بينما كان نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، يعلن في أديس أبابا، الخميس الماضي، أن سد النهضة الذي تبنيه بلاده "يقترب حالياً من الملء الرابع"، قائلاً إن "عمليات الملء الثلاث السابقة لم تتسبب في ضرر لدول المصب، وكذلك سيكون الملء الرابع"، كانت عدسات الكاميرات تلتقط صوراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يمازح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، على هامش قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد، في باريس.
وحول ذلك اعتبرت خبيرة النزاعات المائية، هالة عصام الدين، في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "الموقف المصري ثابت تجاه بناء سد النهضة منذ البداية، فهناك رفض مصري قاطع بسبب ما يمثله السد من مخاطر تؤثر على الأمن القومي".
وأضافت: "مصر تعد من أشد الدول جفافاً وتعتمد بنسبة 95 في المائة على مياه النيل، ما يجعل لبناء مثل هذا السد تبعات مصيرية سيئة على الأمن المائي المصري، وليس كما قال الوزير الإثيوبي إن الملء الرابع لن يؤثر على دول المصب، كما عمليات الملء الأول والثاني والثالث".
خسارة لمصر
ولفتت عصام الدين إلى أنه "يوجد تقرير ودراسة أصدرتها السفارة المصرية في واشنطن، تثبت أن النقص في مليار متر مكعب واحد من حصة مصر في مياه النيل تكون آثاره كارثية، كونه يقضي على مليون وظيفة، إلى جانب العجز في الإنتاج الاقتصادي المقدّر بحوالي 1,8 مليون دولار سنوياً، وتزايد نسب البطالة يترتب عليها بالتبعية ارتفاع معدلات الجريمة، وارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا".
وتابعت: "بالملء الرابع لسد النهضة ستكون مصر معرّضة لخسارة تتراوح بين 5 إلى 15 مليار متر مكعب من حقوقها التاريخية المكتسبة من مياه النيل".
هالة عصام الدين: سد النهضة في حقيقته هو جزء من الطموح الاستعماري في المنطقة
وأوضحت عصام الدين أن "إثيوبيا تروج إلى أن سد النهضة هو مشروع وطني وأفريقي، يهدف إلى تعبئة مواردهم المحلية بأنفسهم لتمويل مشاريع بمليارات الدولارات. كل هذه الأمور ادعاءات مغلوطة من الجانب الإثيوبي، فسد النهضة في حقيقته هو جزء من الطموح الاستعماري في المنطقة، وإثيوبيا تظن أنه سيكون لها الريادة والثقل الدولي والإقليمي من خلاله".
وأشارت عصام الدين إلى أن "إثيوبيا دولة استغنت عن خطط ومشروعات لدعم التكامل الإقليمي والإسهام في التنمية الاقتصادية للدول المشاطئة للنيل، من خلال رفض مبادرة حوض النيل التي كان الغرض منها فعلاً الارتقاء بدول حوض النيل وتنمية الموارد المائية لجميع دول الحوض. ورفضت إثيوبيا المشروع الوطني الأفريقي لدول حوض النيل، وذهبت إلى دعم التدخل الخارجي وجذب قوى خارجية ليس من اهتماماتها دعم الإقليم، بل العكس تماماً فالغرض هو تفكيك وحدة الإقليم من خلال مشروع سد النهضة، حتى يمكن السيطرة على منابع النيل وستكون إثيوبيا الخاسر الأعظم في النهاية".
من جهتها، اعتبرت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد": "اعتادت إثيوبيا الإدلاء ببعض التصريحات الهجومية والعدائية قبل بداية أي ملء، مثل التصريح الخاص برفض قرار جامعة الدول العربية الداعم لموقف مصر والسودان في الشهر الماضي، وتكرار هذا الرفض مرة أخرى في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإثيوبي".
وأضافت مرعي: "تستخدم إثيوبيا دائماً أسلوب المظلومية التاريخية، وكأن مصر هي السبب في تأخر إثيوبيا وحرمانها من التنمية، أو من استخدام المياه، والواقع أن توليد الطاقة الكهرومائية من الأنهار الأخرى في إثيوبيا قائم، بينما قدرة إثيوبيا على التنمية غير قائمة، بسبب الحروب الأهلية المستمرة بين القوميات الإثيوبية".
نجلاء مرعي: الدول الثلاث لم تتفق على قواعد الملء وفترته ولا على التخزين
وتابعت مرعي: "تعتمد إثيوبيا في ترويجها الإعلامي لمشروع سد النهضة، وفي تصريحات المسؤولين خلال كل مرحلة، على الإشارة إلى أن سد النهضة هو مشروع تنموي قومي، وأن مصر هي التي تسعى لتعطيل هذه التنمية، بينما في الحقيقة، تقدمت مصر والسودان من قبل باستراتيجيات تعاون مشتركة تتجاوز سد النهضة، باستخدام استراتيجيات شاملة لتنمية دول حوض النيل الأزرق على المستوى المائي والغذائي ومشروعات الطاقة".
إثيوبيا والملء الرابع
وقالت مرعي إن "التصريحات الأخيرة للوزير الإثيوبي مليئة بالمغالطات، فالدول الثلاث لم تتفق على قواعد الملء ولا التخزين ولا حجم المياه ولا فترة الملء، كما يدّعي الجانب الإثيوبي، وحتى الآن لا نعلم كمية المياه التي سيتم تخزينها في الملء الرابع، ومن المتوقع أن تكون كمية كبيرة تؤثر على دولتي المجرى والمصب".
وشدّدت على أنه "بعكس ما ادّعى الوزير الإثيوبي، فإن مصر والسودان تأثرتا بملء السد في المرات السابقة، وإن كانت السودان الأكثر تأثراً في الملء الأول والثاني". وأضافت: "تحاول مصر في هذه المرحلة التعويل على الدور العربي، لحمل إثيوبيا على التخلي عن ممارساتها الأحادية غير التعاونية بخصوص سد النهضة، خصوصاً بعدما خُذلت من مجلس الأمن ومن الاتحاد الأفريقي".
ورأت مرعي أن "إثيوبيا تستغل الأحداث في السودان، ويتذرع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بأنها تعيق المفاوضات بين الدول، وكأن المفاوضات كانت قائمة بينما هي غير موجودة أصلاً".
وكان ميكونين قد شدّد في كلمة خلال "المنتدى الأفريقي حول الاستخدام العادل للأنهار العابرة للحدود في أفريقيا" المنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الخميس، بمشاركة وزراء خارجية دول حوض النيل، على رفض بلاده ما وصفه بـ"التدخل غير البناء وغير المبرر" لجامعة الدول العربية في ملف سد النهضة.
وقال إن "مشروع سد النهضة مشروع وطني وأفريقي، يهدف إلى إخراج الملايين في المنطقة من الظلام، وأظهر قدرة الأفارقة على تعبئة مواردهم المحلية بأنفسهم لتمويل مشاريع بمليارات الدولارات".