين، واكتفت الاستخبارات الأفغانية بالقول إن السبب وراء اعتقالهم أنهم دخلوا منطقة الحرب، حيث المخاطر الأمنية كثيرة والحكومة الأفغانية منعت الصحافيين من الدخول إليها. لكن مصدراً في الاستخبارات الأفغانية قال لـ"العربي الجديد" إن هؤلاء الإعلاميين كانوا يروّجون أخباراً لصالح "طالبان" وبالتالي تم اعتقالهم. وعلى الرغم من مطالبة لجنة حماية حقوق الإعلاميين المتكررة بالإفراج عنهم، إلا أن الحكومة لم تحرك ساكناً إزاء القضية حتى الآن. وأثارت قضية اعتقال الصحافيين تساؤلات حول حقيقة اتهامات الحكومة لـ"طالبان" بتصفية أبناء القبائل.