استمع إلى الملخص
- الاحتجاجات في شمال حلب ضد إشراك الدوريات الروسية تبرز التوترات المحلية والتعقيدات السياسية والأمنية، مع تسليط الضوء على الديناميكيات المعقدة للتحالفات والمصالح بين الفصائل المعارضة، تركيا، وروسيا.
- المعابر بين مناطق النظام، المعارضة، و"قسد" تشكل جزءًا محوريًا من الاقتصاد الحربي السوري، حيث تُستخدم للتبادل التجاري وتأمين التمويل، مما يعكس الصراع على السلطة والنفوذ في سورية وتأثيره المباشر على الحياة اليومية والاقتصاد المحلي.
أعادت المعلومات الواردة من شمال غربي سورية، حول التوجه لإعادة فتح معبر أبو الزندين (المعروف بمعبر الباب أيضاً) التجاري الفاصل بين مناطق سيطرة الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، تسليط الضوء على المعابر في سورية الخاضعة لسيطرة أطراف الصراع المختلفة في البلاد، ودورها الاقتصادي، بالإضافة إلى دورها المالي في تأمين التمويل لتلك الأطراف. وكشفت مصادر في "الجيش الوطني السوري" المعارض عن عقد اجتماع بين ضباط أتراك وروس قبل نحو أسبوع في المعبر المذكور، الواقع في ريف مدينة الباب ضمن منطقة درع الفرات، شرقي محافظة حلب. وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد"، التي رفضت الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، أنّ الهدف من الاجتماع هو إعادة فتح معبر أبو الزندين، وذلك بهدف تشغيل الطريق الدولي الحسكة ــ اللاذقية المعروف بطريق "أم 4"، والمار من إدلب وحلب والرقة كذلك، وإمكانية دخول دوريات روسية إلى الطريق بعد تشغيله بمرافقة من دوريات تركية، موضحة أن روسيا راغبة في تسيير دورياتها على الطريق المذكور لمراقبته بشكل دائم.
والأسبوع الماضي، شهدت مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي حلب احتجاجات شعبية بعد ورود معلومات عن نية دخول دورية روسية من معبر أبو الزندين إلى مناطق سيطرة المعارضة لمرافقة وفد أممي، وذلك بالتوافق مع الجانب التركي. لكن تلك الدورية لم تدخل بفعل تصاعد الاحتجاجات، فيما قرأ نشطاء من المنطقة تلك الخطوة بأنها بالون اختبار من السلطات التركية لفحص إمكانية إشراك الدوريات الروسية في مهام مراقبة داخل مناطق سيطرة المعارضة السورية، فيما قالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" إن "الادعاء بدخول الروس مع وفد أممي غير صحيح"، موضحةً أن "الوفد الروسي كان في الجهة الخاصة بالنظام من معبر أبو الزندين". وعلى الرغم من أن "الجيش الوطني السوري" حليف للأتراك، إلا أن بعض فصائله مانعت إشراك الروس في شأن يتعلق بمناطق سيطرة المعارضة. ومن أبرز تلك الفصائل: "الجبهة الشامية"، و"أحرار الشام – القاطع الشرقي"، وقد استنفرا قواتهما بالتزامن مع الاحتجاجات لمنع دخول أي دورية عسكرية روسية إلى المنطقة.
قادة "قسد" باشروا العمل على فتح معابر مع النظام بغية الاستفادة المادية
المعابر في سورية بين المعارضة والنظام
في السياق، أشار الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان إلى أن مسألة فتح المعابر في سورية بين مناطق النظام والمعارضة طُرحت باستمرار، لا سيما في الاجتماعات التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة شمال غربي سورية، برعاية روسية – تركية في مارس/آذار 2020. ولفت علوان في حديث لـ"العربي الجديد" إلى عدم التزام روسيا بالتفاهمات التي أعقبت الاتفاق، لجهة فتح المعابر والطرقات أمام الحركة التجارية، لا سيما مع استمرار خروقات النظام السوري وروسيا مراراً. وعن هدف تركيا وروسيا من افتتاح المعبر، أشار علوان إلى أن أول الأهداف مرتبطة بتنفيذ اتفاقيات مساء أستانة التي نصت على فتح المعابر، مصيفاً أن "من أهداف فتح المعابر، هو الجانب الاقتصادي والتجاري، وذلك من أجل قطع الشريان الاقتصادي بين مناطق المعارضة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بينما تحرص تركيا على عدم تحقيق قسد أي مكاسب اقتصادية".
وشُيّد معبر أبو الزندين في النصف الثاني من عام 2017، بعد هزيمة تنظيم داعش على يد المعارضة والجيش التركي في ريف حلب، وذلك على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي حلب والباب. وتحول المعبر خلال السنوات الماضية إلى ممر إنساني تمّت فيه معظم عمليات تبادل الأسرى بين النظام والمعارضة، بإشراف الضامنين التركي والروسي. كما أنه أحد أشهر ممرات التهريب بين الطرفين، مع عبور كميات من البضائع والسلع (أدوية وتبغ ومواد مخدرة وسيارات). والمسؤول عن المعبر هو فصيل السلطان مراد، أقرب فصائل الجيش الوطني لتركيا، الذي أعاد فتحه لساعات قليلة في سبتمبر/ أيلول 2022، قبل إغلاقه إثر تفجّر الغضب الشعبي حينها من الخطوة.
