أسدلت سنة 2021 ستارها بتغييرات ومفارقات عدة سترخي بظلالها على المشهد السياسي في المغرب خلال السنة الجديدة، وتطرح أسئلة عن عمل البرلمان والحكومة ومستقبل العديد من الهيئات الحزبية وموقعها.
لم تكن السنة الماضية عادية مع ما شهدته من انقلاب في الخريطة الحزبية، بعد تجاوز موجة "الربيع العربي" و"إسقاط الإسلاميين ديمقراطياً"، بعد قيادتهم للحكومة المغربية منذ 2011 لولايتين متتاليتين.
وفي مقابل انحدار وانكفاء "العدالة والتنمية"، حققت أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، المكونة للائتلاف الحكومي الحالي، تقدماً كبيراً، وحافظت على قوتها الانتخابية رغم مرور بعضها بأزمات داخلية، حيث استطاع حزب "التجمع الوطني للأحرار" أن يحقق قفزة نوعية في ظرف خمس سنوات، بحصوله على 97 مقعداً، مقابل 37 مقعداً في تشريعيات 2016.
في ظل النتائج التي أفرزتها انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2020، تبدو الخريطة السياسية خلال عام 2022 تتجه نحو تكريس واقع سياسي بثلاثة فاعلين حزبيين وبعوائد سياسية أكبر في مقدمتها اشتغال الحكومة المغربية بأريحية أكبر، بفضل ما توفره لها تلك الأغلبية العددية في مجلسي البرلمان من دعم مريح لم تتمتع به الحكومات المغربية المتعاقبة منذ دستور الربيع العربي في عام 2011.
وتبدو الطريق سالكة أمام حكومة عزيز أخنوش خلال السنة الجديدة لتمرير قراراتها وإقرار مشاريع القوانين والإصلاحات لتحقيق الانتظارات المعلقة عليها، وكذا التحديات التي سيكون عليها مواجهتها خلال 2022، بفضل بسط الأغلبية البرلمانية سيطرتها على مجلسي البرلمان المغربي.
كما ستمكن سيطرة الأحزاب الثلاثة على المشهد البرلماني من تقليص توتر السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية، ومن رفع وتيرة الأداء البرلماني. بالإضافة إلى تمكين الأغلبية الحكومية من السرعة والفعالية في تنزيل البرنامج الحكومي، ومن تفعيل كل الآليات لإدخال إصلاحات كبرى، ومن أبرزها الحماية الاجتماعية للمغاربة وتنزيل النموذج التنموي الجديد للمملكة.
بالمقابل، تبدو المعارضة البرلمانية في وضع لا تحسد عليه، في حال عدم تمكنها من التنسيق فيما بينها وتحالفها، في ظل الواقع البرلماني المنبثق من انتخابات 2021 والمتسم بتحكم الأغلبية الحكومية في البرلمان، وخاصة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، حيث لن يكون بمقدورها دعوة رئيس الحكومة إلى عرض الحصيلة المرحلية لعمل حكومته، طبقاً لأحكام الفقرة الأولى من الفصل الـ 100 من الدستور والمادة الـ 274 من النظام الداخلي للمجلس، لجهة عدم توافرها على نصاب أغلبية أعضاء المجلس.
وبينما كان لافتاً أن حكومة عزيز أخنوش لن تلقى، بالنظر إلى تفوقها العددي، من يعارض سياستها، سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين، تجد الأحزاب اليسارية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، فيدرالية اليسار الديمقراطي، الاشتراكي الموحد) في البرلمان نفسها خلال عام 2022 في مواجهة تحدي القدرة على نسج تحالف يساري معارض يمكن أن يلتحق به حزب "العدالة والتنمية"، لمواجهة ما تسميه قيادة الاتحاد الاشتراكي بـ "تغول" الأغلبية.
وإن كان من شأن سيطرة حزب الأغلبية الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) على المؤسسة التسريعية أن يسهم في استقرار المؤسسات، وتجنب ما عاشته الحكومات المتعاقبة من إعادة ترتيب لأغلبيتها، وإجراء تعديل على الفريق الحكومي بسبب هشاشة التحالفات وعدم انسجامها، إلا أن ذلك لا يلغي إمكانية تسجيل خلافات وتناقضات بين مكوناتها قد تؤثر بتجانسها ومبادراتها.
وهنا، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة، رشيد لزرق، أن الرهان الأساسي بالنسبة إلى الائتلاف الحكومي الحالي في عام 2022 هو على بقاء التحالف الحكومي دون انفجار واستمراره وتحصينه، خاصة أن هناك احتقاناً داخل حزب الاستقلال، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المراقبين اعتادوا أن يفجر حزب الاستقلال الأغلبية الحكومية بعد انعقاد محطة المؤتمر الوطني مرتين، مع الأمين العام السابق للحزب عباس الفاسي في عهد حكومة التناوب التوافقي بقيادة الراحل عبد الرحمن اليوسفي، وتكرر الأمر مع الأمين العام السابق حميد شباط في عهد حكومة عبد الإله بنكيران الأولى".
من جهة أخرى، ينتظر أن تشهد أحزاب مغربية أجواءً تنظيمية ساخنة وغير مسبوقة مع اقتراب مواعيد انعقاد مؤتمراتها العامة، التي ينتظر أن تحسم في انتخابات قياداتها، إما بالتغيير أو الإبقاء على الزعامات الحالية.
وفي وقت تبدو فيه الأجواء موائمة للقيادة الحالية لحزب التجمع الوطني للأحرار في شخص رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش للاستمرار في زعامة الحزب، خلال المؤتمر الوطني العادي له، المنتظر تنظيمه يومي 4 و5 مارس/ آذار المقبل، يعيش حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (أكبر حزب معارض) حالة ترقب، في انتظار ما سيسفر عن الصراع بين الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، الطامح إلى ولاية ثالثة ومعارضيه، خلال المؤتمر الوطني المقرر عقده نهاية الشهر الحالي.
وخلال الأيام الماضية، ثار جدل حاد وصل صداه إلى ردهات المحاكم بسبب إمكانية ترشيح الكاتب الأول الحالي للحزب لولاية ثالثة، رغم تصريحه في وقت سابق بأنه غير معنيّ بالترشح من جديد لقيادة الحزب. ويلقي طموح لشكر لقيادة الاتحاد الاشتراكي للمرة الثالثة توالياً، معارضة من عدد من القيادات، وخاصة بعد إقرار عدة تعديلات تسمح بترشّحه لولاية ثالثة.
وبينما يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لرزق، في حديث لـ"العربي الجديد "، إن "المشهد السياسي مقبل سنة 2022 على مؤتمرات حزبية ممكن أن تطيح آخر فلول الشعبوية".
بالمقابل، يُطرح على القيادة الجديدة لحزب العدالة والتنمية، ممثلة بعبد الإله بنكيران، خلال السنة الجديدة، سؤال مستقبل الحزب الإسلامي السياسي في الساحة السياسية المغربية، في ظل تحديات تخصّ إعادة بناء البنية الفكرية والأيديولوجية والتنظيمية للحزب الذي مُني بنكسة انتخابية في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، بما فيها إعادة التموقع والإجابة عن سؤال ماذا سيقدم الحزب للمواطنين، و"تصحيح المسار الدعوي والسياسي وتوضيح العلاقة بينهما"، فضلاً عن"إعادة الحزب إلى الواجهة السياسية".