اتفق رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، أمس الخميس، على وضع خريطة طريق لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية. جاء ذلك في بيان مشترك صدر عنهما عقب لقاء جمعهما مع رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي في القاهرة.
وقال صالح والمشري في البيان إنه "حرصاً منا، نحن رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، على إنجاز أساس دستوري توافقي للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وبعد الإطلاع على مشروع الوثيقة الدستورية المنجزة من قبل اللجنة المكلفة بإنجاز المسار الدستوري بين المجلسين، فإنه تم الاتفاق على: قيام اللجنة المشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة الدستورية للمجلسين لإقرارها طبقاً لنظام كل مجلس".
وحسب البيان، فقد تم الاتفاق أيضاً على "وضع خريطة طريق واضحة ومحددة يعلن عنها لاحقاً، لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات".
استكمال العملية الانتخابية
وعقد جبالي مؤتمراً صحافياً في مقر المجلس بحضور صالح والمشري. وقال جبالي، في المؤتمر: "تعتز مصر بعلاقات الأخوة مع أشقائها العرب، لا سيما الأشقاء في ليبيا، مؤكدة حرصها على دعم سيادة واستقرار ليبيا باعتبارها امتداداً للأمن القومي المصري. ونؤكد دعمنا التام للجهود التي بُذلت من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الأزمة الراهنة".
من جهته، اعتبر المشري أنه "استطعنا من خلال اللجان التي اجتمعت في القاهرة والغردقة، على مدى 18 شهراً، الوصول إلى وثيقة دستورية واضحة المعالم، ولم يكن لهذه اللجان أن تجتمع في ليبيا في ظل حالة الانقسام الشديد الذي تشهده البلاد. وبفضل الرعاية المصرية، تم وضع العربة على الطريق الصحيح".
وكشف أن "القوانين التي ستكون محل خلاف ستطرح أمام الشعب الليبي، كونه المصدر الرئيس للسلطات للاستفتاء عليها. وسنعمل على تذليل جميع العقبات في هذا الإطار".
التقى صالح والمشري رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل
بدوره، قال صالح: "الدولة المصرية انحازت لمصلحة الليبيين، وأوقفت التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وشجعت الليبيين على التقارب على نحو توافقي، تمهيداً للذهاب إلى صناديق الاقتراع وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. والقاهرة استضافات اجتماعات الليبيين في وقت كان من الصعب تحقيق ذلك داخل ليبيا، وتواصلت مع جميع السياسيين والعسكريين لإنهاء حالة الصراع، وهو ما ساهم في حدوث تقارب كبير بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة".
وشهدت العاصمة المصرية القاهرة، خلال اليومين الماضيين، حراكاً على مستوى ملف الأزمة الليبية، وعقد صالح والمشري لقاءً ثنائياً لبحث الملفات العالقة بين المجلسين، وفي مقدمتها التوافق حول القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات، والمناصب السيادية، والبت في مسألة توحيد السلطة التنفيذية المنقسمة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب في سرت برئاسة فتحي باشاغا.
ويأتي حراك القاهرة ليكسر حالة الجمود التي سيطرت على ملف الأزمة الليبية، في أعقاب قرار مجلس الدولة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقف التواصل مع مجلس النواب، في الوقت الذي اعتبرها الدبيبة "تحركات مشبوهة"، تهدف للقفز على مطالب الليبيين.
لكن مجلس الدولة صوّت، الاثنين الماضي، لصالح استئناف الحوار مع مجلس النواب، بعد ثلاثة أسابيع من تعليق التواصل بين الجانبين، ومطالبة مجلس الدولة بإلغاء قانون إنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي في الشرق الليبي بدلاً من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس. وفي 23 ديسمبر الماضي، تراجع مجلس النواب عن القانون.
ووفقاً لمصادر ليبية في القاهرة، فإن اللجنة المشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة ستستأنف اجتماعاتها في القاهرة خلال اليومين المقبلين، لاستكمال النقاش حول النقاط التي لم يتم حسمها بشأن القاعدة الدستورية.
