عاد التوتر ليخيم من جديد على علاقات حزب "الأصالة والمعاصرة" (بام)، أكبر حزب معارض في المغرب، بغريمه السياسي حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، ما يوحي ببوادر انهيار آمال التطبيع بينهما وطي صفحة العداء القائم منذ 2009.
وفي وقت ساد، طيلة الأشهر الماضية، الاعتقاد بحدوث تغييرات في علاقات الحزبين، في اتجاه التطبيع السياسي، بدت لافتةً في المشهد الحزبي الانتقادات الحادة التي وجهها المكتب السياسي لـ"الأصالة والمعاصرة"، مساء أمس الأربعاء، إلى حزب "العدالة والتنمية"، مبدياً استغرابه لما وصفه "بشروع البعض من الآن في كيل الاتهامات والتشكيك في مضمون الانتخابات حتى قبل إجرائها، مكرسين بذلك لسلوكات وممارسات كنا نعتقد أنها من الماضي وتم تجاوزها، لا سيما وأن الحزب قام بكل ما بوسعه لخلق علاقات سياسية مبنية على الاحترام والصدق في ممارسته للصراع السياسي".
ويثير موقف المكتب السياسي أسئلة عدّة حول ما إذا كانت العلاقة بين الحزبين قد عادت إلى المربع الأول، أي مربع العداء والصراع، بعد أشهر من محاولة طي ماضي الخلافات، التي قادها الأمين العام الجديد لـ"بام"، عبد اللطيف وهبي، الذي تجمعه علاقة طيبة بالعديد من قادة الحزب، مثل الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، كما كان من الداعمين للتحالف بين الحزبين في انتخاب رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة العام الماضي. وهو التحالف الذي وصفه بـ"الإنجاز الحقيقي والأمر المحترم الذي يسعى لتصحيح أخطاء الماضي".
ومنذ اللحظات الأولى لانتخاب القيادة الجديدة لـ"بام" في 9 فبراير/شباط الماضي، حرص وهبي على توجيه رسائل طمأنة لمكونات المشهد الحزبي خاصة الإسلاميين، إذ أعلن إطلاق ما سماه "خط المصالحة مع الذات ومع المحيط"، وجعل الحزب "عادياً مثله مثل جميع الأحزاب بعيداً عن الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء والبيضاء".
وكانت اللقاءات التي أجرتها قيادة "الأصالة والمعاصرة"، في يوليو / تموز الماضي، مع الأحزاب السياسية لا سيما الغريم السياسي، حزب "العدالة والتنمية"، قد فتحت المجال واسعاً لحدوث تغييرات في علاقات الحزب مع محيطه في اتجاه "التطبيع" مع المشهد السياسي، بعد أن كان قد بنى خطابه السياسي التأسيسي في عام 2009، على مواجهة الإسلاميين، وهو الخطاب الذي استنفد أغراضه منذ الفشل في الفوز بالانتخابات التشريعية عام 2016.
وفي الوقت الذي خاض فيه وهبي معركة داخلية من أجل الدفاع عن سياسته تجاه التطبيع مع الإسلاميين، في ظل انتقادات حادة واتهامات له بالتأثير على هوية ومسار الحزب الذي قام بالأساس على مواجهة مشروع حزب "العدالة والتنمية"، يرى الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، أن الانتقادات التي تضمنها بيان المكتب السياسي لـ"بام"، المتوجه لـ"العدالة والتنمية، يؤشر على أن الحزبين سيدخلان في تنافس حاد خلال الأيام المقبلة خاصة أن ذلك سيعيد توحيد صفوف الحزب وراء وهبي الذي كان ينتقد مبادرته القائمة على التطبيع مع غريمه السابق.
ويلفت المحلل المغربي إلى أن المشهد السياسي يعيش، في سياق الاستعداد للانتخابات القادمة، تنافساً محموماً بين الأحزاب بما فيها العلاقة التي تربط بين حزب "العدالة والتنمية" القائد للحكومة الحالية وحزب "الأصالة والمعاصرة" المتزعم للمعارضة، معتبراً أن التموقع السياسي يشكل أحد الأسباب للتعارض بين الحزبين بدليل أن بيان المكتب السياسي قد تضمن انتقاداً حاداً لعمل وحصيلة حكومة الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" ورئيس الحكومة.
ووفق شقير، فإن الخطوات التي اتخذها الأمين العام الجديد لـ"بام"، والتي أشار إليها بيان المكتب السياسي، كانت خطوات للتطبيع مع مختلف الأحزاب، وشكلاً من أشكال التعارف مع بقية رؤساء الأحزاب، إلا أنها قوبلت بمقاومة داخل الحزب، حيث استنكر بعض معارضي وهبي تصريحاته حول التصالح باعتبارها ستؤثر على هوية ومسار الحزب الذي قام بالأساس على مواجهة مشروع حزب العدالة والتنمية. كما ووجهت خطوات التطبيع بمقاومة من طرف أعضاء في الحزب الإسلامي وصلت إلى حد المطالبة بالكشف عن المؤامرات التي كانت تدبر من طرف "الأصالة والمعاصرة" ضد حزبهم.
ويرى المصدر ذاته، أن انضمام الأمين العام لـ"بام"، إلى توافق باقي الأحزاب في مواجهة "العدالة والتنمية" بشأن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس المصوتين، قد أثار حفيظة قياديي "العدالة والتنمية" الذين هدد بعضهم بنسف الانتخابات المقبلة، لافتاً إلى أنه أمام هذا التهديد أصدر المكتب السياسي لـ"بام" بيانه الذي عبر فيه عن استغرابه التشكيك المسبق للإسلاميين في المضمون الديمقراطي للانتخابات المقبلة.