كشفت السلطات المغربية أن عدد المغاربة الذين التحقوا بالساحتين السورية والعراقية، بلغ 1659 شخصاً، لقي 745 منهم حتفهم، في حين اعتقلت السلطات الأمنية 270 منهم خلال عودتهم إلى البلاد.
وأعلن المراقب العام في المكتب المركزي للأبحاث القضائية (المكلف بمحاربة الإرهاب) محمد النيفاوي، مساء أمس الإثنين، أن معطيات رقمية تتعلق بالمقاتلين المغاربة الملتحقين بالساحتين السورية والعراقية، تشير إلى وجود 1659 مقاتلا مغربيا، من ضمنهم 225 مقاتلا سبق أن تمت متابعتهم في إطار قضايا الإرهاب.
وقال النيفاوي، إن مجموع العائدين من بؤر التوتر إلى المغرب بلغ 270 شخصا، من بينهم 137 تمت معالجة حالاتهم على مستوى المكتب المركزي، في حين لقي أكثر من 745 مقاتلا حتفهم في سورية والعراق، أغلبهم عن طريق تنفيذ عمليات انتحارية.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها المرصد المغربي حول التطرف والعنف مساء أمس، في الرباط، بمناسبة الذكرى 18 لأحداث الدار البيضاء الإرهابية، تحت عنوان: "التهديدات، الأداء، والإنجازات".
وبحسب الإحصائيات التي قدمها المسؤول المغربي، فقد بلغ عدد النساء اللاتي التحقن بالحرب في سورية والعراق نحو 288 امرأة، عادت من بينهن إلى المغرب 99 امرأة فقط، بينما وصل عدد الأطفال إلى 391 طفلا، عاد منهم 82 فقط.
إلى ذلك، كشف المصدر ذاته عن تمكن السلطات الأمنية المغربية منذ تفجيرات 16 مايو/ أيار2003 الإرهابية التي عاشتها الدار البيضاء، من اعتقال ما مجموعه 210 خلايا إرهابية، على خلفية إيقاف ما يزيد على 4304 أشخاص منها.
ومنذ عام 2013 اعتقلت 88 خلية على ارتباط وطيد بالمجموعات الإرهابية في العراق وسورية، لا سيما "تنظيم الدولة الإسلامية"، كما تم إحباط ما يزيد على 500 مشروع تخريبي.
كما تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية من إيقاف 1347 شخصا في إطار قضايا الإرهاب، منهم 54 شخصا من ذوي السوابق القضائية، و14 امرأة و34 قاصرا.
ومنذ صدمة أحداث الدار البيضاء الإرهابية، في 16 مايو/أيار 2003، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، سارعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى تغيير تعاملها مع خطر الإرهاب باعتماد مقاربة استباقية، كان من ملامحها الرئيسة تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
كما باشرت الدولة، محاولات مختلفة لتحييد خطر "الجهاديين" داخل السجون وخارجها، من خلال عفو الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب.
في حين كان لافتاً إطلاق الدولة برنامج "مصالحة"، يشرف عليه مختصون وكوادر دينية، يستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب، يرتكز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وفي وقت أحيا فيه المغاربة، الأحد الماضي الذكرى الثامنة عشرة لـ"أحداث 16 مايو/ أيار"، يرى محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية وأحد أبرز شيوخ "السلفية الجهادية" سابقا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تحديات مطروحة على البلاد، أهمها القضاء على موجات التطرف والإرهاب، معتبرا أن ما وقع من تفجيرات لم يكن نتيجة لحظية ولا أمرا مستحدثا، وإنما نتيجة تراكم لانعكاسات عدد من السياسات العمومية التي كانت متبعة فيما قبل، وأدت بالنتيجة إلى صعود تلك الموجات.
وبحسب رفيقي، الذي كان قد حكم عليه بالسجن 20 سنة بعد تفجيرات الدار البيضاء قبل أن يستفيد في فبراير/ شباط 2012 من عفو ملكي، فإن" القطع مع ما حدث ليس بالسهولة التي نتصور، إذ نحتاج إلى عقود من الزمن لمحو آثار تلك الموجات"، لافتا إلى أنه في مقابل الجهود المتميزة إلى حد الساعة على المستوى الأمني، فإن هناك تحديات كبيرة على المستوى الفكري والثقافي لتكريس ثقافة التسامح والتعايش والتعدد والتنوع داخل المجتمع.
وبرأي رفيقي، فإن التحدي المطروح اليوم، في مواجهة التطرف والإرهاب، هو ترسيخ قيم التعايش والتسامح والتنوع التي لن تسمح بظهور موجات أخرى مستقبلا، معتبرا أن تحقيق ذلك رهان يتعين على الدولة العمل عليه ليس فقط من خلال تنشيط المجال الثقافي والفني، ولكن أيضا من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتضييق هوامش الفقر، فضلا عن الاهتمام بالتعليم وتغيير المناهج التعليمية بما يتناسق مع تكريس تلك القيم.