ولفتت إلى أن أعضاء اللجنة المكونة من 24 عضواً موجودون في القاهرة، التي وصلوا إليها، على مدار الأيام الثلاثة الماضية، بدعوة من المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، الذي يتولى قيادة اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي.
ويعد التوافق حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية أبرز العوائق التي حالت دون توصل اللجنة المشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى التوصل إلى قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات بموجبها، في ظل تمسك المجلس الأعلى للدولة بمنع ترشح العسكريين السابقين ومزدوجي الجنسية.
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن صالح التقى برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل في القاهرة، لبحث التطورات الخاصة بالأزمة في ليبيا وتقاطعاتها مع المصالح المصرية.
وأشارت المصادر إلى أن نشاط صالح في القاهرة شمل لقاءات رسمية معلنة، أحدها مع رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي، لإضفاء طابع رسمي على الزيارة، في الوقت الذي لا تزال مصر تتمسك بموقفها الخاص بسحب الاعتراف بشرعية حكومة الوحدة الوطنية الليبية، وتعتبرها منتهية الصلاحية بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الذي تولت السلطة التنفيذية بموجبه في ليبيا.
ستستأنف اللجنة المشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة اجتماعاتها بالقاهرة
وأشارت المصادر إلى أن المشري التقى أيضاً رئيس جهاز المخابرات المصري، في إطار المحاولات التي تقوم بها القاهرة لإثبات وجودها الفاعل في الملف الليبي إلى جانب الدور التركي، الأكثر تأثيراً في هذا الملف، بحسب أحد المصادر الذي تحدث لـ"العربي الجديد".
لقاء صالح والمشري
يذكر أنه كان من المقرر أن يجتمع صالح مع المشري برعاية أممية في مدينة الزنتان في غرب ليبيا الشهر الماضي، قبل أن يعلن المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي تعذر انعقاد اللقاء لـ"أسباب لوجستية".
وكان آخر لقاء جمع صالح والمشري حصل في العاصمة المغربية الرباط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أعلنا توصلهما إلى اتفاق على إجراء تغيير بالمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية قبل نهاية العام الماضي.
بدورها، نفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أخيراً، عزم باتيلي إعلان خريطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة. وشدّد باتيلي، في بيان رسمي، على أن أي خريطة طريق يجب أن تكون نتاج حوار شامل يجمع بين كل الأطراف الليبية، وتضمن الاحترام الكامل لحقوق ومصالح الشعب الليبي وتطلعاته إلى اختيار قيادة ومؤسسات تتمتع بالشرعية.
وحث الممثل الخاص للأمين العام كل القادة السياسيين على تكثيف جهودهم من أجل بلوغ هذا الهدف في العام الحالي. وقال في أحدث إحاطاته لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: "تجب مساعدة الليبيين في احتفال عام 2023 بأنه عام بداية حقبة جديدة، من خلال صعود المؤسسات الشرعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة".
ولتحقيق هذا الهدف، طالب "بممارسة الضغط" على القادة الليبيين لاتخاذ إجراء بشأن الاتفاق على قواعد الانتخابات الرئاسية والنيابية التي، حسب قوله، يجب إجراؤها في آن واحد.
وكان المشري قد أعلن في الأيام الأخيرة أن إجراء الانتخابات في ليبيا في أكتوبر المقبل "ممكن" إذا تم استيفاء شروط معينة. وبحسب رئيس مجلس الدولة، فإنه "إذا تمت الموافقة على الأساس الدستوري قريباً بالاتفاق مع مجلس النواب في طبرق، فإن قانون الانتخابات يمكن أن يُسن بحلول منتصف فبراير/شباط المقبل".
وأوضح المشري أن "التحضير للانتخابات سيستغرق 240 يوماً من الاتفاق على الأسس الدستورية، وهذا يعني أنه يمكن إجراؤها بحلول أكتوبر المقبل".