ما زالت المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية متعثرة وتراوح مكانها، ولا حلّ يلوح في الأفق، أقله قريباً، للخروج من هذا الانسداد والتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، فكل من الطرفين الإيراني والأميركي متمسك بمواقفه، ويرمي الكرة إلى ملعب الآخر.
ولم ينجح الحراك الدبلوماسي الأخير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزيارة رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي إلى فيينا، ولقاءاته مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في كسر الجمود. كما أن الوضع يتجه نحو المزيد من التعقيد، مع فرض الإدارة الأميركية، الخميس، عقوبات جديدة على عشر شركات وناقلة نفط، بتهمة مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات النفطية.
تبادل رسائل
وجدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في مقابلة مع وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، نشرت اليوم الجمعة، تأكيد مواقف طهران في المفاوضات النووية، قائلاً إن "الكرة ما زالت في ملعب الطرف الأميركي"، داعياً إياه إلى اتخاذ القرار وإبداء "الشجاعة".
وأكد أمير عبد اللهيان أن إيران "جادة للتوصل إلى الاتفاق، وتسعى إلى اتفاق جيد وقوي ومستدام"، مضيفاً: "نحن لن نترك طاولة التفاوض، وعلى الطرف الأميركي أن يظهر ما إذا كان يمتلك الشجاعة اللازمة لاتخاذ القرار حول هذا الموضوع أم لا".
وأشار الوزير الإيراني إلى مباحثاته ولقاءات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً إن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين كان يحمل "رسالة أميركية"، من دون الكشف عن مضمونها، فضلاً عن حديثه عن طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أفكاراً" خلال لقائه نظيره الإيراني.
وشدد أمير عبد اللهيان على مطلب بلاده في الحصول على ضمانات من الإدارة الأميركية لعدم الانسحاب من الاتفاق مرة أخرى، وتنفيذ تعهداتها، قائلاً "يجب أن نحصل على مستوى من الضمانات تطمئننا"، مشيراً إلى أن الأميركيين يعلنون صراحة أن الاتفاق سيبقى سارياً حتى نهاية عهد إدارة جو بايدن، وأنهم لن يقدموا ضمانات لاستمراره في الإدارة الأميركية المقبلة. وأعلن الوزير الإيراني رفض طهران هذا التوجه الأميركي، مضيفاً: "لا نريد أن نلدغ من جحر مرتين".
وفي معرض رده على سؤال عما إذا كان الوقت ليس لصالح الطرفين والاتفاق، أكد أمير عبد اللهيان أن "عنصر الزمن مهم، لكن ليس أن يكون الثمن هو أن نضحي بخطوطنا الحمراء".
وعن النص النهائي الذي قدمته الممثلية العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي المكلفة بتنسيق شؤون المفاوضات النووية في الثامن من الشهر الماضي في ختام جولة تفاوضية في فيينا، قال وزير خارجية إيران إن واشنطن، في ردها على النص، قدمت آراء "جعلت النص قابلاً للتفسير، وأحدثت بعض الغموض فيه، وذلك في مواضيع تعد أساسية لنا"، مدافعاً عن رد بلاده على النص الأوروبي.
وأوضح أن الغرض منه كان "تقوية النص"، مشيراً إلى أن الجانب الأميركي أضاف "في بعض البنود شروطاً والمزيد من الإيضاحات، لا يمكنني الإفصاح عن تفاصيل ذلك"، معلناً استعداد طهران لعقد اجتماع مع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتفاق النووي لإبرام الاتفاق لإحيائه إذا ما وافقت واشنطن على مطالبها.
واشنطن ترفض منح ضمانات
واليوم الجمعة، قال المبعوث الأميركي إلى الشأن الإيراني روبرت مالي، الذي يترأس وفد بلاده في المفاوضات النووية غير المباشرة مع طهران، تعليقاً على طلب الأخيرة من واشنطن تقديم ضمانات، إن الإدارة الأميركية لا يمكنها تقديم ضمانات لإيران تمنع الرئيس الأميركي المقبل من الخروج من الاتفاق النووي.
وأضاف مالي: "إذا قرر رئيس أميركي في المستقبل الانسحاب الأحادي من الاتفاق مرة أخرى، حتى وإن كان الاتفاق ناجحاً، فلا يمكن فعل شيء لمنعه من ذلك"، في إشارة إلى عدم إمكانية ذلك قانونياً.
وفيما ترفض إيران إجراء أي مفاوضات مباشرة مع واشنطن، قال المبعوث الأميركي في مقابلته مع برنامج "ذي وورلد" الإذاعي الأميركي، إن "التفاوض مع بلد يمتنع عن الحوار معنا صعب، وهو ما جعل كل شيء أصعب وأطول زمناً، ووفر أرضية لسوء الفهم. نحن مستعدون للتفاوض المباشر لكنهم ليسوا مستعدين".
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت إيران بصدد إنتاج السلاح النووي، قال مالي "لا يبدو في الوقت الراهن أن إيران لديها قرار بامتلاك السلاح النووي، لكن هذا لا يعني أنهم لا يطورون برنامجهم".
وربط المسؤول الأميركي مصير المفاوضات بالتحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارستها أنشطة نووية سرية حسب إعلان سابق للوكالة. وتشترط طهران إغلاق هذه التحقيقات، متهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تعتمد "المزاعم الإسرائيلية" حول هذه المواقع.
وأكد المبعوث الأميركي إلى الشأن الإيراني أن "مصير المفاوضات رهن بتحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي لا علاقة لها بالاتفاق النووي"، متهماً طهران بتأخير التوصل إلى اتفاق بالمفاوضات النووية "مرتين، الأولى بسبب الحرس الثوري (المطالبة برفعه من قائمة الإرهاب)، والثانية بسبب طلبها وقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، مع تأكيد مالي أن المطلبين "خارج بنود الاتفاق النووي".
ورد مالي على الانتقادات بشأن مفاوضات الإدارة الأميركية مع طهران لإحياء الاتفاق النووي، قائلاً: "أسأل أولئك الذين يعارضون تعاملنا مع طهران ماذا سنفعل لمنعها من الحصول على سلاح نووي؟"، متسائلاً: "أليست الدبلوماسية أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف؟".
وتعليقاً على الاحتجاجات الأخيرة في إيران، أعلن مالي دعم إدارة جو بايدن لها، لكنه قال إنها لا تسعى إلى زعزعة الاستقرار في إيران "أو تغيير النظام/ لكنها تسعى فقط إلى التعبير بصدق عن القناعات الأميركية بأن الشعب لديه الحق في استخدام حرياته الأولية"، مضيفاً: "نحن ندين الأجهزة الإيرانية المسؤولة عن قتل مهسا أميني وسنفرض عليها العقوبات".
وكان موقع "واشنطن فري بيكن" قد أفاد، الخميس، بأن الإدارة الأميركية أبلغت الكونغرس بأن المفاوضات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي وصلت إلى طريق مسدود.
كما أعلنت الخزانة الأميركية، الخميس، فرض عقوبات على 10 شركات في مجالات البتروكيماويات والنقل في كل من إيران والإمارات والهند والصين، فضلاً عن ناقلة نفط تحت علم بنما. وتتهم واشنطن هذه الشركات بمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات وخاصة في القطاع النفطي.