المعتقلون والمفقودون الأكراد: قضية غائبة في سورية

09 مايو 2022
أكراد يحيون ذكرى انتفاضة 2004، مارس الماضي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

فتح مرسوم العفو الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد في 30 إبريل/ نيسان الماضي الباب على أسئلة عديدة، منها ما يتعلق بمصير عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين الذين لم تظهر أسماؤهم في قوائم المفرج عنها، وكذلك المعتقلين الذين ظهرت صورهم قتلى في صور "قيصر"، أو الذين وصل خبر مقتلهم أو وفاتهم في السجون إلى أهاليهم.

وضمن ذلك، بات الأكراد السوريون يسألون عن أبنائهم المعتقلين على فترات مختلفة، لا سيما على خلفية الانتفاضة الكردية في عام 2004 وما سبقها وتبعها، لا سيما أنهم اختفوا مثلهم مثل الكثير من المعتقلين السوريين، بعد اندلاع الثورة في عام 2011.

وكسرت مشاهد مجزرة حي التضامن حاجز الخوف أمام معظم أهالي المعتقلين لمعرفة مصير أبنائهم، وبات بعض أهالي المعتقلين الأكراد يوجهون أصابع الاتهام نحو بعض القوى الكردية التي تحتكر تمثيل الأكراد السوريين، ولها خطوط اتصال مفتوحة مع النظام، وبالتالي لم تتحرك تلك القوى لمعرفة مصير أبنائهم.

اختفاء معتقلين أكراد في سورية

صباح يوم اعتيادي، في الأسبوع الأول من عام 2013، اعتقلت قوات النظام أحمد عمر (40 عاماً) المتحدر من ناحية الجوادية بريف الحسكة، والذي كان يعمل حارساً ليلياً في منطقة خان الشيح قرب دمشق، وإلى اليوم لم يعرف مصيره.

وقالت شقيقته بيلا لـ"العربي الجديد" إن قوة عسكرية تتبع لقوات النظام اعتقلته من مكان عمله مع عدد من جيرانه، أفرج عنهم جميعاً، فيما بقي هو معتقلاً، مشيرة إلى أن أسباب اعتقاله أو اختطافه مجهولة كونه لم يمارس أي نشاط سياسي.

كذلك الحال بالنسبة لعزيز شيخ موسى حسن، الذي كان يعمل مدرساً في دمشق؛ بحسب قريبه الناشط السياسي والمعتقل السابق طاهر حصاف، فإن عزيز فُقد في دمشق عام 2014 ولم يعرف أي خبر عنه حتى اليوم.

أما علي فرحان حاجو، والذي كان يؤدي الخدمة الإلزامية بريف حمص، وتحديداً في تعاونية تتبع لإدارة الخدمات الإنتاجية، ففُقد في 20 أغسطس/ آب 2014، من دون معرفة مصيره على الرغم من أنه كان يؤدي الخدمة في صفوف قوات النظام.

وقال شقيقه المحامي لازكين حاجو لـ"العربي الجديد" إنهم تواصلوا مع ضابط الأمن في الإدارة الذي أشار إلى أنه مفقود مع رفاقه الذين تعرضوا لهجوم مباغت وأن لا معلومات عنهم منذ ذلك اليوم.

وأشار حاجو إلى أن الإدارة رفضت أن تعطيهم أي وثيقة تثبت بأن شقيقه مفقود ولم تبت في مسألة وفاته من بقائه حياً. وأبدى اعتقاده بأن الإدارة لديها معلومات عن وضع شقيقه ورفاقه لكنها لم تفصح عنها.


اختفى العديد من المواطنين الأكراد بدءاً من الانتفاضة الكردية في عام 2004

ولأمير حامد قصة أخرى، وهو الذي اختطف مطلع العام 2014 من قبل استخبارات "وحدات حماية الشعب" الكردية، علماً أن نشاطه الإعلامي كان موجهاً بالكامل ضد النظام السوري.

وهو أحد القيادات في التنسيقيات والحركات الشبابية في الحسكة التي ظهرت بداية الثورة، إذ نشط في تصوير التظاهرات والتواصل مع وسائل إعلام عربية ودولية كانت تهتم بتغطية الحراك.

وأشار شقيقه الصحافي مسعود حامد لـ"العربي الجديد" إلى أنهم تواصلوا مع العديد من القيادات في التنظيم وحتى أعلى هرم القيادة في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، من دون الحصول على أي نتيجة.

وأشار حامد إلى أن لديهم معلومات بأن "الوحدات الكردية" قامت وتقوم بتسليم بعض المختطفين والمعتقلين لديها لقوات النظام، لا سيما المطلوبين للجهات الأمنية عند النظام، مؤكداً أن شقيقه مطلوب للمخابرات الجوية التابعة للنظام.

ولفت إلى أنهم أجروا عدة محاولات لمعرفة مصير شقيقه عند الأجهزة الأمنية لدى النظام ولم يصلوا إلى أي نتيجة، بسبب كثرة المعلومات المتضاربة وغير الدقيقة.

