انتهت موقعة مقر اتحاد العلماء المسلمين في تونس على خير، لم تسل دماء كما كان ينتظر أو ربما يتمنّى البعض، وتمكنت قوات الشرطة من فضّ الاشتباك في الوقت المناسب، بين المدافعين عن المقر من أنصار "ائتلاف الكرامة" وحركة "النهضة" أو المواطنين الذين يرفعون شعار حرية التنظم والنشاط وفقاً للقوانين التونسية، وبين أنصار الحزب "الدستوري الحر" ورئيسته عبير موسي التي ترفع شعار الدولة المدنية وتستأثر بحق الدفاع عنها والتحدث باسمها.
انتهت الواقعة بأن تقدّم اتحاد العلماء بقضية إلى القضاء ضد موسي وحزبها، وتقدّمت موسي كذلك بقضية ضد الاتحاد، وهو ما كان يمكن أن يحصل منذ البداية لتجنيب البلاد احتقاناً جديداً ومواجهة لا أحد كان يعرف كيف ستنتهي لولا تدخل الشرطة وفي آخر لحظة، على الرغم من أن موسي سبق أن خسرت قضية ضد الاتحاد في المحاكم التونسية، ولذلك أرادت أن تفرض أمراً واقعاً بالقوة وتحقق انتصاراً معنوياً على الإسلاميين بأي شكل.
في هذه المعركة رابحون وخاسرون بلا شك، سياسياً واجتماعياً وشعبياً، ويمكن تفصيل قائمة ذلك، ولكن هذه الواقعة تصور بدقة كبيرة حال التونسيين هذه الأيام، لأن المعركة أيقظت مخاوف من تدهور الوضع أمنياً، خصوصاً أن الطرفين دعيا أنصارهما للالتحاق بالمكان، كما دفعت الشرطة إلى إغلاق شارع كبير يُعتبر شريان المواصلات في تونس العاصمة، هو شارع خير الدين باشا، فضاع وقت للموظفين والعمال واختنقت الطرق المؤدية إلى قلب العاصمة، والمواطنون يتساءلون ما دخلهم في هذه المعارك، والأكيد أنهم يشتمون بمن كان السبب.
صورة البلاد اليوم، سياسيون يتخاصمون أيديولوجياً، يصحون كل صباح على أمل تسجيل نقاط على حساب الآخرين، ولو تافهة. في الأثناء يضيع أمر المواطنين ومصيرهم، فيما البلاد على حافة الإفلاس، والرواتب قد لا تُدفع للموظفين إذا استمر الحال على ما هو عليه، ومسؤولوهم في غيبوبة دائمة.
في الأثناء، استيقظ ديمقراطيو وحداثيو المناسبات، بعضهم لا يفهم الديمقراطية إلا على أساس معاداة الإسلاميين، ليعلنوا النفير الديمقراطي والتجمّع المدني. ناضل التونسيون وماتوا من أجل فرض منطق الصندوق، للحسم بين الجميع وليقبل به الجميع، ولكن الحقيقة أن بعض هؤلاء بدؤوا يستشعرون خطر موسي وحزبها، ليس على الديمقراطية أو التجربة، وإنما غيرة منها وهي تكتسح الفضاء المعارض لـ"النهضة" وتستأثر شيئاً فشيئاً بموقع الند المنافس انتخابياً وشعبياً، وتكنس الحوانيت الصغيرة التي لطالما اتخذت بدورها من معاداة الإسلاميين شعاراً قبل أن تُقفل وتتوارى من المشهد، لأن معركة التونسيين ليست في ذاك الاتجاه مطلقاً.