كشفت جلسة البرلمان العراقي، التي عقدت أمس السبت، عن معادلة جديدة وغير مسبوقة داخل العملية السياسية في البلاد، عقب الغزو الأميركي عام 2003، الذي رسّخ لمفهوم المحاصصة الطائفية والقومية داخلها، حيث أفرز التصويت على قرار إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية للمرة الثالثة بروز القوى المدنية والنواب المستقلين كتكتل قادر على حسم الكثير من مشاريع القرارات والاستحقاقات التي يجري التصويت عليها داخل البرلمان.
وحققت جلسة أمس 203 أصوات لمصلحة إعادة فتح باب الترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية، مقابل 65 صوتاً فقط رافضاً لذلك، وهذه الأصوات هي لنواب "الإطار التنسيقي"، الذي يرفض إعادة فتح باب الترشّح ويعتبرها محاولة لفرض مرشح "الحزب الديمقراطي" لمنصب رئاسة الجمهورية، ريبر أحمد.
ويبلغ مجموع نواب التيار الصدري وتحالف "السيادة" و"الحزب الديموقراطي الكردستاني" نحو 180 نائباً، ما يعني أن العدد الباقي من مجمل الأصوات البالغة 23 صوتاً، كان لنواب آخرين.
وقال نائب في البرلمان العراقي عن التيار الصدري لـ"العربي الجديد"، إن "جلسة السبت كشفت عن حجم تحالف (الإطار التنسيقي) الحقيقي، حيث إنه بعد مقاطعة الاتحاد الوطني الكردستاني (17 مقعداً) لجلسة أمس السبت، انكشف حضور الإطار بنوابه البالغ عددهم 65 نائباً، مع الأخذ بالاعتبار غياب بعضهم، وهو ما يجعله عاجزاً عن جمع الثلث المعطل الذي كان يلوّح به منذ أسابيع".
وأضاف النائب، طالباً عدم ذكر اسمه، بسبب منع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر لنواب التحالف من الإدلاء بأي مواقف سياسية من الأزمة الحالية وحصرها بالهيئة السياسية للتيار، أن "ممثلي الأقليات والنواب المستقلين والمدنيين أقرب إلينا (التحالف الثلاثي)، لكوننا من يرفع شعاراً وطنياً ويرفض التدخل الخارجي في تشكيل الحكومة، كذلك إن وجود قوى سنية وشيعية وكردية في تحالف واحد عابر للطوائف يجعله أقرب للمدنيين والمستقلين من التكتلات الطائفية الأخرى، وأقرب للشارع العراقي قبل كل شيء".
وحول بروز المدنيين والمستقلين كـ"بيضة قبان" لأول مرة في العملية السياسية، قال النائب إن المعادلة الحالية ستجعل المدنيين والمستقلين وممثلي الأقليات قادرين على تمرير مرشح رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة بأريحية كبيرة.
أكد "الإطار التنسيقي" أنه يمثل الجزء "الضامن" وليس "المعطل"، وأنه سيكسر نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية
من جهته، قال النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" شريف سليمان، إن هناك تفاهمات بين التحالف الثلاثي ونواب مستقلين للمضي بالاستحقاقات الدستورية، بدءاً بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة.
وأضاف سليمان، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أن "التحالف الثلاثي يسعى لاستكمال هذه الاستحقاقات، وأن حواراته لم تتوقف، وأن هناك تقارباً بين التحالف الثلاثي ومستقلين من أجل إيجاد حلول، والمضي بعملية التصويت على رئاسة الجمهورية".
وأشار إلى أن "(الحزب الديمقراطي الكردستاني) لديه مرشح واضح وثابت ووحيد لمنصب رئيس الجمهورية، هو ريبر أحمد، وأن حظوظه كبيرة في ضوء التوافقات والتفاهمات لدعم هذا الترشيح".
بدوره، قال أحمد حقي، الناشط السياسي المدني في محافظة ذي قار، جنوبي البلاد، إن "الشارع العراقي ككل يراقب تجربة المدنيين في البرلمان، وعليها أن تكون ناجحة إلى الحد الذي يمكننا القول إننا في البرلمان المقبل سنحصل على ثلث مقاعد البرلمان".
وأضاف حقي، لـ"العربي الجديد"، إن قرار القوى المدنية الممثلة بحركتي "امتداد" و"جيل جديد" إلى جانب المستقلين، بالذهاب إلى المعارضة البرلمانية "صائب جداً، وسيكون لهم بالتأكيد بصمة مهمة"، فيما حذر من "الدخول في أي اصطفاف سياسي مع أحزاب السلطة، إلا بما يضمن حدوث تغيير، ولو كان بسيطاً".
واعتبر أن التحالف الثلاثي الحالي بين الصدريين والأكراد والعرب السنّة "يمثل خياراً أفضل من غيره"، وأضاف: "إن كان هناك قرار وطني منهم، سيُدعَم بالتأكيد".
لكن تحالف "الإطار التنسيقي" الذي اعترض على جلسة البرلمان أمس، أكد أنه يمثل الجزء "الضامن"، لا "المعطل"، وأنه سيكسر نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
وقال النائب عن الإطار، محمد البلداوي، إن "الإطار يمثل الثلث الضامن، لكونه ضامناً لتصحيح مسار العملية السياسية".
وأضاف البلداوي، في تصريح صحافي: "بغضّ النظر عن التصويت على قرار إعادة فتح باب الترشيح، فإنه سيشكل مشكلة مستقبلية، فضلاً عن أن المحكمة الاتحادية لم تحدد كم مرة يتم إعادة فتح باب الترشيح للمنصب، وهذا إشكال قانوني"، مؤكداً أن "الثلث الضامن سيجبر القوى السياسية في حال عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة المقبلة، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لإيجاد حالة توافقية للخروج من المأزق السياسي".
وجرى العرف السياسي المتبع في العراق منذ عام 2005 على منح القوى الكردية منصب رئيس الجمهورية، الذي توالى على شغله ثلاثة قياديين في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، هم جلال طالباني، وفؤاد معصوم، وأخيراً الرئيس الحالي المنتهية ولايته برهم صالح، بينما لم يسبق لأي من قيادات "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي تصدّر نتائج الانتخابات الأخيرة على مستوى إقليم كردستان بـ31 مقعداً، أن تولى المنصب.