ولا تقتصر قضية المعتقلين والمختطفين الأكراد على من تم اعتقالهم أو إخفاؤهم بعد اندلاع الثورة في عام 2011، وإنما هناك العديد من المعتقلين الذين اختفوا نتيجة رأيهم ضد النظام منذ وصوله إلى السلطة.

والكثير من المواطنين الأكراد لا يبدون ولاءهم للنظام، كحال كنعان عبد الكريم، المتحدر من ريف المالكية بمحافظة الحسكة، الذي فُقد منذ 25 عاماً من دون أي معلومة عن مصيره، ويتهم ذووه النظام بالوقوف وراء إخفائه.

وانتقد الناشط السياسي الكردي فريد سعدون القوى السياسية الكردية في سورية بالقول إن "مرسوم العفو كشف زيف الحركة السياسية الكردية وتضليلها الرأي العام وتخاذلها في مسألة المعتقلين والمغيبين والمفقودين الأكراد".

وفي حديث مع "العربي الجديد"، تساءل سعدون عن أسباب تجاهل تلك القوى لمسألة المعتقلين والتركيز على قضية الضباط الثمانية (انشقوا عن قوات النظام وشكّلوا ما عُرف بمجلس عسكري كردي قبل اختفائهم في إبريل/ نيسان 2013 في مدينة المالكية بريف الحسكة).

كما سأل عن سبب "عدم إنشاء لجنة متابعة خاصة لشؤون المعتقلين والمفقودين وتنظيم أسمائهم في قوائم موثقة، والاكتفاء فقط بتبني المطالبة بعناصر قياداتها والمقربين منها من المعتقلين وأهملت الباقين، بل على العكس باتت ورقة المعتقلين تستخدم في الخلافات بين القوى الكردية، لا سيما بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي".

وأضاف أن "القيادات لا تقيم وزناً للشارع، لأنه لا يمتلك الأدوات الكافية والمطلوبة للتأثير عليها، ولم يقم بأي محاولة لتغييرها، فلذلك هي تتصرف من دون أن تحسب له حساباً مع علمها أن الشارع ليس بمقدوره أن يؤذي أو التأثير على مكاسبها وكراسيها".

عفو الأسد للتغطية على مجزرة التضامن

من جهته، قال عضو المكتب السياسي لحزب "أزادي الكردستاني - سورية"، سليمان أسعد، إن العفو الذي صدر من النظام ما هو إلا محاولة للتغطية على هول الجريمة التي ارتكبت بحق العشرات من المواطنين في مجزرة التضامن، وذلك لإشغال الرأي المحلي والدولي بمرسوم العفو.

أما ما يتعلق بالمعتقلين الأكراد، فقد اتهم أسعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، المجلس الوطني الكردي "بعدم الاهتمام سوى بالمعتقلين الذين ينتمون لصفوفه، وهذا يدل على أن المجلس لا يهمه أمر المعتقلين بقدر ما تهمه مصالحه الحزبية". وأضاف: "بما أن المجلس يدعي تمثيل الشعب الكردي فعليه تشكيل لجان حقوقية للتحري بعد عمليات الإفراج الأخيرة عمن أفرج عنه ومن تبقى".

سليمان أسعد: عفو النظام محاولة للتغطية على مجزرة التضامن

وبين الأكراد والنظام في سورية تاريخ من العداء بعد أن حرم نظام الأسد منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة الأكراد من الكثير من حقوقهم ولا سيما الثقافية منها، كالتعليم باللغة الكردية أو الاحتفال بالأعياد بحريّة، ما أدى لظهور نشاط سياسي ضد النظام، سواء عن طريق الأفراد أو التنظيمات الحزبية. وبالتالي تعرضوا كما كل السوريين غير المؤيدين للنظام للاعتقال والإخفاء وحتى القتل.

الحقوقي الكردي إبراهيم أحمد، المهتم بقضايا المعتقلين والمفقودين والمختفين قسراً، أشار لـ"العربي الجديد" إلى أنه شارك في عمليات توثيق للمعتقلين والمختطفين بعد أحداث الانتفاضة الكردية عام 2004، مشيراً إلى أنه لا يوجد توثيق كامل للضحايا بسبب الخوف الذي كان مبرراً بعد التعامل الوحشي للنظام مع الحراك.

ولفت إلى أن العديد من ذوي المعتقلين أو المفقودين كانوا يخشون حتى الإفصاح عن اعتقال أو خطف ابنهم، وهذا ما أدى إلى فتح باب الاستغلال من قبل النظام لمعظم عائلات المعتقلين والمفقودين.

وأكد أن هذه الجريمة بحق الآلاف من المعتقلين السوريين من العرب والأكراد وجميع المذاهب، يجب ألا تمر من دون حساب، ويجب العمل لإيصال القضية للمحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء محكمة دولية خاصة بسورية، لإنصاف الضحايا وذويهم.