المسار العسكري التحدي الأبرز بوجه الجهود الأممية والدولية للتسوية في ليبيا

04 أكتوبر 2020
مستقبل حفتر والتأثيرات الخارجية أكبر العراقيل (فرانس برس)
+ الخط -

رغم أجواء التفاهم التي عبر عنها أمس السبت المشاركون في الجلسة الثالثة من الجولة الثانية للحوار الليبي، في مدينة بوزنيقة المغربية، حول معايير تولي المناصب السيادية، ما تزال مسارات البحث عن حل ليبي شامل متشعبة وتواجه تحديات وعراقيل، لاسيما في شقها العسكري لارتباطه بوضع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
وأعلن عضو برلمان طبرق، إدريس عمران، استمرار المفاوضات بين وفدي مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة الليبي، من أجل التوصل إلى توافق كامل بشأن كل الإجراءات المتعلقة بالمادة 15 من الاتفاق السياسي.
وقال عمران، في إيجاز صحافي مقتضب عقده باسم الوفدين، بعد انتهاء جلسات اليوم الثاني للمحادثات ببوزنيقة، إنّ المفاوضات "مرت في أجواء تسودها روح التفاهم والتوافق حول المعايير الواجب مراعاتها في اختيار شاغلي المناصب السيادية وفق المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 2015 بمدينة الصخيرات المغربية".
لكن في مقابل هذا التفاؤل ما تزال المشاورات الأمنية والعسكرية بين ممثلين عن حكومة الوفاق الليبية وقيادة مليشيات حفتر يعتريها تصلب في مواقف الطرفين، رغم ثناء البعثة الأممية في ليبيا على نتائج اللقاءات التي انطلقت في الغردقة المصرية الأسبوع الماضي، تمهيدا للقاء المقرر الأسبوع الجاري بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، بحسب بيان سابق للبعثة.


وقالت مصادر ليبية، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، إن المشاورات التي استمرت بين الطرفين بشكل غير مباشر بعد لقاء الغردقة عادت وتعقدت مجددا على خلفية بند يتعلق بتشكيل مجلس عسكري ليبي مشترك يقود المؤسسة العسكرية رفض ممثلو حكومة الوفاق وجود حفتر أو ممثلين مقربين عنه فيه. وعلى النقيض من ذلك يصر ممثلو حفتر على وجود صلاحيات عسكرية منفصلة عن القيادة السياسية الجديدة، في مسعى جديد على ما يبدو لعرقلة لقاء أعضاء اللجنة العسكرية المقرر هذا الأسبوع.

وتابعت المصادر، التي رفضت الإفصاح عن أسمائها، أن الانفراجة التي حدثت في بوزنيقة بعد محاولات لعرقلة استئناف اللقاءات الأسبوع الماضي قابلتها عراقيل جديدة في المسار العسكري، وسط بروز مقترح أميركي جديد يقضي بنقل صلاحيات اختيار أعضاء المجلس العسكري المنتظر للبعثة الأممية. ويهدف المقترح لتسريع التوصل إلى توافق بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة حول تثبيت وقف إطلاق النار ونقله الى اتفاق نهائي لوقف القتال في كافة أنحاء البلاد.
إخلاء سرت والجفرة
وبشأن التوافق على إخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح ونقل نقاط التماس بين طرفي القتال (قوات حكومة الوفاق ومليشيات حفتر) إلى خارج المنطقتين، تطابقت معلومات المصادر حول وجود توافق جزئي بشأن المنطقة الوسطى. وفيما وافقت قيادة حفتر على سحب مليشياتها من سرت تحفظت على إخلاء منطقة الجفرة، التي تتواجد فيها قاعدة عسكرية هامة يشغل أغلب أجزائها مقاتلون روس تابعون لشركة "فاغنر" للخدمات الأمنية، وذلك بذريعة بعدها عن مناطق التوتر وكون قوات حكومة الوفاق لا تمتلك نقاط تمركز عسكرية قريبة منها.
وتعكس تصريحات المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة التابعة لحكومة الوفاق، عبد الهادي دراه، حقيقة العراقيل التي يواجهها المسار العسكري، حيث أكد أنه "في الوقت الذي تجري فيه الحوارات خارج ليبيا ما زال المتمرد حفتر يحشد مليشياته".
وأوضح داره في تصريح لقناة "فبراير" الليبية، ليل السبت، أن فرق الرصد التابعة لقوات الحكومة تأكدت من استمرار هبوط طائرات الشحن الروسية التي تجلب المرتزقة السوريين والذخائر، لافتا الى أن آخرها طائرة شحن روسية هبطت الساعة السابعة مساء السبت في قاعدة القرضابية في سرت محملة بالذخائر.


