رفعت المعارضة التركية أخيرا سقف ثقتها وتوقعاتها بالفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة أو المبكرة، وتولي حكم البلاد والإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، في ظل تساؤلات حول أسباب هذه الثقة ومدى صحة تلك التوقعات.
وتضغط المعارضة منذ نحو عام باتجاه إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها المحدد في العام 2023، في محاولة للاستفادة من نتائج استطلاعات رأي تظهر تقدمها، وكذا تأسيس أحزاب سياسية جديدة، بعضها من رحم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وكذا تداعيات فيروس كورونا على مؤشرات الاقتصاد التي لا ترضي الناخب التركي.
ورغم ذلك، فإن التحالف الجمهوري الحاكم، الذي يضم "العدالة والتنمية"، وحليفه حزب "الحركة القومية"، لا يفقدان الأغلبية حسب استطلاعات الرأي، فيما يشدد التحالف بشكل مستمر على أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد.
ولا تستطيع المعارضة التركية تحقيق رغبتها بإجراء الانتخابات المبكرة، لعدم امتلاكها الأغلبية البرلمانية المطلوبة، وحصر الدعوة لها بالبرلمان والرئيس. ورغم ذلك، تراهن المعارضة على الفوز بالانتخابات التي يمكن أن تجرى بأي وقت، وتتحدى الحكومة التي لم تنجر حتى الآن إلى ملعبها.
ورغم رفض التحالف الحاكم الخوض بملف الانتخابات، فإنه بدأ فعليا الدخول بمرحلة التحضير للانتخابات مع جولات وزيارات للرئيس أردوغان إلى الولايات التركية، استهلها بولاية ديار بكر ذات الغالبية الكردية، ولقاءات ميدانية مع الشبان من الأجيال الجديدة. في المقابل، تعمل المعارضة على التحالف فيما بينها وتعد ورقة تجمعها.
وحملت تصريحات المعارضة التركية خلال الفترة الماضية ثقة كبيرة بالفوز بالانتخابات، ومنها قول زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو، وزعيمة "الحزب الجيد" ميرال أكشنر، إنهما سيوقفان مشروع قناة إسطنبول المائية ويمنعان تمويلها ودفع أموال الشركات المشاركة فيها بعد تولي الحكم.
وتتالت التصريحات المماثلة، ومنها توعد كلجدار أوغلو بإرسال السوريين إلى بلادهم وحل مشكلة الاقتصاد والبطالة، وكذلك تصريحات له أمس طالب فيها "العالم بألا يتم قياسه بالرئيس أردوغان، على اعتبار أنه يأتي من خلفية القوى الوطنية التي حاربت الاحتلال بزمن مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك، وأنه لن يتهاون في مسألة تحويل تركيا إلى سجن للاجئين، وسيتفاوض بشدة مع الدول الأخرى".
وتعول المعارضة التركية على عدة عوامل من أجل الفوز بالانتخابات، منها حملات للتقرب من المواطنين أدت لتجاوب، خاصة من الجيل الجديد في تركيا، حيث تتهم المعارضة الحكومة بأنها لا تتفهم مشاكل الجيل الجديد، فيما هي ستعمل على حل مشاكلهم.
كما تعتمد المعارضة على الوضع الاقتصادي المتذبذب بتركيا، حيث إن التضخم يبلغ مستويات عليا، والعملة التركية غير مستقرة أمام العملات الأجنبية، وينعكس كل ذلك على ارتفاع الأسعار، ما أرهق المواطنين، وهو عامل مهم محدد في الانتخابات التركية، كما أن مشكلة البطالة التي ترتفع بشكل مستمر تؤدي لمحاولة المعارضة استغلال ذلك.
ومن العوامل التي تعتمد عليها المعارضة تشكيل تحالف واسع للأحزاب المناوئة للرئيس أردوغان، على اعتبار أن لديها هدفاً واحداً وهو إسقاط أردوغان، وتحالف الأكراد معهم، ما أدى إلى نجاح في الانتخابات المحلية التي جرت في العام 2019، حيث حققت المعارضة فوزا كبيرا في إسطنبول وأنقرة وكبرى المدن التركية، ومنيت العدالة والتنمية بأولى خساراتها في هذه الانتخابات منذ توليها الحكم عام 2002، على اعتبار أن خسارة إسطنبول وأنقرة تعتبر خسارة كبيرة رغم الفوز بمناطق واسعة في البلاد.
وتعول المعارضة أيضا على دعم خارجي كبير لها من الدول الغربية والاتحاد الأوروبي، خاصة أن هذه الدول منزعجة من سياسة أردوغان، كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن سبق أن صرح قبل توليه الحكم أنه يجب دعم المعارضة في تركيا للإطاحة بأردوغان عبر الانتخابات.
الدستور ونظام الحكم في البلاد هما أيضا من العوامل التي تعول عليها المعارضة، على اعتبار أن هناك رفضاً شعبياً للنظام الرئاسي الذي حول البلاد إلى "ديكتاتورية" وحكم الرجل الواحد، ما قلل من رقابة السلطات بعضها على بعض في البلاد، وتعمل المعارضة على عودة النظام البرلماني المعزز، وتتعهد للناخبين بالعمل معاً على دستور جديد يراعي هذه الخصوصية في تركيا.
وحولت الحكومة نظام الحكم في البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2017 وفق استفتاء شعبي، ودخل النظام حيز التنفيذ مع انتخابات العام 2018، مستفيدة من الأجواء التي تلت المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016، كما أن الحكومة تتعهد بكتابة دستور جديد وتنفتح على المعارضة بشرط عدم تحويل نظام الحكم الرئاسي.