كما أن معبر الحمران يربط بين مناطق سيطرة المعارضة من جهة، ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية و"قسد"، في شمال وشرق سورية. وهو المعبر المخصص لمرور المحروقات من الشمال الشرقي من سورية إلى شمالها وشمالها الغربي، وهو محل صراع بين فصائل الجيش الوطني نفسها الراغبة في الاستيلاء على عوائده. وقُدّرت أرباح هذا المعبر بملايين الدولارات، للجهة المتحكمة به من جانب مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية، ولطالما شهد ريف حلب الشمالي صراعات من أجل السيطرة عليه. لكن قيادياً في "الجيش الوطني السوري"، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن عائدات المعابر في سورية صبّت في صندوق وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، والتي وزّعتها ضمن كتل محددة على الفصائل، حسب عددهم وانتشارهم.
ومناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سورية منقسمة إلى منطقتين رئيستين، الأولى تخضع لسيطرة "الجيش الوطني السوري" في ريفي حلب الشمالي والشرقي وأجزاء من ريفي الرقة والحسكة، فيما الثانية تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب ومحيطها مع أجزاء من ريفي حلب الغربي والجنوبي. وبين المنطقتين معابر فاصلة، ومنها معبرا الغزاوية ودير بلوط، المختصان بالحركة التجارية، خصوصاً عبر فرض رسوم على حركة العبور لمصلحة الجهتين المتقابلتين والمتقاسمتين السيطرة عليهما. وزادت تلك الرسوم والضرائب تكاليف الحياة على الناس، لا سيما من خلال إضافتها على أجور البضائع والسلع. كما أن هناك عدداً من المعابر غير الرسمية، والتي لجأت من خلالها مختلف الأطراف إلى تسهيل عمليات التهريب غير الشرعية، لا سيّما للمواد الممنوعة والمخدرات وغيرها.
وائل علوان: من أهداف فتح المعابر قطع الطريق بين مناطق سيطرة المعارضة و"قسد"
وفي شمال وشرق سورية، خضعت العديد من المعابر لسيطرة "قسد"، المشتركة بخطوط تماس مع مناطق سيطرة المعارضة من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" أن قادة "قسد" باشروا العمل على فتح معابر مع النظام بغية الاستفادة المادية الشخصية، إضافة إلى فتح "المعابر المدنية"، المخصصة لعبور الأفراد، مثل معبر درنج العشارة في ريف دير الزور الشرقي، ومعبر حوايج – ذياب بالريف الغربي، ومعبر محيميدة، وجميعها واقعة تحت سيطرة الجمارك التابعة لـ"قسد"، التي فرضت على أي شخص راغب بالمرور بها مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية (نحو 0.38 دولار). كما جرى استخدام تلك المعابر في سورية بهدف التبادل التجاري، وطبعاً مع فرض رسوم على البضائع وحركة التجارة، ما زاد من أسعار السلع على اختلاف مناطق السيطرة، خصوصاً بعد إغلاق معبر الصالحية، الرئيسي بين محافظتي دير الزور والحسكة. معبر أبدى قادة من "قسد" رغبتهم في استمرار إغلاقه من أجل فتح عدد أكبر من المعابر الموازية بهدف تحقيق استفادة لأكثر من قيادي وفي أكثر من نقطة تماس.
دور الفرقة الرابعة
أما في الجهة المقابلة لـ"قسد" في مناطق سيطرة النظام، فإن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، سيطرت على عائدات المعابر في سورية إضافة إلى فرضها "إتاوات" على حركة المرور والعبور داخل مناطق النظام نفسها، وذلك بمساعدة مليشيات "الدفاع الوطني" المولجة تنفيذ عمليات التهريب، بالإضافة إلى نقل بعض المهمات إلى قوات الجمارك التابعة للنظام في بعض الأحيان. في هذا الخصوص، رأى الناشط المدني، المقيم في شرق سورية، جاسم علاوي، أن "المعابر هي مصدر أساسي لتمويل مختلف الأطراف العسكرية المسيطرة على الأراضي السورية، سواء قسد أو النظام أو فصائل المعارضة، التي تسيطر على معابر داخلية بينية مثل التي بين قسد والمعارضة أو قسد والنظام، أو تلك التي بين قسد وإقليم كردستان (العراق) مثل معبر سيمالكا الحدودي أو بين المعارضة والنظام، والمعارضة وتركيا". وأضاف علاوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "جميع المعابر في سورية تدر على الأطراف العسكرية ملايين الدولارات توظفها في تمويل مؤسساتها العسكرية، من دون تقديم أي خدمات للمواطنين، بل تستغل مختلف هذه الأطراف المعابر من أجل التضييق على المواطنين والحد من تنقلاتهم كأفراد وعائلات وبضائع، وتفرض رسوماً عالية عليهم". ولفت إلى أن "هناك تفاهما ضمنيا بين كل طرفين متقابلين على مسألة المعابر بينهما، وتنسيق أمني إلى حد كبير، وهذا التنسيق في صالح وخدمة النظام بشكل أساسي"، بالإشارة لخضوع النظام السوري إلى العقوبات وصعوبة إجراء تعاملات تجارية عبر حدوده مع الجوار.