وأشار كذلك إلى أنه "في سرت كان هناك طائرتا ميغ 29 تجوبان سماء سرت والجفرة مساء السبت، كما أن هناك تحشيدات في الغريانية جنوب الشويرف"، وفق قوله.
وحاول حفتر بدعم من حلفائه، سيما الروس، تقليل الضغوط عليه للتخلي عن منطقة الجفرة، من خلال عقد اتصالات مع قادة بحكومة الوفاق لإبعاد ملف النفط، المهم بالنسبة لأطراف دولية كواشنطن، انتهت بالإعلان عن اتفاق مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق لاستئناف إنتاج وتصدير النفط.
لكن رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، أكدت على عدم اطلاع البعثة على اتفاق حفتر ومعيتيق. ورغم ترحيبها برفع المؤسسة الوطنية للقوة القاهرة جزئيا، إلا أنها شددت، خلال تصريحات صحافية اليوم الأحد، على "أهمية تأمين كافة الحقول والموانئ النفطية، تحت إشراف المؤسسة الوطنية للنفط، وإخلائها من المقاتلين والمرتزقة، مما يسمح بإعادة استئناف عملها بصورة آمنة ومستمرة". ويشير تصريحها لرفض استمرار وجود المرتزقة من جانب حفتر في مواقع النفط وهي المسألة التي لم يشر لها اتفاق حفتر ومعيتيق.

ودون أن تعلن عن رعايتها للقاءات الليبية في المغرب وسويسرا، اعتبرت ويليامز أنها لقاءات "تمهد الطريق أمام عقد جولة ثانية من المنتدى السياسي الليبي، والذي سوف يضم ممثلين عن كافة الفئات الليبية السياسية والمجتمعية"، مشيرة إلى أن البعثة تعكف حاليا على التحضير لعقد هذا المنتدى في الأسابيع المقبلة دون أن تحدد موعده.

التأثيرات الخارجية
وبين الوضوح في مسار المناصب القيادية والغموض في المسار العسكري لا يرى الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، توافقا ليبيا قريبا في ظل وجود مناورات من جانب الطرفين في محاولة لكسب مصالح أكثر استباقا للمنتدى السياسي الرسمي الذي ستشرف عليه البعثة الأممية خلال الشهر الجاري.
ويرى الجواشي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التأثيرات الخارجية تعد العامل الأكثر تشويشا على جهود التوافق الحالية، متسائلا "كيف للقاهرة التي دعمت مسارا عسكريا وكانت صراحة تقف الى جانب حفتر أن تستضيف لقاءات للتفاهم في المسار الأمني والعسكري دون تأثير من جانبها"؟
وتابع "لا يمكن الاعتقاد أن التأثير التركي بعيد عن مواقف قادة طرابلس ما دام التأثير المصري مستمرا على الصعيد السياسي والوجود العسكري الروسي على الأرض أيضا الذي استدعى انخراطا أميركيا كبيرا في الآونة الأخيرة"، مشيرا إلى أن واشنطن تبحث عن حلول مؤقتة في ليبيا لتجميد الأوضاع الليبية وإبعاد تأثيرات الروس حتى انتهاء الانتخابات الأميركية.
في المقابل، يشدد المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، على أهمية الدور الأميركي، مشيرا إلى أن واشنطن تتفادى اتخاذ خطوات منفردة، وتسعى بذل ذلك لحشد مواقف دولية أخرى على رأسها توحيد الموقف الأوروبي.
وفي هذا الصدد، نقلت السفارة الأميركية في ليبيا أن السفير ريتشارد نورلاند، أجرى مشاورات في باريس حول الملف الليبي، مستحضرة وعد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، باستخدام "جميع الأدوات المتاحة في ترسانة الدبلوماسية الأميركية لتهيئة الظروف لاستقرار ليبيا".
وأضافت السفارة، في تغريدة على صفحتها بموقع "تويتر" أن زيارة السفير لباريس "ستتبعها مشاورات في عواصم أخرى"، لدعم العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.

ورجح ذويب في حديثه لـ"العربي الجديد" أن واشنطن التي تسعى لتحشيد مواقف دولية داعمة لمقترحاتها بشأن سرعة إيجاد تسوية ليبية، لا يمكن أن تعرقل جهودها أطراف ليبية قراراتها ترتهن للخارج.

لكنه لفت إلى وجود صعوبة قد تواجهها في ثني حفتر عن مواقفه بسبب اتصالاته مع موسكو، قبل أن يستدرك قائلا "القاهرة وعدد من العواصم المنخرطة في الملف الليبي حلفاء لواشنطن وعبرهم يمكن إجبار حفتر على القبول بالمقترحات الأميركية". واستبعد أن تكون واشنطن قد اتخذت قرارا واضحا بشأن إبعاد حفتر من المشهد بقدر ما قررت خفض مستوى تأثيره وحجمه كوسيلة أخرى لتقليل التأثيرات الروسية في الملف الليبي.